مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة أسيوط يحصل على رخصة معتمدة 3 سنوات    رئيس جامعة أسيوط يعلن حصول «مركز تنمية أعضاء هيئة التدريس» على رخصة معتمدة (تفاصيل)    التموين تتابع توافر السلع وإنتاج الخبز المدعم في ثاني أيام العيد    هالة السعيد: 31.2 مليار جنيه استثمارات عامة موجهة لبورسعيد    إصابات خطيرة في صفوف جيش التشيك عقب حادث انفجار ذخيرة    رفع الأثقال، المنتخب البارالمبي يصل جورجيا للمشاركة في بطولة العالم    كرنفالات وهدايا بمراكز شباب الدقهلية في ثانى أيام عيد الأضحى (صور)    حيوانات الحديقة الدولية تجذب الزوار في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    إصابة 21 شخصا من أسرة واحدة في حادث تصادم بصحراوي الإسكندرية (صور)    أنجلينا جولي تفوز بجائزة توني عن فيلم The Outsiders: A New Musical    ذكرى وفاة الشعراوي، الأزهر يسلط الضوء على أبرز المحطات في حياة "إمام الدعاة"    رئيس هيئة الرعاية الصحية في جولة مفاجئة على مستشفيات القناة (صور)    مسئول أمريكي: بايدن على استعداد لإعادة فتح مخزون النفط حال استمرار ارتفاع أسعار البنزين    الآن.. سعر الدولار اليوم الإثنين 17 يونيو 2024 مقابل الجنيه في مصر    أخبار الأهلي: سر تعثر مفاوضات الأهلي مع ثنائي الدوري الروسي    إقبال كثيف على مراكز شباب المنيا في ثاني أيام عيد الأضحى    عاجل.. مفاجأة في تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري    نابولي يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن رحيل نجمه    «النقل»: تشغيل محطة شحن الحاويات بالقطارات في ميناء الإسكندرية قبل نهاية العام    شروط القبول ببرنامج نظم المعلومات الأثرية ب«آثار القاهرة»    رئيس بعثة الحج الرسمية: تفويج حجاج القرعة المتعجلين من منى لمكة المكرمة غدًا    ضبط صاحب مخزن بحوزته أقراص مخدرة وسبائك ذهبية بالقليوبية    الصين تتهم الفلبين بتعمد انتهاك مياهها الإقليمية    الإنفاق على الأسلحة النووية يرتفع مع تصاعد التوترات العالمية ليبلغ 91 مليار دولار    «بطل مسلسل إسرائيلي».. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    غدا.. عزاء الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز في مسجد النزهة بمدينة نصر    أدعية أيام التشريق.. «الإفتاء» تحدد عددا من الصيغ المستحبة    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    نائبة الرئيس الأمريكي: أمتنا محظوظة بكونها موطنًا لملايين المسلمين    عميد طب القاهرة ومدير مستشفى الطوارئ يتفقدان مستشفيات قصر العينى    ب 400 جنيه إسترليني.. علماء يطورون سماعة رأس لعلاج أعراض متلازمة «صدمة الحب»    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى العريش العام في زيارة مفاجئة    مسؤولون بغزة: قوات الاحتلال قتلت أكثر من 16 ألف طفل خلال الحرب على القطاع    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    اعرف آخر وقت لتقديم الأضحية ودعاء النبي وقت الذبح    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    الغردقة تتألق صيفًا بنسب إشغال قياسية وإجراءات سلامة مشددة على الشواطئ    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    كيف تتجنب المشكلات العائلية خلال أيام العيد؟.. خبير التنمية البشرية يجيب    نصيحة في كبسولة.. الخطوات اللازمة لتجنب الإصابة بأمراض القلب    محافظ المنوفية: إطلاق مبادرة "الأب القدوة" ترسيخا لدور الأب    وزير الإسكان: جهاز تعمير وسط وشمال الصعيد يتولى تنفيذ 1384 مشروعا    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    7 معلومات عن الطيار حسن عدس المتوفى بعد الهبوط في جدة.. «مكملش 40 سنة وغير متزوج»    الرئيس السيسي يلتقى ولي العهد السعودي في لقاء أخوي    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    إسرائيل تبحث اتخاذ خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية بينها الاستيطان    مدير مجازر الإسكندرية: استقبلنا 995 ذبيحة في أول أيام عيد الأضحى.. والذبح مجانًا    فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    المنيا تسجل حالة وفاه جديدة لحجاج بيت الله الحرام    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3 مليارات دولار ثمن رءوس قيادات ليبيا بالقاهرة.. الصفقة المشبوهة!
نشر في الأهرام العربي يوم 01 - 04 - 2013

الثلاثاء الموافق 19 مارس (شهر الربيع طبقا لمسميات القذافى الشهر الذى شهد الثانى منه فى العام 1977 تحولا فكريا فى ليبيا، اتخذ من “سلطة الشعب “عنوانا ومن “الجماهيرية" نظاما سياسيا)، وفى الذكرى الثانية لقيام طائرات تابعة للقوات الجوية الفرنسية بتوجيه أولى ضرباتها لمواقع لقوات تابعة للعقيد معمر القذافى، وتدمر دبابات ومركبات مدرعة لمواقع فى الجنوب الغربى من بنغازى، ما شكل دعما هائلا لقوات المعارضة التى كانت قد تمكنت من بنغازى عاصمة المنطقة الشرقية ومثلت الضربة بداية لحسم المعركة لصالح مناوئى القذافى .
فى الساعات الأولى من هذا اليوم كانت إحدى العمارات المطلة على نيل القاهرة فى حى الزمالك الهادىء تشهد أحداثا غير معتادة فى الحى الراقى الذى يضم غالبية البعثات الدبلوماسية، وبعد تبادل لإطلاق الرصاص ومفاوضات استمرت حتى ظهيرة اليوم وافق أحمد قذاف الدم على تسليم نفسه للمثول أمام النيابة العامة المصرية، ليلحق بثلاثة آخرين من المسئولين السابقين فى نظام القذافى (على مارية القائم بالأعمال الليبى السابق فى القاهرة، وأحمد إبراهيم القذافى شقيق موسى إبراهيم مدير إدارة التمويل الإنتاجى السابق بليبيا، وهذان الاثنان تم ترحيلهما على متن طائرة خاصة إلى ليبيا، فى سابقة هى الأولى فى تاريخ مصر، والشاعر على الكيلانى المدير السابق لهيئة الإذاعة المرئية والمسموعة الليبية) .
إن الساعات الاثنتى عشرة التى مضت ما بين الهجوم على قذاف الدم وتوجهه إلى النيابة العامة، كانت الأطول والأصعب على أطراف متعددة لعملية كان مقدرا لها أن تنتهى فى جنح الظلام وفى ساعتين أو ثلاث فى حدها الأقصى، وكان حاضرا فى مسرح العملية فى الزمالك بعض من أطراف المخططة للعملية، وفى مطار القاهرة بعض آخر من المسئولين الأمنيين الليبيين برئاسة سالم عبد الفتاح سالم الحاسى مدير المخابرات العامة الليبية، والحاسى ينتمى إلى قبيلة الحاسة وولد فى مدينة شحات، كان موفدا من الدولة الليبية فى أواخر سبعينيات القرن الماضى إلى ألمانيا لدراسة التصنيع العسكرى فى ألمانيا، بعدما ترك دراسة الطب وهناك انحاز لتيار الإسلام السياسى الليبى، لينتقل بعدها إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا الذى كان يترأسها محمد يوسف المقريف، الرئيس الحالى للمؤتمر الوطنى الانتقالى، وشارك الحاسى فى العام 1984مع عناصر من الجبهة ما عرف فى حينة بعملية باب العزيزية التى استهدفت القذافى فى مقر إقامته وراح ضحيتها عشرين من المشاركين، وتمكن الحاسى من التسلل إلى درنة ومنها هرب إلى خارج ليبيا بواسطة إحدى بواخر البضاعة، ليستقر فى الولايات المتحدة ويكتسب جنسيتها، ويصبح طبقا لرؤية الكثير من المتابعين للشأن الليبى أحد أهم رجالات الولايات المتحدة التى ضغطت ليصبح أول رئيس للاستخبارات الليبية ما بعد القذافى بعدما شارك بفاعلية فى دعم مناوئية منذ الأيام الأولى لعسكرة الانتفاضة .
والطرف الثالث المخطط الرئيسى للعملية كان قابعا فى بيته يتابع ويغير من تكتيكاته بعد اتصالاته بمستويات عليا، لكن قذاف الدم باتباعه تكتيك “فاطمة “ فى فيلم “ ليلة القبض على فاطمة “ فضح الخطة ودوافعها، فأصبحت قضية رأى عام مما أسهم فى إرباك خطة إتمام “ الصفقة “ .
وكانت القاهرة قد شهدت منذ ما يقرب من أربعة أشهر مفاوضات مكثفة على أعلى مستوى فى مصر وليبيا وفى حضور قادة الأجهزة السيادية فى مصر التى شددت على رفضها تسليم أى من رجال القذافى ونظامه قبل إجراء محاكمة عادلة فى ليبيا، ويعرض الحكم على الجهات القضائية المصرية، ويتم التصرف وفقا للقواعد القانونية والدستورية .
وأكد قادة الأجهزة السيادية أن دوافعهم وطنية فى الأساس، وأعلنوا أنهم يمكن أن يضمنوا عدم ممارسة اللاجئين الليبيين لأى نشاطات معادية للنظام القائم، وأكدوا أن تسليم المطلوبين يمكن أن يفضى إلى نتائج سلبية على صورة مصر التى بنتها عبر عصور وألمح قادة الأجهزة السيادية المشاركة فى الاجتماع إلى احتمالية ردود فعل سلبية من الجالية الليبية التى تقترب من المليون نسمة ولهم امتدادات اجتماعية فى مصر، لكن بعضا من المنفذين فى القرار المصرى كان لهم رأى أخر ينحاز لتسليم المطلوبين الليبيين للنظام القائم مقابل امتيازات تسهم فى حل الأزمة الاقتصادية الخانقة فى مصر، تشمل الحصول على استثمارات نفطية بالمحافظات الشرقية فى ليبيا، بالإضافة إلى ثلاثة مليارات بفائدة صغيرة وفرص عمل للشركات والمؤسسات المصرية، وكانت زيارة على زيدان رئيس وزراء ليبيا قبل أسبوعين لوضع الحروف النهائية لتنفيذ الخطة، والذى سارع بتوجيه التحية للرئيس محمد مرسى ورئيس وزرائه لأنهما أوفيا بما وعدا .
الطرف الثالث الذى شارك فى الاجتماعات وضع مع ممثلى السلطات فى ليبيا الخطة التى بدأت مرحلتها الأولى بالهجوم المباغت على الأهداف المتوخاة فى الزمالك ومدينة الشيخ زايد والتجمع الخامس فى ذات الوقت، ونجحت بالفعل فى اصطياد على ماريه القائم بالأعمال الليبى السابق فى مصر، والذى لم نسمع أن له نشاطا ماليا أو أمنيا طوال تاريخه، بل إنه انتقل للعمل الدبلوماسى من بوابة العمل الصحفى، حيث كان يترأس تحرير جريدة الدعوة الإسلامية التى كانت تصدر بالعربية والإنجليزية والفرنسية فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى، حينما التقيته فى طرابلس للمرة الأولى والأخيرة، ويرجع متابع للشأن الليبى أن وضع مارية فى الوجبة الأولى للمطلوبين مرجعه ربما لثأر شخصى وغيظ الحكام الجدد من إصراره على عدم إعلان انشقاقه عن نظام القذافى بالرغم من الضغوط الهائلة التى مورست ضده كان أحدها ذا طبيعة أخلاقية، أما الهدف الثانى رجل الأعمال أحمد إبراهيم، فربما لكونه شقيق موسى إبراهيم، الناطق الرسمى باسم حكومة القذافى الذى أصبح على ما يبدو صداعا فى رأس السلطات الليبية، التى سبق وأعلنت عن اعتقاله فى سبتمبر 2011 ، ثم عادت لتعلن اعتقاله فى زى امرأة وآخر تأكيداتهم على اعتقاله كانت فى أكتوبر2012 ، وبعدها بثت مواقع التواصل الاجتماعى ( يوتيويوب ) ينفى عبره موسى خبر اعتقاله، أما ثالث الأهداف الشاعر على الكيلانى، وبالرغم من قربه من معمر القذافى بحكم قرابة الدم ما جعله يتقلد مواقع إعلامية وأمنية أحيانا، فإنه بحكم كونه شاعر عامية ليبية ومؤلفا للأغانى وملحنا كان يؤثر الانخراط فى الأوساط الثقافية والفنية ويعرفه الكثيرون بشاعر أغنية “ وين الملايين “، وشريط مسموع “ القديس صدام"، وكانت تربية الجمال فى مقدمة اهتماماته ويرتبط هذا باهتماماته بالتراث البدوى الذى جمعه مسموعا فى مجلدات ضخمة، وأنتجته مؤسسة أجاويد للإنتاج الفنى والإعلامى التى يمتكلها .
رابع الأهداف وما يمكن اعتباره الصيد الثمين والصعب فى آن لاعتبارت متعددة منها موقعه القريب من معمر القذافى (أحد أهم رجال الخيمة)، وكان ممثلا شخصيا للعقيد، وأيضا لكونه أول من تولى مسئولية السفارة فى ليبيا بعد عودة العلاقات الليبية - المصرية فى العام 1989، حيث لعب دورا فى عودة العلاقات المصرية - الليبية بعد قطيعة تجاوزت الاثنى عشر عاما (وهى علاقات كانت الأوثق والأعمق قبل القطيعة، حتى إن مشروعا لخطبة أحمد قذاف الدم من إحدى بنات السادات كان على وشك الإتمام، لكن وأدته المناوشات العسكرية المصرية)، وأبعده عن موقعه عقب حملة صحفية قادتها مجلة روزا اليوسف آنذاك، ليعود مرة أخرى منسقا عاما للعلاقات فى العام 2003، وخلال هذه السنوات نسج علاقات واسعة فى صفوف الإعلاميين والصحفيين والفنانين والسياسيين المصريين ورجال القبائل، وفى المقدمة منهم أقرباؤه وذوو الأصول الليبية، وأقام علاقات أعمق مع رموز النظام السابق من سياسيين وأمنيين ورجال الأعمال المصريين، لكونه كان مشرفا على شركة للاستثمارت الزراعية والتى أصبحت أحد الأسباب التى ساقتها السلطات فى ليبيا للمطالبة بتسليم أحمد قذاف الدم بتهمة استيلائه على المال العام، وهذه الشركة منذ تأسيسها وحتى الآن مازالت ترافقها العديد من المشكلات، وقد بدأت أحداثها عندما حصل قذاف الدم على مبلغ 150 مليون دينار ليبى كعهدة شخصية، تحت بند تطوير الاستثمارات داخل مصر، وكانت المشكلة الأولى مع الشريك المصرى الذى طالب بضامن مقيم فى مصر ولديه من الممتلكات ما تضمن ما قدمه الشريك المصرى، ودخل حينها عبد المنعم الهونى، المندوب الدائم لليبيا فى الجامعة العربية، وعاشور تريبل، الكاتب العام للخزانة الليبية كضامنين للدولة الليبية، وتعرضت الشركة لخسائر، مما دفع المستثمر المصرى لرفع قضية أمام المحاكم المصرية مطالبة الجانب الليبى باستكمال حصته فى رأس المال، وحصل على حكم ابتدائى، وعندما وصلت إلى مسامع القذافى كلف أحد مستشاريه القانونيين بمتابعة القضية ومحاولة حلها وديا، وبدأ المستشار القانونى فى لقاء الأطراف إلى أن بدأت الاضطرابات فى ليبيا فتوقفت المتابعة، لتعود الشركة مرة أخرى محلا للنزاع، وسبق لقذاف الدم أن عرض على وفد عالى المستوى قدم من ليبيا فى العام المنصرم لبحث ملف الاستثمارات الليبية فى مصر، وعرض قذاف الدم التنازل عن نصيبه فى الشركة، وأخيرا عرض التنازل عن شركة الفرسان للاستثمار.
وحرص أحمد قذاف الدم على أن يتحرك من شقته إلى حيث جهة التحقيق المصرية فى سيارته الخاصة بصحبة عدد من محاميه، ورافعا لعلامة النصر لمناصريه الذين تجمعوا بالعشرات أمام منزله بالزمالك، وبعد ما يقرب من خمس ساعات أعلنت مصادر قضائية أن المستشار كامل سمير جرجس، المحامى العام ورئيس مكتب التعاون الدولى أمر بحجز قذاف الدم لمدة 30 يوما على ذمة التحقيق قابلة للتكرار والتجديد فى ضوء الاتهامات التى قدمتها السلطات الليبية للجهات المصرية، والتى تشير إلى ارتكابه لجرائم فساد مالى بليبيا، مشيرا إلى أن حجز قذاف الدم يستند إلى اتفاقية التعاون القضائى بين مصر وليبيا التى تجيز حجز المتهمين بارتكاب جرائم والمطلوب تسليمهم لأى من البلدين لمدة 30 يوما قابلة للتجديد إلى حين البت بصورة نهائية فى طلبات تسليمهم .
أحد أعضاء المحكمة العليا فى ليبيا وفى اتصال هاتفى من ليبيا، أكد أن الاتفاقية الموقعة بين البلدين تتناول تسليم المتهمين الجنائيين ولا تدخل ضمنها الجرائم ذات الطبيعة السياسية، ما يجعلها لا تنطبق على حالة قذاف الدم ، المستشار القضائى الليبى الذى طلب عدم ذكر اسمه تخوفا من حالة الفوضى وغياب القانون السائدة فى ليبيا ( طبقا لتعبيره ) أوضح أن الإنتربول الدولى لا يتعامل سوى مع الحالات التى يصدر ضدها حكم نهائى وبات فى درجات المحاكم الثلاث، وإذا ما رأت الإدارة القانونية للإنتربول الدولى أن الأدلة كافية والحكم صدر فى ظروف طبيعية تضمن نزاهة المحكمة فإنها تصدر بطاقة حمراء إلى جميع الدول مطالبة إياها بتوقيف من صدر بشأنه الحكم وتسليمه للإنتربول الدولى الذى يسلمه بدوره للدولة صاحبة العلاقة بعد التأكد من سلامة إجراءات التقاضى ونزاهتها والبعد عن أى شبهة سياسية. عدا جرائم الإبادة الجماعية فيمكن إصدار البطاقة الحمراء للمتهم دون حكم والاكتفاء بالأدلة الظنية .
وهذا ما لا ينطبق على قذاف الدم ولا أى من المتهمين الثلاثة الآخرين (والكلام مازال لعضو المحكمة العليا فى ليبيا)، الذى أكد غياب القواعد الصحيحة للعدالة منذ أيام حكم القذافى، حيث كانت تصدر أحكام بالمحاباة لمسئولين و أحكام ذات طبيعة سياسية تفتقد لقواعد القانون الصحيحة، وهذه الأيام تشهد غيابا تاما لقوة القانون فى ظل قوة الأمر الواقع المسلحة، ما يجعل تسليم أى متهم ذى طبيعة سياسية تمثل خطرا داهما على حياته، مشيرا فى هذا الصدد إلى ما يتعرض له عبد الله السنوسى عديل القذافى ورئيس استخباراته من تعذيب بدنى ونفسى بشكل يومى، بعدما سلمته موريتانيا إلى السلطات الليبية فى سبتمبر من العام الفائت ضمن صفقة تردد أنها تجاوزت المليار دولار .
تحقق لقذاف الدم ما استهدفه من تفاعل للرأى العام مع قضية تسليمه ورفاقه، فكان رد الفعل السريع من قبل منظمات حقوق الإنسان فى مصر، التى كانت تناصبه العداء فى السابق، لكنها أدانت بشدة تسليمه للسلطات الليبية والطريقة العنيفة فى القبض عليه، أيضا جاءت ردود فعل من شخصيات سياسية ونيابية وقبلية وصحفية مستنكرة العملية لأسباب سياسية وأخلاقية وقانونية، وكان لحديث الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل أثر كبير فى زيادة حجم التعاطف مع قذاف الدم، حينما قال إن أحمد قذاف الدم قد زاره منذ ما يقرب من شهر قبل القبض عليه، وله دور كبير فى حرب أكتوبر فى تسليح مصر، وأضاف «مليار دولار نقلها أحمد قذاف الدم لمصر وقت حرب أكتوبر، وكان موجودًا فى مصر كسفير فوق العادة، وحتى لو سقطت هذه الصفة بسقوط القذافى، ما كان على مصر القبض عليه وتسليمه بهذه الطريقة، خصوصًا أن مصر معروفة بحمايتها للاجئين السياسيين على مر العصور » .
وأشار هيكل إلى أن قذاف الدم طلب أكثر من مرة السفر خارج مصر، وأنه يحمل أكثر من 9 جوازات سفر، إلا أن المجلس العسكرى وأكثر من جهة طمأنته على بقائه فى مصر، وطلبت منه عدم الرحيل، وكان له تأمين من السلطات المصرية وقت بقائه .
بينما كان عصام العريان القيادى الإخوانى عبر عن موقف الإخوان فى تصريحه : “تصرخ بعض رموز المعارضة من القبض القانونى بطلب من الإنتربول الدولى على متهم بجرائم ضد الإنسانية، دفاعًا عن مصالحها المالية، وخوفًا من فضح حقائق يمكن أن تفسر لنا ماذا يحدث فى بر مصر، وخشية من أن تمتد الحملة إلى الجبهة الشرقية".
السفير الليبى الجديد محمد فايز جبريل اللاجيء السياسى السابق فى مصر استهل أعماله بتصريح لوكالات الأنباء، يفيد بأن ليبيا بصدد وضع وديعة تقدر بمليارى دولار بفوائد بسيطة سيتم نقلها من البنك المركزى الليبى لنظيره المصرى، بالإضافة إلى مساع جادة لإيجاد حلول لقضية نقص الوقود المصرى فى إشارة منه إلى قرب إمداد ليبيا لمصر بكميات من الوقود ." وهذا التصريح يأتى فى إطار تنفيذ بنود الاتفاق “ الصفقة “ .
الباحث والمحلل السياسى الليبى أحمد على العريبى، يرى أن التحديات التى تواجه مصر نتيجة ما آلت إليه الأوضاع فى ليبيا تتلخص فى الآتى أولا- الدعوات الانفصالية فى ليبيا، والتى تعمل على تقسيم ليبيا إلى مجموعة أقاليم، وهى إقليم برقة وإقليم وفزن، ومازالت أصوات إقليم طرابلس لم تتعال إلى الآن ولكن خرجت دعوات تطالب بتقسيم ليبيا إلى خمسة أقاليم بما فيها إقليم خاص للأمازيغ وإذا ما مضت هذه المشاريع إلى غايتها، فإن التقسيم فى ليبيا سوف يلقى بظلاله على مصر بعد أن تم تقسيم السوادن إلى دولتين، وبالتالى لن تكون مصر فى منأى عن الشروع فى المطالبة بتقسيمها عبر أصوات مصرية ذات انتماءات دينية أو عرقية أو طائفية أو غيرها، وكلنا يعرف طبيعة المخطط المعد لمصر فى هذا الشأن وهو مايشكل مخاطر جسيمة على الوحدة الوطنية للشعب العربى المصرى ..
ثانيا- طبيعة القوى التى تحكم فى ليبيا الآن وإن صحت التسمية من الناحية النظرية، هذه القوى لا تنتمى فى أغلبها إلى بعد قومى عروبى، فمنها ما هو ظلامى تكفيرى ينتمى لتنظيمات التطرف، ومنها ما هو ليبرالى غربى يؤمن بالارتماء اقتصاديا فى أحضان الغرب وشركاته ومصالحه، وجعل ليبيا سوقا لتصريف المنتجات الغربية، ومنها القوى التى تنتمى إلى الإخوان المسلمين التى لا تعترف بالبعد القومى العروبى، وإنما تعترف بالهوية الدينية والمرجعية للتنظيم الدولى للإخوان .. وهذه القوى لا تعترف بالمصالح الاقتصادية والتجارية مع مصر، بل وهناك دعوات تتعالى بأن نبنى جدارا عازلا حول ليبيا وأن ننفتح على الشاطئ الأوروبى المقابل للشاطئ الليبى، وهو ما يؤثر تأثيرا مباشر وقويا على مصالح مصر الاقتصادية مع ليبيا ومحاصرة مصر اقتصاديا ..
ثالثاً - التهديد المباشر للأمن القومى المصرى من خلال استخدام الأراضى الليبية لنشر قواعد عسكرية غربية، واستخدام ليبيا كطرف إقليمى سياسى لا ينسجم مع سياسات مصر الإقليمية، بل ستكون ليبيا ضمن المحاور الإقليمية التى تتطلع إلى دور فى المنطقة مثل دولة قطر والتى تتقاطع فى أغلب الأحيان مع دور مصر الريادى والتاريخى كدولة محورية للأمة العربية.
رابعاً- إن المصالحة القومية لمصر تكمن فى الاهتمام بالشأن الليبى ولعب دور بارز للتأثير فى بلورة ملامحه والدعوة إلى حالة استقرار فى ليبيا والعمل على تجسيد دور مصر فى تبنى العديد من القضايا الجوهرية التى تتعلق بمصير هذا الإقليم (ليبيا) بما يضمن لها الحفاظ على علاقة مؤثرة فى المشهد الليبى، عبر تبنيها للقوى السياسية القومية والعروبية التى تدرك طبيعة الخصوصية الاجتماعية بين الشعبين الليبى والمصرى ووشائج صلة الرحم والنسب، والامتداد الاجتماعى للقبائل القاطنة على طرفى الحدود وفى عمق الصعيد المصرى، من خلال القبائل الليبية ذات المواطنة المصرية التى يصل تعدادها إلى نحو 18 مليون مواطن، منها كتلة انتخابية تصل إلى قرابة 9 ملايين ناخب، مما يهئ على المدى المنظور والبعيد بالاهتمام بهذا الوجود على صعيد مشاركة ليبيا فى البنية التنموية فى هذه الأقاليم التى تقطنها القبائل الليبية، وفتح مجالات استثمارية فى الجوانب الصالحة للتأهيل الاقتصادى والاجتماعى ..
خامسا- إن الدعوات التى تتعالى من طرف فصيل سياسى مصرى يتمثل فى الإخوان المسلمين بخصوص تسليم الليبيين الموجودين على أرض مصر، هى دعوات تضر بسمعة مصر والتى خصها القدر الإلهى بأن يدخلها الناس إن شاء الله آمنين، وتحط بالتقاليد والأعراف التى دأبت مصر على التمسك بها طيلة قرون وعقود، وهى عدم تسليم اللاجئين السياسيين، واستجارة من استجار بها من الظلم والطغيان والقتل والتشريد، فقد شهدت مصر العروبة ثلاث هجرات ليبية فى العصور التى تلت حكم الأتراك والطليان وأعوان حلف الناتو، فكانت الهجرات الليبية إلى مصر على مراحل تاريخية، هجرة من ظلم وبطش الأتراك، وهجرة من تنكيل الاحتلال الفاشيستى الإيطالى، وهجرة من عدوان حلف الناتو وأعوانه الذين تمتلئ سجونهم بنحو 19 ألف سجين فى سجون علنية وسرية، تنتشر فى أغلب أنحاء ليبيا فى ظلم عدم وجود مؤسسات دولة أمنية وعسكرية وقضائية تبسط الأمن والأمان، وتقيم ميزان العدل والإنصاف وإحقاق الحق والسماح بممارسة حقوق المواطنة السياسية والدعوات الموتورة للإقصاء والعزل لقرابة مليون ونصف المليون مهجر قسريا فى أصقاع الأرض، وفى ظل تكميم الأفواه وممارسة الإرهاب الاجتماعى والجهوى فى حق قبائل ومدن كان لها موقف معاد لتدخل حلف الناتو فى الصراع فى ليبيا أو لقناعات سياسية وفكرية وأيديولوجية تتعارض مع ممن جاءوا على أجنحة الناتو وصهاينة مثل اليهودى الصهيونى برنار هنرى ليفى، واليهودى الصهيونى نيكولا ساركوزى .. وأخيرا أود أن أوكد أن ما يسود ليبيا هو روح الانتقام وتأجيج الصراعات القبلية والاجتماعية، والذى سوف ينعكس على مصالح مصر ويهدد رعاياها بدواعى الانتقام لتسليم ذويهم لعصابات مسلحة وقوى انتقامية لا تراعى دينا ولا ذمة ..
سيظل وضع قذاف الدم معلقا تحت دعوى أنه مطلوب لجهات التحقيق المصرية بتهمة مقاومة السلطات وحيازة سلاح دون ترخيص، والبعض يرى أن الوقت لصالح قذاف الدم لجهة ضغوط قبلية وإعلامية وسياسية تتزايد، ما يسهل مهمة إحدى الجهات السيادية الرافضة لتسليمه ورفاقه لأسباب وطنية خالصة، بل يصل الأمر بالبعض إلى الذهاب بعيدا والتحدث عن تجهيز قذاف الدم للعب دور مستقبلى فى ليبيا، بعدما أصبح يحظى بحضور قوى فى أوساط الليبيين فى مصر، لثباته وقوة منطقه ما أكد إمكانية أن يكون رمانة ميزان خصوصا أنه انشق على نظام القذافى فى الأيام الأولى، معلنا أن موقفه جاء احتجاجا على عنف النظام ومعارضيه، واعتبر البعض أن شخصا بمقوماته الذاتية والقبلية يمكن أن يسهم فى تحقيق استقرار مجتمعى يعقب حوارا موسعا بين الأطراف المتنازعة فى ليبيا ويرجعون للتدليل على ذلك إلى مفاوضات كانت قد بدأت فى القاهرة برعاية مصرية ومشاركة على الصلابى مفوضا من رئيس المجلس الانتقالى.
يبقى السؤال الحائر: هل يتم تسليم قذاف الدم ؟ وللإجابة عنه نقول: إن القضية أصبحت معركة كسر عظام بين الجهات السيادية مدعومة بقطاع واسع من الوطنيين المصريين الذين يرون أن تسليم لاجىء استجار بمصر، يمثل إهدارا للكرامة الوطنية المصرية وقيادات مؤثرة فى جماعة الإخوان ترى فى تسليمه تحقيقا لمكاسب اقتصادية .. فأى الطرفين سينتصر؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.