كنت كمن يحمل أثقالا فوق ظهره .. ضاغطة على صدره وعقله .. كان على أن أتخلص من هذه الأثقال التى تمثل ضغوطا نفسية وأخلاقية نابعة من شعور وطنى لم يخفت يوما ما .. لكن كيف أتخلص من هذه الضغوط؟ كانت الإجابة واضحة والطريق واضحاً إلى أبعد الحدود .. التوقف الفورى عن العمل فى التليفزيون الحكومى التركى «تى آر تى». لن أعمل مذيعا لديهم مرة أخرى . لن أقدم لهم برامج مرة أخرى . لن أعمل لديهم محللا سياسيا مرة أخرى . أنا مستقيل .. وهذا قرار نهائى ولا عودة فيه مهما كانت الضغوط والتحديات، إذن على أن أخبر إدارة القناة بهذه القرارات .. هنا كان لدى طريقان : الأول إرسال رسالة عبر البريد الإلكترونى وفقط . الثانى الانسحاب على الهواء أثناء تقديم البرنامج . كان من السهل الاختيار، فالانسحاب على الهواء يتيح الفرصة أن يسمع السيد رجب طيب أردوغان ما لم يسمعه من قبل، خصوصا على تليفزيون الحكومة التى يترأسها، كان على أن أرد على أكاذيبه ومغالطاته الخرقاء والرعناء، كنت على يقين أنها مهمة محفوفة بالمخاطر، لكن ما كان يحتبس فى صدرى من غضب على أردوغان من جراء ممارساته وتصريحاته كانت كفيلة بأن أمضى غير عابئ بأى تداعيات . إننى أعمل فى قناة تهاجم وطنى وجيشى وثورتى، إنها تسعى لوأد الحلم وهدم الطموح إنها تنقل الأكاذيب وتسوق للفتنة، إنها بوق وطبلة للراقص على مآسى العرب أردوغان. دخلت إلى الاستديو واستقبلت ضيوفى وبدأت حوارى، وقبل النهاية بدقائق نظرت إلى الكاميرا وقلت ما قلته وما تداولته وسائل الإعلام المختلفة « من لا يميز الألوان لن يرى الخطوط الحمراء .. أنصاف الرجال لن يقدموا إلا أنصاف الحلول .. مصر خط أحمر .. مصر غاضبة وتصريحات أردوغان مرفوضة .. كان عليه أن يعتذر لكنه لم يفعل .. عار عليه إن لم يعتذر، وعار على إن استمريت فى العمل بهذه القناة». أنهيت كلامى ولم ينتبه القائمون على الكنترول فى أنقرة لما جرى إلا فى ختام الكلمة، فتم قطع الإرسال على نصف كلمة السلام، كانت مفاجأة للجميع، فلم يكن أحد على علم بما جرى قبل أن يجرى إلا الله سبحانه وتعالى، والذى كتب لنا التوفيق بعدم قطع الهواء حتى تصل الرسالة إلى من أردت أن تصل إليه. بدأت الاتصالات من جانب المسئولين الأتراك على جميع المستويات الإعلامية والسياسية، وكان كل من يحادثنى أرد عليه دون إبطاء، وكان السؤال: لماذا فعلت هذا؟ نشأت بك، وكانت إجاباتى واحدة: ألم تستمعوا إلى أردوغان؟ ألم تروا ماذا تقدم القناة من أكاذيب؟ وكان السؤال التالى: هل تعرضت لضغوط من الانقلابيين؟ وكانت إجاباتى: أولا ليس لدينا انقلابيون، ولم أتعرض لضغوط من السلطة الحاكمة فقط لدى ضغوط أخلاقية تمنعنى من الاستمرار صامتا عن تهليلكم للباطل الذى يقوله أردوغان وتبثه تى. آر. تى العربية . التقطت المعارضة التركية كل ما جرى، وترجمت كلامى وانتقاداتى لأردوغان وقالوا: إذن أردوغان فقد كل أصدقائه فى الشرق الأوسط، وبدأت رموز من المعارضة ويسألون ويستفسرون عما أذاعه التليفزيون التركى من أن سبب الاستقالة هو الضغوط التى تعرضت لها من الانقلابيين، وبالطبع أوضحت الصورة الحقيقية وزدت تحليلى للدور التركى المشبوه فى المنطقة وعن فشل سياسة أردوغان الخارجية . نص الاستقالة السيد مدير عام التليفزيون التركى « تلاحظ أخيرا وجود تحول شامل فى سياسة TRT العربية ، حيث أصبحت بمثابة نشرة تعمل لحساب تنظيم الإخوان فى مصر بشكل ممنهج ومخطط، وفى سبيلها لتحقيق ذلك لجأت القناة من خلال تغطياتها الإخبارية ونشراتها وبرامجها المختلفة إلى إظهار الإخوان على أنهم ضحايا يتعرضون لمجازر من قبل الأجهزة الأمنية، وذلك على خلاف الحقيقة تماما. كما أن القناة تحاول – دون مبرر مفهوم - تغيير وتزييف الحقائق فيما يخص الشأن المصرى بعرض جميع الآراء فى اتجاه واحد، وهو اتجاه الإخوان دون إتاحة مساحة زمنية لعرض الرأى الآخر. لقد خالفت القناة جميع المعايير المهنية والقواعد الأخلاقية المتعارف عليها فى نقل وتحليل الخبر. بيد أن السياسة التحريرية للقناة التركية تمثل انعكاسا كاملا لسياسة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، التى تنحاز لتنظيم الإخوان دون قراءة صحيحة للمشهد المصرى، وتفتقد إلى أدنى درجات اللياقة السياسية والأعراف الدبلوماسية، كما أنها تتنافى مع قيم الدين الإسلامى الحنيف الذى يحارب الفتن ما ظهر منها وما بطن، فأردوغان لا يترك فرصة ولا مناسبة إلا ويحاول أن يشعل الفتنة ويربك الموقف المصرى من خلال تدخله المرفوض فى الشئون الداخلية المصرية بتصريحاته وأفعاله التى لا تتوقف حيث قام بما يلى : - طالب مجلس الأمن بالتدخل فى الشأن المصرى لإعادة مرسى للحكم . - ضغط على دول الاتحاد الأوروبى لفرض عقوبات على مصر . - ادعى - على غير الحقيقة - أن المساجد فى مصر تتعرض للهجوم وأن المآذن تتعرض للهدم . - ادعى – على غير الحقيقة - أن هناك مذابح للراكعين وأخرى للساجدين تجرى للإخوان . - ادعى أن هناك دورا لإسرائيل فى عزل محمد مرسى، فى إهانة صارخة للشعب المصرى. - تطاول على الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر. وللأسف الشديد قامت القناة بتبنى نفس وجهة نظر رئيس حكومة تركيا دون مراعاة أن هناك حقا أغفله أردوغان وحقيقة أخفتها القناة التركية، ومما يزيد الأسف أن كل ذلك تم ويتم عن عمد من كل الأطراف . لكل ما سبق فإننى كإعلامى مصرى مسلم ينصر الحق وينشر الحقيقة، أرفض رفضا قاطعا سياسة قناة TRT التركية، والتى أصبحت مستهجنة من غالبية الشعب المصرى، لذلك قررت أن أتوقف نهائيا عن العمل بالقناة بعدم تقديم برنامج «ميدان السياسة» وعدم الظهور على أى من قنوات TRT كمحلل سياسى، وذلك اعتراضا منى على سياسة القناة التى تعكس سياسة رئيس الحكومة التركية بدلا من أن تعكس الحق أو الحقيقة.