لا يمكن الكتابة عن العلاقة بين مصر وفلسطين بلغة الأزمة أو التشكيك لا يمكن تصور ذلك لعلاقة تماهى فيها التاريخ مع الجغرافيا على نحو لا يجوز معه الفصل بينهما على قاعدة الحدود.. كما لا يجوز وضع غزة نداً لسيناء، فالجغرافيا هنا كانت دوما درباً للانتصار لمعاناة أصحاب القضية وليس للتهريب .. حتي وإن حاول البعض الانقلاب أو الإخلال بهذا التعاقد التاريخي الذي عمد بالدم، إلا أن العلاقة تبقي اكبر بكثير من التداول السياسي والإعلامي و الأمني الدائر اليوم تحت عنوان غزة بوصفها خطرا على مصر وأمنها القومي أو شريك في الفوضى الداخلية أو مشاريع التفتيت التي قد تنال من سيادة مصر تحت مسمي دولة غزة. هذه الحديث ليست لدغدغة العواطف او التأكيد على المؤكد الذى يوصلك الى النفي ولا هي تقية سياسية لكن غزة حُملت أكثر مما تحتمل حتي مع الرهان على الوعي المتقدم والمتفهم للواقع الاستثنائي الذى يعيشه القطاع البائس والمصاب بنكبتي الانقسام والاحتلال الا ان هذا الوعي الذى يدرك ان غزة لم تنغمس او تتورط يوما في الدم المصري لم يمنع حالة الغضب المتصاعد والتي يجري تغذيتها دون فهم العلاقة بين غزة وما فيها من مركبات وتناقضات هي في حقيقتها جزء لا يمكن انكاره منها لكنه لا ينتمي لها او لتكوينها الاساسي . فغزة ليست حماس ولا فتح ولا يساريين ولا سلفيين هي اكبر من هذا المجموع واكبر من هذه العناوين الفصائلية التي اوصلت القضية الى حافة البؤس والشقاء الانساني والسياسي بعد هذا الصراع العدمي الذى تفجر داخل الساحة الفلسطينية وغذته إسرائيل واودي بالقضية النضالية بوصفها صراع محتدم مع الاحتلال في سبيل الحرية الى تناحر حزبي مقيت على سلطة افتراضية .هذا الصراع هو من اعطي ووفر في البداية الارضية الملائمة لمن يحتاج لرسم المؤامرة ورسم صورة غزة النهائية كتهديد على امن مصر او كدولة يجري مقايضتها بكل الحق الفلسطيني مقابل استقرار حكم جماعة سياسية هذه هي الصورة التي جري العمل على تركيبها واخراجها ومن ثم الزج بها بوصفها خطراً ، لكن هذه ليست صورة غزة ولا حقيقة غزة . لا احد ينكر ان بعض الممارسات التي خرجت من غزة عنوة ومن تحت الارض لأنها لم تجد ببساطة النور فوق الارض تشي بان هذا القطاع يتحمل وزر الجريمة او الفوضى فالأنفاق التي نخرت الارض وربما السيادة المصرية في سيناء كما صورها البعض لا يختلف اثنان على عدم شرعيتها حتي من وجد له مصلحة اقتصادية او سياسية لم ينكر ذلك فسعي الى ادلجة المعاناة والقائها في وجه مصر بوصفها حاجة غزة لكنها كانت حاجته هو . قد تكون هذه الازمة هي صنيعة اطراف لم تري عمق العلاقة الاستراتيجية بعد بين الجانبين فسعت لتمرير واقعها الطارئ الذى نشاء قسراً وانقلابا ، لتحقيق مكاسب عدة سياسية واقتصادية. فمرت عبرها مخططات ومخاطر امنية لا يمكن انكارها او تجاوزها بل ووفرت لأطراف اخري مبررات لأحداث هذا الشرخ في العلاقة وهو الخطر الاكبر الذى بداء اليوم يتسلل لإفقاد القضية حاضنتها وعمقها البشري بعد ان تدني رصيدها نتيجة الانقسام وجري افراغ القضية من مضمونها النضالي كقضية لامة وشعب الى قضية لفصيل وجري في اطار هذا المخطط مقايضة غزة بكل القضية، تارة عبر مخطط الفصل وتارة اخري عبر الزج بغزة باتجاه مصر من خلال مشاريع سياسية مستحيلة حتي وان توفر لها المناخ الاقليمي والدولي الملائم للدفع باتجاهها. ربما هناك من توهم وراهن ومازال على المتغيرات التي عصفت بالمشهد المصري وادت الى صعود الاخوان المسلمين الى سدة الحكم في تحقيق مآربه السياسية لكن الواقع والوعي كان اكثر حسماً فالعلاقة لن تمر على حساب جغرافيا وامن مصر وان التقارب الايديولوجي لن يوفر الغطاء لأي افكار قد تختمر في رؤوس البضع حول اوهام وخيالات اسرائيلية . لا يمكن انكار ان اطرافا فلسطينية تلقت الرسالة الاسرائيلية وربما هناك من عمل على ترجمتها سياسيا عبر مخطط الامعان في الفصل والفوضى والزج بغزة باتجاه مصر عبر استغلال الوضع الاستثنائي لسيناء والحالة المصرية التي تعيش ارهاصات سياسية عسيرة للدفع باتجاه هكذا مخططات .لكن الغريب استثناء العامل الاسرائيلي او نفيه من هذه الجريمة بهذا الشكل وهو الذى بدا اكثر راحة اليوم في الامساك بخيوط وذيول اللعبة كاملة في ظل هذه الفوضي التي تعتري المنطقة على وقع ما يسمي بالربيع العربي، من المستغرب حقا ان يصور البعض حاجة غزة لمصر كشريان رئيسي للحياة على ان لها اطماع جغرافية او شريك في الفوضي او القتل فمن ارتكب الجريمة بحق شهداء الجيش المصري ليسوا غزيين لا بالأسماء ولا بالجثث حتي وان خرجوا من فوضي غزة . لا احد في غزة يمكنه ان يجازف بخسارة مصر، او النيل من مكانتها الاقليمية او امنها لا فصائل ولا افراد هذه هي الحقيقة التي لا يمكن تعويضها بأي اطراف او علاقات اخري لا شرقاً ولا غرباً وقطراً، وان الاطماع الفلسطينية في مصر تبقي محقة ومقبولة لكن في اتجاه دعم صمود غزة ووحدتها كجزء من الارض الفلسطينية ولتحقيق المصالحة وانهاء هذا الانقسام النكد والذى اوصل القضية الى حافة الهاوية واضر بالجوار .