لن نعيش فى دنيا الخيال، لن نعيش فى المدينة الفاضلة، لن نعيش إلا بحثاً عن القهر والحرمان، لن نعيش إلا بقوانا التى تذوب فى بئر الحرمان، لن نعيش فى وحدة حقيقية إلا ونحن نسبح فى زمان النسيان، زمناً لا يرى حقيقة، لكنه يرى خيالاً دون أنوار، أنوار يطيح بها القهر، أنوار يطيح بها الحرمان، أنوار تريد أن تتسلل إلى قلوبنا، فبرجاء أن تفتح لها باباً، فيأتى يوم نرى النور بعد الظلام! فوجئت بصديقتى “هبة العطفى" التى تعمل وتتعامل بالأرقام حائرة بين الألوفات والملايين وأحياناً المليارات تخلع عنها ثوب العمل وتتجرد للحظات من دنيا الحسابات، وتواجهنى بتلك الكلمات السابقة التى تذوب ألماً على شعراً على حنين، وبما أننى لست خبيرة فى دنيا القوافى والموازين والأوزان وجدتنى أعيش معها الحالة وأصبها على رأسى لتغسلنى من دنيا وحياة القاذورات التى أختم بها حياة وأستقبل بها وقتاً ضائعاً أقضيه مع دنيا الأحياء، أتوق فيه لمن سبقونى من الأموات! صديقتى لا تزال شابة، ولكن شخصيتها شابت قبل الأوان؟! وهنا تلاقينا وذابت الفوارق العمرية. أسلط كلماتها على وضع المصرى الذى انفجر بعد ما انقهر وانبطح سنوات وسنوات، وهو الآن يعش ونعيش فى لحظات من الضعف بعدما انخلع غطاء “بكابورت" الحكم فى وجهنا، والبكابورت هى ماسورة المجارى فى الشوارع لمن لا يعرف ولمن يعرف، أضيف: إن اللامؤاخذة هذا البكابورت لا يوجد إلا فى الشوارع والماسورة كبيرة، أما ما عندنا فى الحمامات، هذا إذا كان لديك حمام، وصرف صحى، ولست من سكان العشوائيات، فيسمى لا مؤاخذة بالوعة، والفارق بين الاثنين الشارع ولا مؤاخذة حمام بيتكو. عفواً على استطراد البكابورت والمقارنة والسجع والتشبيه والاستعارة المكنية والكناية.. وإلخ بين البكابورت والبالوعة، فكل ما أريده من هذا وذاك هو التأكيد على أن الحكم السابق كان مثل غطاء البكابورت المتهالك، وعند أول ضغطة انكسر وادشدش وخرجت مجارى الماضى لتسد عين الشمس فى مصر والدول المجاورة من بلاد الربيع العربى، وبما أن شجر وورد الربيع يحتاجان إلى سماد وسباخ فلن يجد بالطبع أفضل من هذا السماد الطبيعى الخارج من البكابورت، لكن أخاف أن تكون التربة أضعف من احتمال فورة البكابورت المصرى وتتحول تربتنا إلى عفن المستنقعات، ولا نجد على الأرض وردة ولا حتى فجلة. أعتذر عن تلك النهاية البكابورتية بعدما بدأنا الكلام بشعر وأحاسيس رفض الشباب الرومانسى متمثلاً فى كلمات هبة العطفى، ويبدو أن الفارق بين البداية والنهاية هو الفارق بين العمرين، وأنت عمرى اللى انتهى فى البكابورت.