تواصل «الأهرام العربى» نشر قصص المصريين الذين سافروا للقتال فى سوريا ضد قوات الرئيس بشار الأسد، ونلقى الضوء على قصة أحد أشهر من لقوا مصرعهم منهم، وهو محمد محرز، شقيق ياسر محرز، المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان، الذى انتشر نبأ استشهاده فى سوريا ضمن صفوف المقاتلين ضد بشار الأسد؛ لم يكن إسلاميا متشددا، ولم يكن سلفيا ولا إخوانيا، وكان بلا انتماءات سياسية، ولكنه كان شغوفا بتحقيق حلم حياته وهو «الجهاد».. وسافر إلى سوريا لتحقيق حلمه- حسبما اعتقد- بالجهاد ضد نظام بشار الأسد ففاضت روحه إلى السماء بعدما حقق حلمه. فى منزل أنيق تغلب عليه البساطة استقبلتنى شيماء على، زوجة محمد وحكت قصة زوجها الذى ساندته حتى حقق حلمه فى «الشهادة» مؤكدة أن حلم «الجهاد والشهادة فى سبيل الله» لم يفارق محمد منذ عرفته قبل زواجها منه، وأن الأمر لم يكن يتركز بالنسبة له على الجهاد فى سوريا فقط، لكونه كان يتمنى أن تكون وفاته وهو يجاهد، مضيفة «من قبل زواجى به وأنا أعلم ما يفكر به، فقد كان يحلم طوال حياته بالجهاد فى سبيل الله، لذا عندما قامت الثورة فى سوريا لم أتفاجأ عندما صارحنى برغبته فى الذهاب إلى هناك، فأنا أعلم ما هى مبادئه وحلمه فى الجهاد الذى يطارده منذ عرفته». ومضت شيماء تحكى قصة زوجها قائلة « منذ صغره كانت قضية فلسطين محور اهتمامه، وفى عهد النظام السابق حاول دخول غزة لتقديم مساعدات إنسانية أكثر من مرة إلا أنه فشل، وبعد تولى الرئيس مرسى السلطة نجح مع مجموعة من النشطاء السياسيين فى دخول غزة ضمن قافلة للتضامن مع أهلها ضد الحصار والاعتداء الإسرائيلى مرتين فى أقل من شهر، فكان سعيدا جدا بذلك، وقام بعمل علاقات مع البعض هناك على أمل أن يتوسطوا له للدخول فى مرات لاحقة عندما يريد، وفى المرة الثانية لدخوله أمضى يومين وعاد، وسأل خلالهما عن كيفية الالتحاق بكتائب القسام إلا أنه اكتشف أن الأمر لم يكن سهلا كما كان يتخيل، وأنه قد يستغرق شهورا حتى يحصل على ثقتهم ويقبلوا التحاقه بهم، فاتجه للتفكير فى سوريا. ومضت قائلة «وقت اندلاع الثورة المصرية كنا فى ليبيا، لأنه كان يعمل هناك، وحاول العودة لمصر إلا أنه فشل، حيث كان صاحب العمل يحتفظ بجواز سفره، فكان يبكى لفشله فى المشاركة فى الثورة، خصوصا أنه كان يشارك فى التظاهرات ضد مبارك منذ 2005. واستطردت شيماء تحكى قصة محمد محرز قائلة: “فور اندلاع الثورة الليبية فكر فى الالتحاق بالثورة الليبية والجهاد ضد القذافى، إلا أن الليبيين أنفسهم لم يسمحوا بذلك، حيث كان هناك ترصد لأى مصرى أم تونسى بسبب اتهامهم لنا بتصدير الثورة، والتسبب فى أحداث الشغب هناك. وتكمل شيماء وهى تداعب طفلتها ندى “منذ وقوع الثورة السورية كان محمد يهتم بمتابعة أحداثها، والحرص على التواصل مع نشطاء من سوريا على موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك"، سواء المؤيدين أو المعارضين، فى محاولة لفهم ما يجرى هناك. وعن بداية رحلة محمد إلى سوريا قالت شيماء: ذات يوم فاتحنى فى رغبته للذهاب لسوريا، واتجه لمشاورة بعض أصدقائه ممن هم أكبر سنا وأكثر خبرة وبعض الشيوخ الذين يثق فيهم، فطلبوا منه عدم الذهاب لأنه قد لا يتمكن من التفريق بين الحق والباطل، فجعله ذلك مترددا لفترة حول الأمر، لأنه كان يخشى التورط فى سفك دماء مسلم بالباطل خصوصا بعدما سأل أصدقاءه فى سوريا فأخبروه بأنهم لا يحتاجون رجالا لكن يحتاجون المال لشراء السلاح لأنه غال جدا، ووقتها كان لديه مبلغ رزقه الله به من عمله فسألنى إن كنت فى حاجة لشيء منه لأنه يرغب فى إرساله لسوريا فشجعته على الأمر حتى تهدأ نفسه ويشعر بأنه جاهد بنية أنه من جهز غازياً فى سبيل الله فقد غزا". ومضت تروى قصة زوجها فبل السفر لسوريا قائلة: “ لم يهدأ، وبعدها بأسبوع علم بسفر اثنين من أصدقائه إلى سوريا فحزن على الرغم من كون صديقيه لم يذهبا للجهاد بل ذهبا لتصوير ما يحدث فى مهمة عمل فكان يقول “اشمعنى أنا ما أدخلش ما الطريق مفتوح أهو والناس بتروح" فحاولت أن أهون عليه الأمر إلا أنه كان يطمع فى الجهاد بالنفس، لأنه يراه أعلى من الجهاد بالمال، فكان يمنى نفسه بأن الله سييسر له الذهاب وأن عليه أن يستعد لذلك، فبدأ فى إعداد نفسه بدنيا فى انتظار الوقت المناسب، ولاحظت أنه تغير كثيرا فى تلك الفترة فقد كان يحب الطعام جدا، فقد كان يزهد فى الطعام ويلتزم بنظام غذائى لفترة أطول مما اعتادها، ويذهب لل “جيم" 6 أيام بالأسبوع، ويمارس السباحة ورياضات الدفاع عن النفس، وكان يقول لها “أنا بجهز نفسى ولازم أبقى رياضى كويس عشان وقت ما ربنا يفتح لى باب الجهاد أكون مستعدا، كما بدأ يلتزم بالصلوات الخمس فى المسجد محاولا إصلاح حاله مع الله حتى يمن عليه بالجهاد فى أقرب وقت، وبدأ فى إصلاح علاقاته أكثر مع من حوله، والإقلاع عن ذنوب معينة كان يفعلها، وأغلق حسابه على “فيس بوك". أضافت قائلة : “بعدها اتصل به أصدقاؤه السوريون يطلبون منه الذهاب، ويبلغونه أنهم فى حاجة للرجال، وأن هناك من سيسهل له الدخول عبر تركيا ويتكفل بمصاريف سفره لأننا لم نكن نملك المال وقتها، فعاد ليسأل أصدقاءه والشيوخ فشجعوه هذه المرة على الذهاب لأن الوضع أصبح أكثر وضوحا من ذى قبل"، مشيرة إلى أن المثير فى الأمر هو علم أهله وموافقتهم على سفره على عكس الكثير من الشباب ممن يتوجهون لسوريا دون علم ذويهم. وعن كيفية دخوله والظروف المعيشية هناك؛ أوضحت شيماء “ محطته الأولى كانت تركيا، حيث أمضى فى أنطاكيا بالجنوب يومين ونصف اليوم، قابل خلالها المعنى بالتواصل معه، لييسر له دخول سوريا عبر الحدود، وبعد دخوله سوريا أمضى هناك ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع وبلغنا نبأ استشهاده بعدها". أضافت قائلة: “قبل دخوله سوريا كنا نعلم أن التواصل معه سيكون صعبا، وأخبرنى بأنه تلقى تدريبا هناك وأن قائد الكتيبة التى التحق بها سمح له بإجراء مكالمة لعائلته كل 5 أيام لأنه متزوج، وأنه بذلك أفضل من غيرالمتزوجين حيث يسمح لهم بإجراء مكالمة هاتفية كل أسبوعين، والأيام الخمسة الأولى قبل المكالمة الأولى مضت علينا كأنها خمس سنوات، خصوصا أنه لم يخبرنا بمكانه فى سوريا تحديدا، وقبل استشهاده بفترة قصيرة أخبرنى أنه تمت ترقيته داخل الكتيبة وأنه حصل على موبايله، فاتصل بى ثلاثة أيام متتالية وفى اليوم الرابع وصلنى خبر استشهاده فى إحدى العمليات". وأشارت شيماء إلى أن المكالمات كانت قصيرة لا تتعدى الواحدة منها خمس دقائق، إلا أنه كان سعيدا ومعنوياته مرتفعة على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة؛ حيث كان ينام على أرض غير ممهدة، ولا يتناول سوى وجبتين بسيطتين فقط فى اليوم صباحا ومساء ً والطقس كان شديد البرودة، وأكد لها أن شكوكه وقلقه وخوفه من التورط فى قتل مسلم بالباطل تم حسمها فى اليوم الأول وأنه يقاتل مع جانب الحق، على حسب قوله. وأضافت قائلة: “ آخر ليلتين كان الوضع صعبا بالنسبة له، إلا أنه كان معجبا بالحياة فى سوريا بغض النظر عن الحرب الدائرة هناك، وأخبرنى أنه يرغب فى أن نسافر له أنا وطفلتنا ندى ونستقر هناك، فطالبته أن يأتى بنفسه ويصطحبنا، وكنا سنرتب لذلك فقد كنا اتفقنا منذ البداية أنه سيمضى فى سوريا 3 أشهر فقط ويعود، إلا أنه غير رأيه". وتابعت قائلة “فوجئت بمكالمة هاتفية قصيرة من أحد المجاهدين السوريين فى كتيبة محمد يخبرنى باستشهاده، وعاد ليتصل بى لاحقا ليحكى لى بعض المعلومات دون تفاصيل، وأخبرنى أن محمد شارك فى عملية قبل أسبوع من استشهاده أبلى فيها بلاء حسنا، ثم استشهد فى عمليته الثانية، عندما قنصه أحد جنود جيش بشار الأسد، إلا أنه أكد لى أنهم لاحقوا من قنصه وقتلوه، وقد صلى المجاهدون عليه، ودفنوه مع شهيدين آخرين فى مقبرة للشهداء فى حلب، وأخبرنى بأن محمد أثر فى الكثيرين هناك وأنه تحول لشبه أسطورة فى سوريا، لدرجة أن البعض بدأ يختلق عنه بطولات وهمية وأكاذيب بسبب إخلاصه الشديد للقضية وحديثه الدائم عن الشهادة، وتعجله لها، حتى إن هناك رجلا سوريا مرفها كان يعيش فى الخليج وليس لديه أى مشكلات تؤرقه فى الحياة أتى للانضمام لهم بعد سماعه قصة محمد محرز". وحول الجدل الذى أثير عقب استشهاد محمد حول انتمائه للإخوان المسلمين؛ شددت شيماء على كون محمد صاحب فكر إسلامى، ومن أوائل من أسسوا مدونات للرأى، وكان له نشاط سياسى منذ عام 2005، إلا أنه لم ينتم إلى أى تيار، مضيفة “محمد لم يكن من الإخوان.. وهو ليس شهيد الإخوان.. صحيح أن أخاه هو المتحدث الرسمى باسم الإخوان".