عيون وآذان (نحو انتفاضة ثالثة)

يقولون بالإنكليزية: إذا لم تستطع أن تهزمهم انضمَّ اليهم، والرئيس الأميركي الذي تحدث في القاهرة في حزيران (يونيو) 2009 واسمه باراك حسين أوباما، جاء إلى إسرائيل في آذار (مارس) 2013 وتحدث باسم باراك (العم سام) أوباما.
لم يبقَ أمام الفلسطينيين سوى انتفاضة ثالثة. وفي حين أنني لا أريدها، فإنني لا أجد أيَّ بديل عملي أو نظري لها وقد سُدّت المنافذ على الفلسطينيين، وإدارة اوباما تؤيد الاحتلال والقتل وبناء المستوطنات في الأرض التي يُفترض أن تقوم عليها دولة فلسطين المستقلة، مع أنها أقل من ربع فلسطين التاريخية!
النتيجة الأولى لزيارة أوباما إسرائيل إعلانُ المتطرفين فيها افتتاح مؤسسة باسم «معهد الهيكل» قبالة ساحة المغاربة في الجهة الغربية للمسجد الأقصى. أي هيكل هو؟ أنا طالب تاريخ في جامعات أميركية، وما درست هو أن الدين اليهودي كله، بأنبيائه جميعاً، خرافات توراتية لا توجد لها آثار تؤيدها.
بعد يومين من انتهاء زيارة الرئيس الأميركي، احتُفِل في إسرائيل بعيد الخروج من مصر (passover). مرة أخرى أتحداهم أن يأتوا بآثار لهم في مصر أو سيناء. أنا أقبل الدين كما هو، إلا أن الدين لا يصنع وطناً، وإنما تصنعه شعوب في أوطانها، والممالك اليهودية في بلادنا دين لا تاريخ.
اوباما تجاوز التاريخ نهائياً، قديمَه وحديثَه، وقرر ألا يرى نازيين جدداً عنصريين محتلين في حكومة إسرائيل، وإنما عامَلَ بنيامين نتانياهو بعد خصومة أربع سنوات، وكأنه بشر سويّ يمكن التعامل معه، ولم يعد يطالب بوقف الاستيطان، فهو لم يستطع هزمهم فقرر الانضمام اليهم.
قبل أن ينسى العرب والمسلمون، أسجل لهم بعض ما قال أوباما في إسرائيل، وبعضه كان بالعبرية:
- الحلف الأميركي-الإسرائيلي «أبدي» و «إلى الأبد».
- لستم وحدكم.
- اليوم أبناء إبراهيم وبنات سارة يحققون حلم الأجيال أن يكونوا سادة مصيرهم في بلدهم ذي السيادة.
- أتكلم كصديق مهتم وملتزم التزاماً عميقاً بمستقبلكم.
الموضوعية تقتضي أن أضيف أنه قال أيضاً:
- ضعوا أنفسكم مكانهم (مكان الفلسطينيين). انظروا إلى العالم بعيونهم.
- إسرائيل يمكن أن تستمر كدولة ديموقراطية يهودية بقيام «دولة فلسطين القابلة للحياة».
أستطيع أن أنقض كل كلمة قالها باراك اوباما، ولكن أكتفي بكلماته الأخيرة التي سجلتها، فالدولة الفلسطينية لن تقوم، لأن فلسطين للفلسطينيين، وهم في بلدهم، وإنما لضمان استمرار وجود إسرائيل... في فلسطين قطعاً.
أفضل تعليق على زيارة اوباما وجدته في صراخ الطالب الفلسطيني ربيع عيد فيما الرئيس الأميركي يخاطب شباب إسرائيل من فوق رأس حكومتهم، محاولاً استمالتهم إلى طلب السلام.
ربيع قاطعه قائلاً: جئت لتصنع السلام أم لتؤيد إسرائيل والاحتلال الاسرائيلي؟... مَنْ قتل راشيل كوري؟... هل رأيت جدار الفصل العنصري وأنت ذاهب إلى رام الله؟
أرجو من القارئ العربي أن يتذكر عندما تبدأ الانتفاضة الثالثة أنني توقعتها اليوم، فقد سُدّت جميع منافذ السلام، ولم يبقَ أمام الفلسطينيين سوى أن يثوروا على الاحتلال. وإذا كانت الانتفاضة الثانية استمرت عشر سنوات، فان الانتفاضة الثالثة ستكون مفتوحة، أو «إلى الأبد»، إذا كان لي أن أتوكأ على كلمات اوباما.
الرئيس الأميركي لم يرَ انتفاضة قادمة، أو لا يريد رؤيتها، وإنما قال: بالتأكيد إسرائيل واجهت جماعات فلسطينية تحوّلت إلى الإرهاب وفوتت (على الفلسطينيين) فرصاً تاريخية.
الحقيقة الناصعة والوحيدة أن اسرائيل دولة دينية مختَرَعة قامت على الإرهاب وخلقت الإرهاب المضاد وأعطته المبررات بإرهابها. غير أن اوباما يتهم الضحية بالإرهاب لدفاعه عن نفسه، فلم يبقَ سوى أن يقول إن الفلسطينيين، لا الإرهاب الإسرائيلي الذي ورثته حكومة نتانياهو، قتلوا إسحق رابين والسلام في متناول اليد.
*نقلا عن صحيفة "الحياة"اللندنية.