يعيش وطننا العربى الآن لحظات متسارعة تتكشف فيها الفوضى، والعنف، والفتن الطائفية والحزبية، ويتصاعد منسوب الانقسام، والتفكك، واللا تضامن، واللا تكامل، ولا يحتاج المواطن العربى جهدا أو برهانا ليتأكد بنفسه من حالة «الانحدار» التى يبكيها بنو وطنه بسبب تشبث القادة والأمراء والملوك بكرسى الحكم، وتوريثه أولادهم من بعدهم. وحتى حلم حياة «الربيع» الذى تحقق له بعد سنوات الحرمان، ما لبث أن تحول إلى «خريف» للغضب والقتل، والفتن المذهبية المشحونة بمشروعات، وأجندات سياسية متصارعة، ومتناحرة كما يحدث فى تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وسوريا، ومن المتوقع أن تمتد إلى الخليج، والمغرب العربى. وإزاء هذه الحالة التى عاشها أجدادنا وانتقلت إلينا، فإن المواطن العربى لم يراهن على قمة الدوحة التى التأمت أخيرا فى تغيير حالة الاستعصاء المؤلمة التى يعيشها، لسابق معرفة مصير القمم العربية التى انطلقت منذ 1946، وعلى مدار 23 دورة سابقة كانت مجرد “أقوال" لا أفعال، وضجيج، وصخب، وتباهٍ بين القادة، والملوك بفن الضيافة، وتشريفات على سجاد أحمر مصحوب بموسيقى وعناق وأحضان وولائم غداء وعشاء وهدايا، وفى النهاية قرارات جوفاء لا يلقى بالا لتوصياتها “الكرتونية" فى حين يتحسر عندما يشاهد قمم الاتحاد الأوروبى التى تنفض فى نصف يوم وقراراتها أسمع بها وأبصر!! لم يتطلع المواطن العربى إلى خطاب مغاير ومسلكيات مختلفة أو الاتفاق على وقف المشهد المثقل بالدمار والدماء فى سوريا، وحالة الاستقطاب السياسى فى مصر، واجتياح المذهبية فى العراق، وتنامى العصبية فى تونس، وضياع حقوق المواطنة فى ليبيا، وتأزم الوحدة فى السودان، وترقيع الأوضاع السياسية فى لبنان، وحكم العائلات فى دول الخليج، ودوامة الفوضى فى موريتانيا، وجزر القمر. كما أنه لم يتطلع إلى قمة عربية تنفض غبار القرارات الروتينية المعلبة والجاهزة، والمقتصرة على الشجب والإدانة، وتشكيل اللجان التى تقتل أى اتفاقات، وما السوق المشتركة وفتح المعابر والحدود، وإلغاء نظام الكفيل، ببعيد، أو يتطلع إلى خطابات تبعد عن لغة الهجاء، والجمل الرنانة التى تخدر المشاعر وتقتل الهمم. وللإنصاف, فإن التغيير الوحيد فى قمة الدوحة مقارنة بالقمم السابقة هى أنها أسهمت –ولو مؤقتا - فى نزع الشرعية عن بشار الأسد بعد أن وافقت بعض الدول وامتنعت أخرى على مقترح قطرى مصرى- سعودى- تركى بأن تمثل المعارضة برئاسة معاذ الخطيب وحسان هيتو فى القمة, وتجلس على مقعد “بشار" الذى لم يعد “أسداً" !! وكان يجب على رئيس الجلسة أن يعلن على الملأ موقف كل دولة على حدة من قرار مشاركة المعارضة السورية فى القمة، بعد امتناع البعض عن الموافقة باعتبار أن هذا الإجراء يعد سطوا وجريمة قانونية وسياسية وأخلاقية, وأن الدولة السورية لا تزال موجودة بصفة فعلية بشعبها وجيشها ومؤسساتها وأجهزتها وبكامل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وتمارس سيادتها الكاملة على أراضيها غير منقوصة"، ولتصبح كل دولة مسئولة عن موقفها أمام شعبها بالدرجة الأولى، وأمام الشعب السورى وجميع العرب والعالم أجمع، وهذا ما يحدث فى كل قرارات مجلس الأمن و«الناتو» وغيرهما التى تصدر متضمنة موقف كل دولة على حدة، أما القرارات التى تصدر من خلال اجتماعات مغلقة فهى مصدر خزى وعار!! إن علماء الأحياء والتطور زعموا بأن الطبيعة احتاجت 17 مليون سنة تطور فيها القرد إلى إنسان, وقادة العرب يحتاجون إلى 17مليونا مثلها ليعرفوا أن قممهم مكتوب على أبواب مؤتمراتها “الفشل"، لأنه انتهى عصر التيارات القومية العربية, وطواها التاريخ بسبب تلاعب أنصارها بخيرات البلد وحرمان الشعوب من أبسط حقوقها, وتوجيه آليات الحرب ضد المواطنين العزل بدل توجيهها لصدور الأعداء الغاصبين للأراضى العربية. (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم).