حمدى مصطفى - فى أول صفحة فى كتالوج معرضه الفنى الخاص، ستجد صورة الفنان محسن شعلان، وهو مجند فى الجيش المصرى فى سن 21 عاما، تجاورها صورته وهو فى قفص الاتهام بسبب قضية سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» الشهيرة التى أثارت الرأى العام فى السنة الأخيرة قبل سقوط النظام السابق، وبعدها قامت الثورة. فهل الثورة قضت على كل الفاسدين؟ هل الثورة ردت المظالم إلى أهلها؟ هل الثورة أثلجت نار قلب المظلوم السجين؟ السجن تجربة رغم قسوتها عليه كانت طاقة نور هائلة أخرجت ما بداخله من إبداع ورؤية فنية خرجت فى المعرض الأخير وعنوانه «القط الأسود تجربة سجن» «الأهرام العربى» أجرت هذا الحوار مع شعلان.. ما الذى كنت تريده من وضع الصورتين متجاورتين فى كتالوج المعرض؟ تعمدت أن أضع الصورتين متجاورتين كى ألوم مصر وأقول لها: لم أقصر معك، كنت جنديا من جنودك، حتى فى مواضع العمل التى عملت فيها على أرضك كنت متميزا دائما بأدائى، لكن هكذا كانت نهايتى. فى المطابع الأميرية التى عملت فيها لخمس سنوات وكنت رئيسا على أناس أكبر منى سنا، ووضعت فيها لأول مرة لوحة تشكيلية بدلا من التقويم السنوى التقليدى الذى كان متبعا، وطبعت اللوحة مع التقويم طبعات عديدة لزيادة الطلب عليها، وفى وزارة الثقافة حينما كنت مديرا للإعلام لمدة أربع سنوات شهد بأدائى العديد من الإعلاميين والصحفيين، وكنت مسئولا عن الحرف التقليدية فى الحسين، وفى وكالة الغورى ، ولم تنقطع أتوبيسات السياحة لزيارة ورش عمل الحرفيين وقتها. وفى مطار القاهرة فى مبنى رقم 3 أشرفت على تجميل حوائط المبنى بأعمال 99 فنانا مصريا، بالإضافة إلى تلوين أسوار شوارع وزارة الزراعة ومسرح البالون وفى إمبابة، كنت أعمل بشكل ميدانى جدا ونزلت إلى حديقة الجزيرة أسفل كوبرى قصر النيل، وجعلت شباب الفنانين يقيمون مرسما أمام النيل للترفيه عن الزوار وعائلاتهم بتذكرة بسيطة رخيصة الثمن. عملت شاشة عرض كبيرة على حسابى فى محطة مصر، حتى يرى القادمون من المحافظات أعمال الفنانين ومقتنيات المتاحف وتقديم معلومات عن فنانين مثل صلاح طاهر وسيف وانلى، ورغم ذلك هيئة السكك الحديدية أمرتنى بنزع اللوحة. كان من أحلامك تفعيل الحركة التشكيلية المصرية بالداخل والخارج ومحاربة القبح وانحدار السلوك الجماعى فى الشارع المصرى ومشروع المائة مدرسة، وفتح أبواب المعارض وقاعاتها لاستقبال أطفال مصر لتنويرهم.. ما مصير هذه الأحلام؟ لم تمت هذه الأحلام حتى وأنا بداخل السجن، واليوم وأنا فى معرضى هذا جاءنى تليفون من الفنان مصطفى بكير وهو من العريش بشمال سيناء، اعتذر لى لأنه لم يحضر المعرض وذكرنى حينما ذهبت للعريش، وهذا كان من أ حلامى أيضا الكبيرة لأضع أمامهم رؤية تجميلية للعريش قبل ثورة 25 يناير، ومحافظ شمال سيناء الساسبق اللواء مراد موافى الذى ذهب للمخابرات بعدها يشهد على هذا الكلام. كنا نريد أن نقيم مشروعا للصوت والضوء بطريق العائلة المقدسة هناك، وعمل نحت للعذراء ويوسف النجار، وارتفعت مع الكنيسة لعمل نص مكتوب يقرأه الفنان محمود ياسين، وكان فى نيتى الاتصال به، كان ذلك قبل سجنى بشهرين، كل ذلك توقف، توقفت الأحلام بسبب لوحة زهرة الخشخاش التى لم أقلل من قيمتها، وانزعجت وأنا طالب عند سرقتها للمرة الأولى من قبل، لكنى كنت كبش فداء وشماعة للوطن، كما رسمت فى لوحاتى حتى يرتع الفاسد الذى مازال يخرج إلى الأضواء لأن لديه شهوة إعلامية للظهور. لذلك أخذ القط الأسود تيمة لمعرضك؟ هو أيقونة العرض، أنا لا أكرهه رغم أنه رمز للتشاؤم، فالقط الأسود المرسوم بداخل لوحاتى ليس هو القط الأسود الذى نراه فى الشارع، الحيوان الأليف الذى يعيش بيننا، أنا أعتذر لهذا القط الأسود، لأنى حملته هذا الشئ، أنا لم أختر غرابا مثلا، لأنه لا يعيش مع البشر، فهو يذهب ويجئ، لكن القط الأسود يعيش مع البشر، هو بيننا، لأقول إن الغدر جاء من أناس كنت أعيش بينهم، والقط بطبعه خائن غير الكلب الوفى الذى لا يخون أبدا. لكننى رأيته فى القط الأسود رمزا لإنسان كان من شيمته أن يغدر بى فى تلك القضية، ويحملنى ما لا طاقة له به بشكل مخطط، لأكون كبش فداء، فيقدمنى فى الواجهة ويحملنى كل شئ ويتراجع هو، ويذهب بأناس فى مكتبى حتى لا تخرج أية ورقة من المكتب ، فى الوقت الذى كنت أقف فيه أمام النيابة ليست لدى أية مستندات، و النيابة أفرجت عن هذه المستندات فيما بعد، وأثبتت أنى لم يكن لدى أى إهمال وليس دورى الوظيفى حماية المتاحف، فأنا رئيس قطاع الفنون التشكيلية، ويوجد معى مدير عام للمتاحف، ووكيل وزارة مدير متحف ومدير أمن للمتاحف، كل هؤلاء لم يحبسوا كان المقصود هو حماية فاروق حسنى. وماذا فعل ذلك السجن كفنان؟ السجن «لمعنى وصنفر» إحساسى، كنت وسط هؤلاء الفاسدين كأنى فى عتمة الظلام، أما السجن فنور لى بصيرتى كفنان ومبدع، وقال لى عبدالرحمن الأبنودى: هذه منحة ستظل تستفيد بها للمتبقى من عمرك. وماذا فعل بك السجن كإنسان؟ انظر إلى لوحات المعرض تجد جانبا توثيقيا أو تسجيليا للحياة اليومية وكأنها محطات بالنسبة لى، وسجلت لحظات كانت قاسية على جدا مثل لحظة وضع القيد فى يدى أو لحظة ركوبى سيارة الترحيلات أو لحظات النوم بالليل والنور يدخل من فتحات الشباك على وجهك، أو لحظات الانزواء بالداخل أو أو... وهناك لوحة لڤان جوخ صاحب لوحة زهرة الخشخاش كان راسما نفسه فى بورتريه نصفى، أ نا قمت بإكمال ذلك البورتريه فى لوحة رسمته فيها يقوم بكسر الفرشاة، وأنا فى الخلفية مكبل وأساق إلى السجن، وكأنه كان يعترض على أن يتم التعامل مع فنان بهذه الطريقة وهذه الوحشية، فاللوحة من وجهة نظره لا تساوى شيئا فى سبيل إهانة كرامة إنسان. هل وجدت فى الثورة نوعا من رد الاعتبار لك؟ الثورة فى «الباذنجان»، هكذا أسميها طالما لم تحقق أهدافها، الثورة محترمة وواعدة، لكن قدرها أن تتحول إلى «باذنجان» وتتحول من ميدان عام إلى حارة وضيعة أو عطفة حولها ناس إلى ذلك، وأعدوك لوضع أسوأ مما كان ومازال الفساد والمحسوبيات والوظائف المهمة تصل للإخوان أو حزب الحرية والعدالة، أضف إلى ذلك زيادة الفوضى والعشوائيات والسلوكيات المنحدرة، وعدم الأمان، ما يحدث الآن هو محاولة لاسترداد كرامة الثورة، فلابد أن تسترد الثورة كرامتها أولا قبل أن تسترد أهدافها. لكن الناس لا يزالون يعترضون؟ وماذا فعل الاعتراض؟ ماذا يفعل الناس حينما ترى تمثال أم كلثوم بنقاب أو طه حسين بلا رأس أو من يسمون الشباب المعترض بالبلطجية، هل هذا قدر ذلك الجيل المحبط الذى لا يجد وظيفة أو فرصة زواج؟ كان لديك مشروع طموح لشباب التشيكليين.. ما مصيره؟ لقد أخذت مجموعة من الشباب المصريين والتشكيليين وعملنا علاقات مع محافظة أليكانتى الإسبانية، وحصل بيننا وبينهم تبادل بشكل غير رسمى من خلالى، ومكث عشرة شباب مصريين مع فنانين إسبان لعمل ورشة فنية، واستضفنا فى المقابل فنانين أسبان مكثوا فى مصر، وكانت النتيجة هى وضع تماثيل من إنتاج شباب تشكيليين على باب محافظة أليكانتى بإسبانيا كرمز للصداقة مع تلك المحافظة، مقابل أن يعطوننا تمثالا لفنان إسبانى نضعه فى مركز الجزيرة للفنون بالحديقة الخارجية، وبعد دخولى السجن، جاء الفنان الإسبانى ولم يستقبله أحد فى مصر، لا مؤتمر صحفى ولا أية شخصية، ولم يجد أحدا يساعده فى وضع التمثال الذى انكسر وقام هو بترميمه، حكت لى تلك القصة نائبة محافظ أليكانتى السيدة ميجيلفاتور، وقال لها بعد تلك الواقعة الأليمة: هذا آخر تعاون بيننا وبين مصر فى مجال الثقافة، فلماذا فعلوا ذلك؟ وماذا فعلوا مع مصطفى علوى الرجل المحترم، رئيس هيئة قصور الثقافة فى بنى سويف، والذى دخل فى دوامة مميتة وانزوى بعدها تماما؟ اسمك ورد فى موسوعة ليون الكندية وجوائز قليلة.. لماذا؟ رغم فوزى بثلاث جوائز فى حياتى لم أسع للجائزة التشجيعية أو التقديرية، لأنى طوال عمرى موظف فى وزارة الثقافة التى كانت تنظم الجوائز، وبالتالى هم محرومون منها، فأنا لا أتسابق للجوائز والفن عند يللفن، والجائزة عندى هى الجمهور، وكل لوحة هى جائزة لى، وحينما يأتى الرئيس الأمريكى السابق كارتر ويقتنى لوحة من لوحاتى ويضعها فى متحف المكتبة القومية بالكونجرس، فهذه جائزة كبيرة لى، وعندما أمثل مصر تمثيلا مشرفا فى معرض الدومنيكان فهذه جائزة لى.