تصوير:عماد عبدالهادى - فى حوار لا تنقصه الصراحة مع "بوابة الأهرام العربى" كشف الخبير الإستراتيجى اللواء الدكتور طلعت موسى – المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا – أن هناك ثلاث قوى سياسية تسعى وبكل الوسائل لإجهاض ثورة 25 يناير عن طريق إفساد الحياة السياسية وعدم استكمال مسيرة الديمقراطية، وذلك من خلال وضع العراقيل أمام المجلس العسكرى والإيقاع بين الشعب وقواته المسلحة، ونشر الشائعات المغرضة والفوضى فى البلاد لتكريس الشعور بالفراغ الأمنى وتشجيع الاعتصامات والمناداة بالعصيان المدنى، ومحاولات إسقاط الداخلية ثم الجيش وصولا إلى تدمير الدولة المصرية وإسقاطها. ومن أهم المفاجآت التى فجرها اللواء الدكتور طلعت موسى، تلك الضغوط الخارجية التى تعرض لها الجيش سواء من أمريكا أم من دول الخليج سواء فى محاكمة مبارك أم لعدم فتح ملف المنح المقدمة لمنظمات المجتمع المدني.. وهذا نص الحوار.. كيف ترى المشهد السياسى بعد عام من الثورة؟ خريطة القوى السياسية قبل 25 يناير تختلف عنها بعد 25 يناير، فقبل 25 يناير كان الحزب الوطنى هو المهيمن على الحياة السياسية فى مصر، ويقمع كل صوت حر يحاول الخروج إلى دائرة الضوء، وكان بجانب الحزب الوطنى عدد من الأحزاب المعارضة المستأنسة والتى تدور فى فلك الحزب الوطنى ولا يتعدى دورها الخروج عما يرسمه لها الحزب الوطنى، وكان القمع للحريات والسيطرة الكاملة على منظمات المجتمع المدنى بإزكاء الخلافات الداخلية بينها مثل نقابات المحامين والأطباء والمعلمين والعمال والمهندسين . أما عن السلطة التشريعية والمتمثلة فى مجلس الشعب فقد جاء بناء على انتخابات مزورة تعبر عن قيادات الحزب الوطنى وأعوانه فقط ممن يبحثون عن مصالحهم الشخصية ويدعمون مشروع توريث الحكم. وبالنسبة لرئيس الدولة والحكومة وهم يمثلون السلطة التنفيذية نفسها والتى تمثلت فى تزاوج السلطة ورأس المال .. فقد كانت مشغولة فى مهمتين رئيسيتين أولا إعداد مؤسسات الدولة وتهيئتها للتوريث ثانيا السعى لنهب أكبر قدر من أموال الشعب وأراضى الدولة، مع إهمال مطالب الشعب. أما بعد ثورة 25 يناير فقد اختلف الموقف كثيرا وظهرت خريطة جديدة للحياة السياسية فى مصر، ويأتى على رأسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يتولى إدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية التى تنتهى فى 30 يونيو 2013 طبقا للخطة الزمنية التى أعلنها، حيث يتم تسليم السلطة إلى رئيس جمهورية منتخب لأول مرة فى مصر. وقد تم ولأول مرة فى تاريخ مصر أيضا إجراء انتخابات حرة ونزيهة لمجلسى الشعب والشورى تعبر عن آمال وطموحات الشعب المصرى وتم إلغاء قانون الطوارئ عدا الشق المختص بالإرهاب . وظهر على خريطة الأحزاب السياسية فى مصر عدد من الأحزاب تعبر عن أطياف الشعب بكل فئاته حيث ظهرت أحزاب “ الإسلام السياسى “ والأحزاب الليبرالية “ و"الأحزاب اليسارية. أما عن النقابات المهنية فقد أصبحت تقوم بانتخاب رؤسائها بحرية وبدون تدخل من الدولة. كيف كان موقف القوات المسلحة من ثورة 25 يناير منذ انطلاقها، وما فلسفة الجيش فى التعامل معها وتصوره لهذه الثورة؟ الواقع أن القوات المسلحة أيدت ثورة 25 يناير واحتضنتها ورافقتها وما زالت، فشباب الثورة هم أبناء مصر ومستقبلها وخيرة أبنائها ولقد قاموا بثورة سلمية لتغيير النظام الذى استمر ثلاثين عاما، ولقد أعلنت القوات المسلحة تأييدها للثورة ومطالب الشعب قبل أن تتولى مهمة إدارة شئون البلاد يوم 11 فبراير 2011، وعبرت عن ذلك فى البيان العسكرى رقم 4 الصادر يوم 1 فبراير 2011 (أى قبل تولى المسئولية بعشرة أيام) حيث جاء فيه بالحرف الواحد: “إن القوات المسلحة على وعى وإدراك كاملين بمطالب الشعب وأنها لم ولن تلجأ إلى استخدام القوة ضد هذا الشعب العظيم"، واستمر تأييد القوات المسلحة للثورة داعمة لها بكل إمكانياتها، واستمرت مطالب الثوار تتوالى وتتصاعد فى ظروف انتقالية صعبة ومواقف لم يتعرض لها أى جيش أو دولة فى العالم فى التاريخ القديم أو التاريخ الحديث فى مواقف سريعة ومتنوعة ومتتالية، فجاءت الاعتصامات والإضرابات والمطالب الفئوية وأحداث الفتنة الطائفية ومحاولات مهاجمة وزارة الداخلية وزعزعة الأمن والإستقرار، وصلت إلى حد الدعوة إلى العصيان المدنى فى الدولة ومحاولات استدراج القوات المسلحة لكى تصطدم مع الشعب، ولكن كل هذه المحاولات تحطمت وباءت بالفشل أمام الحكمة والصبر والإقتدار الذى اتصف به أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولم يصطدم بالشعب ولم يفتح عليه طلقة واحدة حتى الآن.ولقد حقق لأول مرة انتخابات حرة ونزيهة. إذا كان ذلك كذلك .. فلماذا تطالب بعض القوى السياسية المجلس العسكرى بالإسراع فى تسليم السلطة فورا؟ هناك ثلاث فئات لكل منها مصالحها الخاصة التى تسعى لتحقيقها والعمل على إفساد الحياة السياسية وعدم استكمال مسيرة الديمقراطية التى يسعى إلى تحقيقها المجلس العسكري، نظرا لانكشاف حجمها الحقيقى وعدم قبول أو تأييد الشعب لها نتيجة للانتخابات الحرة لمجلسى الشعب والشورى ،ونظرا لإعلان حقائق التمويل الخارجى لمنظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان فى مصر والتى أعلنت عنها أخيراً الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولى. وأول هذه الفئات قوى حزبية لم تحصل على مكان لها فى مجلس الشعب المنتخب وبالتالى عرفت حجمها الحقيقى على خريطة الأحزاب السياسية لكنها تمتلك المال عن طريق التمويل الخارجى وللأسف هؤلاء يمتلكون العديد من وسائل الإعلام والتى استغلوها جيدا للمناداة بالعصيان المدنى والتشجيع على الاعتصامات ومعهم بعض مذيعى التوك شو والذين يقودون هذا الإعلام الفاسد فهم من كانوا موجودين فى عهد النظام السابق وهم أيضا من ارتدوا عباءة الثورة وبدأوا فى وضع العراقيل أمام المجلس العسكرى لإفشال مسيرة الديمقراطية عن طريق استضافة الشخصيات المعروفة بعدائها للقوات المسلحة والإصرار على توجيه أسئلة معينة تهدف للإيقاع بين الشعب والجيش. والفئة الثانية تدعى الثورة لكنها تسعى لتنفيذ أجندات خارجية طبقا لمصالح الدول التى تغدق عليهم بالمال، حيث تم تدريبهم فى الخارج ضمن برامج مشروع الشرق الأوسط الكبير وحصلوا على دورات حول مفهوم الديمقراطية والإعلام وتنظيم الانتخابات وكيفية مراقبتها وهو أمر جيد فى ظاهره، لكن إذا بحثنا فى مضمونه سنجد أن هؤلاء قد تم تدريبهم على صناعة زجاجات المولوتوف وكيفية تنظيم المظاهرات ومهاجمة الشرطة وكيفية هدم أعمدة الدولة من سلطة قضائية وتنفيذية وتشريعية دون معرفة كيفية إعادة بنائها، وأكبر دليل على ذلك الحملة المغرضة التى تتعرض لها القوات المسلحة عن طريق نشر الشائعات التى تهدف إلى كراهية الشعب لقواته المسلحة والمحاولات المستميته لمهاجمة وزارة الداخلية بدون مبرر. وهناك فئة ثالثة متمثلة فى قوى سياسية خفية من فلول النظام السابق والتى تسعى إلى هدم الثورة ومحاولة تشويه وتقليص كل نجاح أو تقدم يحدث على أرض الواقع وتنفق الملايين على البلطجية من أجل إحداث البلبلة والاضطرابات والجرائم لتأكيد الشعور العام عند الشعب بالفراغ الأمنى وأن أيام ما قبل الثورة أفضل بكثير من هذه الأيام. فجأة وبدون مقدمات قفزت قضية الفتنة الطائفية على السطح الأمر الذى شكل ضغطاً على المجلس فى ظل زخم المشاكل والملفات المهمة..ما الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذا الملف من وجهة نظرك؟ بداية أريد أن ننتبه جميعا للحاقدين والمغرضين ولا نسمح لهم ولا نعطيهم أدنى فرصة للنيل من وحدة المصريين مسلمين وأقباطا لأن الفتنة الطائفية إذا اندلعت فلا أمن ولا أمان لحياة المسلم أو المسيحى على السواء، وستكون هناك حالة من التربص بينهما تضر بالمواطن والمسجد والكنيسة ولن تكون هناك قدرة لأى جهة على الاصلاح لذلك لابد من وأد الفتنة لأن المصريين دائماً مسلمين ومسيحيين على قلب رجل واحد ولا فرق بينهما. والقوات المسلحة لا تفضل فئة على فئة أو جماعة على جماعة ولا دينا على دين ولا حزبا على آخر، فالمصريون جميعاً سواسية والوطن هو الأساس ومصلحة مصر هى الهدف. قضية التمويل الخارجى لبعض المنظمات فى الداخل والمثارة على الساحة حاليا..ما رأيك فيها فى ظل التهديدات الأمريكية..؟ بداية يجب أن نعلم أن أمريكا لها مصالح عديدة فى المنطقة متمثلة فى الحفاظ على أمن وهيمنة إسرائيل على دول المنطقة..والسيطرة على منابع البترول وتأمين خطوط الملاحة العالمية وأهمها قناة السويس كما تعتبر المنطقة سوقا جيدة لتصريف البضائع والمنتجات الأمريكية، وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أعدت مخططا لتفتيت دول المنطقة إلى دويلات منذ عام1983 من خلال مشروع قام بإعداده الدكتور الصهيونى الأمريكى “بيرنارد لويس" وعرضه على الكونجرس وصدق عليه فى جلسة سريه على أن تدرج محتوياته فى الإستراتيجية الأمريكية السنوية التى يعلنها الرئيس الأمريكى فى كل عام. وبسقوط الاتحاد السوفيتى عام 1990 تم تحديد الإسلام عدوا جديدا للولايات وأخذت تعمل على تفتيت دول المنطقة عن طريق نشر الفوضى الخلاقة فقامت بغزو العراق وتقسيمه، وتم تقسيم السودان وكان من المخطط سقوط مصر حسب توقعاتها فى عام 2015، فوجئت مبكرا بقيام الثورة فى مصر فى ينايرعام 2011 إلى جانب باقى الثورات العربية فحاولت احتواءها، وسعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون إلى استقطاب شباب الثورة وعرضت تمويلهم بمبلغ40 مليون دولار وتدريبهم على تكوين القيادات وإدارة الانتخابات ولأن ثوارنا الشرفاء شباب25 يناير وطنيون وليس لهم هدف سوى مصلحة مصر، لذا فقد رفضوا هذا العرض، كذلك حاولت استقطاب المجلس العسكرى وتطويعه لتنفيذ السياسات الأمريكية ولكن تحطم ذلك على صخرة مواقف الكرامة والعزة والوطنية المصرية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لذا كان الاتجاه الآخر بمحاولة التخلص من المجلس العسكرى بإثارة المشكلات عن طريق ضخ الأموال لمنظمات وجمعيات المجتمع المدنى التابعة لها وقامت بعمل محطات توصيلية لتوصيل هذه الأموال لأتباعها عن طريق غير مباشر حيث أنشأت فى اليونان وقبرص جمعيات وشركات يتم التحويل من خلالها. كيف ترى مستقبل العلاقات مع أمريكا؟ الولاياتالمتحدة تتعامل معنا باستعلاء وتسعى للتدخل فى شئوننا وكأنه حق مكتسب لها مثلما حاولت أن تفرض علينا البرادعى كرئيس لوزراء مصر وهو ما رفضه المجلس العسكرى، أيضا رفضها لما قامت به السلطات المصرية من ممارسة حقها السيادى فى تفتيش منظمات العمل المدنى ،وأيضا التهديد بقطع المعونة عن مصر، ولأن المجلس العسكرى وقف أمامها بكل كرامة وعزة فقد سعت للتدخل لكن بشكل آخر وهو ما تمثل فى زيارة السفيرة الأمريكية للمرشد العام للإخوان أو لرئيس مجلس الشعب وبالتالى فهى لا تراعى مصالحنا ولا تهتم بالأمن القومى المصرى. وأرى أنه يجب علينا من الآن اتخاذ قرار تنويع مصادرالسلاح لمصر، ألا يقتصر الأمر على الولايات المنحدة الأمريكية فقط حتى لا نقع تحت أى ضغط علينا ونكون أصحاب قرارنا بدون أى تدخل أجنبى ،ثانيا اتخاذ الإجراءات المناسبة للتخلى عن المعونة الأمريكية لأن كرامتنا فوق أى اعتبار، ثالثا العمل على زيادة الإنتاج لرفع معدلات النمو. بمناسبة فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية يوم 10 مارس .. ما هو فى تصورك النظام الأفضل لمصر الرئاسى أم البرلمانى ولماذا..؟ فى الحقيقة أن النظام الرئاسى يعطى لرئيس الجمهورية سلطات واسعة قد توصلنا إلى ديكتاتورية جديدة كديكتاتورية النظام السابق، أما النظام البرلمانى فهو نظام مناسب لأنه يقوم بالتشريع والرقابة على السلطة التنفيذية التى تتمثل فى رئيس الجمهورية والحكومة، ولكننى أرى أن المجلس النيابى المنتخب حاليا يشوبه بعض الملاحظات التى تستدعى ضرورة التفهم والتدريب العملى واكتساب الخبرة لإدارة العمل الديمقراطى بطريقة صحيحة وسليمة، فالمجلس ينقص الكثير من أعضائه الأسلوب الصحيح للمناقشة وثقافة الإختلاف، كما أن روح تصفية الحسابات مع فئات من النظام السابق والمبالغة فى بعض المواقف تبدو واضحة عند بعض الأعضاء فى المجلس،وإنى أدعوهم إلى المصالحة الوطنية وأن ننطلق إلى المستقبل بدلا من ذلك ،أسوة بالمصالحة التى قام بها نيلسون مانديلا فى جنوب إفريقيا، وعلى ضوء ذلك فإنى أرى أن النظام المختلط الرئاسى البرلمانى هو خير نظام وأفضل نظام بالنسبة لظروفنا الحالية نظرا لأيديولوجية وطبيعة وتكوين الشعب المصرى.