فى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ مصر، وبعد نجاح ثورة الشعب فى 30 يونيو، وإزاء مطالبة حركة تمرد والتيار الشعبى بمحاكمة الرئيس المعزول، وتنظيم مليونيات خاصة بذلك تدور تساؤلات مهمة للغاية، كيف يتم تحريك الدعوى الجنائية أو مقاضاة الرؤساء؟! ويجيب عن هذه التساؤلات الخطيرة الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى العام وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية فى حواره مع «الأهرام العربى» قائلا: حاكموا مرسى بتهمة الخيانة العظمى، ويؤكد أن الانتهاكات الدستورية التى ارتكبها الرئيس المعزول تستلزم تحريك الدعوى الجنائية ضده، مشيرا إلى أن كل رؤساء مصر السابقين لم ينتهكوا الدستور مثلما فعل «مرسى»، لافتا النظر أن تهمة الخيانة العظمى لم توجه لأى رئيس عربى قبل مرسى إلا للرئيس العراقى الأسبق عبدالكريم قاسم. يطالب الثوار بمحاكمة الرئيس المعزول بتهمة الخيانة العظمى، كيف يتم تحريك الدعوى الجنائية فى هذا الصدد؟ إذا كنا نتحدث عن تحريك الدعوى الجنائية ومقاضاة الرؤساء، حيث إن كل دساتير العالم ومنها الدستور المصرى، تحدد مدى وكيف يلاحق رؤساء الدول وبموجب الدستورى المصرى المعطل لعام 2012، والذى نصر على محاكمة الرئيس عند ارتكابه أى من الجرائم الثلاث، وهى الجرائم الجنائية والخيانة العظمى وتعطيل المؤسسات الدستورية، وفى هذا يختلف دستور 2012 المعطل عن دستور 1971 الملغى والذى كيف جريمة الخيانة العظمى، بأنها إتيان أحد الفعلين وهما التآمر والتخابر مع دولة أجنبية عدو أو تعطيل المؤسسات الدستورية، وفى الحالة المصرية الحالية تجدر الإشارة أنه فى 21 نوفمبر 2012 أصدر الرئيس المعزول د. محمد مرسى إعلانا دستوريا، وذلك الإصدار ذاته يعد انتهاكا لمبدأ الشرعية والمشروعية، حيث إنه من المحال أن يقوم رئيس منتخب دستوريا بإصدار إعلانات دستورية والتى لا تصدر إلا عن سلطة الأمر الواقع سواء أكانت مجالس عسكرية أو مجالس رئاسية، أو مجالس انتقالية، أو رئيسا مؤقتا للبلاد مثل الحالة الراهنة..وفى هذا الصد فقد احتوى الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المعزول د. محمد مرسى تحصينا لكل قراراته الجمهورية وتشريعاته التى يصدرها من أى رقابة قضائية، ومن ثم يكون بذلك قد عطل مؤسسة دستورية فى البلاد، وهى السلطة القضائية بهيئاتها المختلفة ومحاكمها المختلفة بدرجاتها وأنواعها، فارتكب أيضا جريمة «إنكار العدالة» وحرم المواطنين المصريين من التقاضى أمام المحاكم من أية دعوى مرتبطة بهذه التشريعات والقوانين الجمهورية. فالإعلان الدستورى ذاته أيضا والذى صدر عن الرئيس المعزول يعد تدخلا فى عمل السلطة القضائية، وافتئاتا على مبدأ الفصل ما بين السلطات كما فى المحظور الأخطر وهو اعتداء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فكل هذه الانتهاكات المرتكبة كانت تستلزم تحريك الدعوى الجنائية ضد الرئيس المعزول لإصداره ذلك الإعلان الدستورى دون سند من القانون، وهذا ما يسمى الملاحقة القضائية نتيجة تعطيل المؤسسات الدستورية. نتحدث عن محاكمة رئيس جمهورية.. ألا يمكن أن تكون هناك أية حصانة للرئيس تحول دون محاكمته على أفعال ارتكبها أثناء رئاسته للدولة؟ هنا يجب أن نعلم مبدأ مهماً جدا وراسخا فى كل القوانين الدولية والوطنية والذى أرسته المحكمة الدولية الجنائية عام 1945، وهذا المبدأ هو أن الصفة الرسمية للمتهم لا تبيح له ارتكاب الجرائم ولا تمنع عنه المسئولية والمساءلة ولا تخفف عنه العقاب..لذا نجد أنه ليس من دستور أو تشريع وطنى يحصن رؤساء الدول فيما يرتكبونه من جرائم جنائية ومنها جريمة الخيانة العظمى. وفى سائر الدول الديمقراطية تنص دساتيرها على محاكمة رئيس الدولة إذا عطل المؤسسات الدستورية، وليس المهم فقط محاكمة الرئيس على هذا الإعلان وإنما أيضا محاكمة كل من شارك فى إصدار ذلك الإعلان سواء بالتحريض أو التآمر أو المساعدة أو التسهيل..وفى رأيى أنه إذا لم يتم محاكمة من شاركوا فى هذه الجريمة سيأتى لمصر فراعنة آخرين باعتبار أن هؤلاء المضللين هم كهنة المعبد. ما مؤشرات توجيه تهمة الخيانة العظمى للرئيس المعزول؟ جريمة الخيانة العظمى تحددها معظم الدساتير الدولية بالتآمر والتخابر مع دولة أجنبية عدو لدولة الرئيس، لذا فقد طالبت محكمة استئناف جنايات إسماعيلية النيابة العامة بتحريك الدعوى الجنائية ضد الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسى وآخرين من جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، وذلك لتخابرهم مع منظمة أجنبية، وهى منظمة حماس فى الأحداث الشهيرة المعروفة بالهروب من سجن وادى النطرون أثناء ثورة 25 يناير المجيدة عام 2011، حيث ثبت للمحكمة من واقع شهادات الشهود والأقراص المدمجة والمكالمات الهاتفية من الجوال الخاص بالدكتور محمد مرسى، اتصاله بمنظمة حماس والتخابر والتعاون معها لاقتحام وتدمير سجن وادى النطرون، وتحرير معتقلين مسجونين مصريين وأجانب بالقوة المسلحة، وبالتالى ستكون جريمة الخيانة العظمى أخطر وأهم الجرائم المزعوم ارتكابها من جانب الرئيس المعزول د. محمد مرسى. هل ستتم محاكمة الرئيس المعزول أمام المحاكم العادية أم المحكمة العسكرية باعتباره كان القائد الأعلى للقوات المسلحة؟ القضاء العسكرى ذو ولاية قضائية فى العديد من الجرائم المزعوم ارتكابها من جانب د. محمد مرسى ليس بوصفه كان رئيس الجمهورية، لكن بوصفه كان القائد الأعلى للقوات المسلحة وهى الجرائم التى تخضع لقانون الأحكام العسكرية..وأرى أن معظم هذه الجرائم المزعوم ارتكابها ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومى المصرى وتحديدا فى سيناء سواء كانت الشئون المتعلقة بفتح وإغلاق المعابر مع قطاع غزة وأيضا إغلاق وتدمير وردم أنفاق التهريب فى سيناء، فضلا عن جرائم أخرى قد تكشف عنها الأيام المقبلة..لذا لابد من المحاكمة العاجلة والتى تتوافر فيها ضمانات المحاكمة العادلة والتى يأتى على رأسها قرينة البراءة للمتهم وافتراض هذه القرينة تبدأ من لحظة بدء التحقيقات الجنائية وتستمر حتى صدور الحكم، كذلك فالحكم الجنائى الحاسم لابد أن يستند على أدلة ثبوتية دامغة لا تحتمل ثمة شك، والذى يفسر دوما فى صالح المتهم، والأدلة هنا لا تعنى دليلا واحدا فى مثل هذه الجرائم وهذه المحاكمات ذات الطبيعة الخاصة، لكن العديد من الأدلة الثبوتية الدامغة التى تترابط وتتلاقى لتفضى إلى يقين القاضى بأن المتهم برئ أو مذنب. هل سبق أن وجهت تهمة الخيانة العظمى لأى رئيس عربى من قبل؟ الجدير بالذكر هنا أن هذه التهمة لم توجه من قبل لأى رئيس عربى سوى الدكتور محمد مرسى، وأيضا الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم، الذى حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص عام 1961..ويجب هنا أن نشير إلى أن هناك العديد من الدساتير التى تحاكم الرئيس على تعطيل المؤسسات الدستورية وتعطيل العمل بأحكام الدستور وانتهاك الدستور والقانون، وأن الجزاء المنطقى الذى يترتب على مخالفة أحكام الدستور، ليس هو النيل ممن قام بهذا الخرق، بقدر ما هو الوقوف ضد هذا الخرق كيفما كان..وهنا يجب أن نشير أيضا إلى أن حق المقاومة هو الحق الوحيد غير القابل للانتقال بموجب التعاقد، ولأنه الحق السيادى الوحيد الذى يضمن سريان تنفيذ بنود العقد، إن هذا ما عرفته الدساتير الثورية، وما أقرته أحكامها، كدستورى 1791 الفرنسى، ودستور 1789 الأمريكى، ومثل الدساتير الحديثة ومنها الدستور اليونانى والدستور الألمانى..وعلى الرغم من أن مصر شهدت أحداثا جساما هددت أمن وسلامة الدولة وكيانها على مدى تاريخها الطويل، مثل الحروب العديدة التى خاضتها مصر وآخرها حرب أكتوبر 1973، وأعمال التمرد الكثيرة التى وقعت وأيضا المظاهرات والعنف والشغب فى أحداث 18 و19 يناير، ومؤامرة قلب نظام الحكم فى 15 مايو عام 1971 وأحداث الأمن المركزى فى فبراير عام 1986، ومع ذلك لم يقم أى من رؤساء مصر السابقين بتعطيل الدستور ولم ينتهكوا أعماله مثلما فعل الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسى.