من البديهيات الإنسانية، أن أية شخصية ناجحة لابد أن تجد داخل مجتمعها أو خارجه من يحقد عليها أو يكرهها، وبالنظر إلى أن الحاقد أو الكاره شخص مريض نفسيا، فإنه دائما ما يلجأ إذا ما بلغ الضمور فى منسوبه الأخلاقى والفكرى مداه، إلى مهاجمة الشخص الناجح، كحيلة دفاعية لا شعورية يسقط من خلالها عجزه عن اجتياز المرحلة التطويرية التى تمكنه من التفاعل السوى مع الآخرين، ومن أبرز آليات الهجوم التى يستخدمها الحاقد التشهير بسمعة ومكانة الشخص الناجح، خصوصا إذا كان الأخير من الشخصيات العامة المشهود لها بالتفوق والإبداع، وذلك بهدف التهوين من شأنه وزعزعة الثقة فى قدراته..أسلفت ما سبق بمناسبة ما تلاحظ لى خلال فترة الانفلات الأخلاقى والمهنى التى أعقبت ثورات الربيع العربى من وجود حملة منظمة يقودها بعض العاملين بمجال الإعلام، ونسبوا للشيخة موزة مجموعة من الادعاءات من أبرزها: أنها تقف دائما وراء القرار القطرى الخارجى الذى يسعى إلى زعزعة الاستقرار الداخلى لبعض أنظمة الحكم العربية بهدف هدمها تنفيذا لأجندات أجنبية، بالإضافة إلى سعيها لأن يكون لها دور على الساحة العالمية، وأخيرا محاولتها فرض الديمقراطية بالقوة على بعض أنظمة الحكم العربية..من الغريب أن الشيخة موزة لم تعر من دأبوا على مهاجمتها أدنى اهتمام، بل لم تكلف نفسها مجرد التعبير عن امتعاضها مما نسبوه لها من ادعاءات سابقة، ليس لصحة ما نسب إليها منها، أو لعجزها عن الرد عليها، أو لنقص فى حسها الوطنى، بل إدراكا منها أن الشخص الذى يقذف الآخرين بادعاءات مرسلة بناء على أحقاد أو أغراض شخصية، أو معلومات غير موثقة نمت إلى علمه من بؤر مضللة، أو تشكلت داخل قناعاته استنادا إلى ظواهر الأشياء من الأصوب تجنبه..حيث أزعم أن لى إلماما بتفنيذ وقراءة الأحداث بما تظهره من وقائع، أو تخفيه من دلالات، ومع إدراكى لطبيعة وأبعاد المتغيرات التى حدثت فى التاريخ المعاصر، على الساحتين الدولية والعربية، بالإضافة إلى فهمى لبواعث طموح الشيخة موزة، ورصدى لإنجازاتها على أرض الواقع، يمكن القول بكل حيادية وصدق، حسبة لله دون أدنى توجيه أو تلميح أو مطمع شخصى أن ما توصلت إليه قناعاتى حيال الادعاء المتعلق بوقوف الشيخة موزة وراء القرار القطرى الخارجى، فإنه يتنافى مع شخصية الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر ، الذى استطاع منذ توليه شئون الحكم عام 1995، أن يتجاوز الفكر القبلى والطموح المحافظ والتقدم الحذر الذى كان يسيطر على من كان يقود السفينة القطرية فى الماضى وسط أمواج الخليج المتلاطمة وعواصف المحيط العاتية، حيث قام ملتحفا بفكر الحداثة وما بعد الحداثة، بتحديث الماكينات العتيقة لهذه السفينة وإعادة تنظيم بنيتها الداخلية وتقوية وتصحيح وجهة دفتها الخارجية حتى استطاعت الانطلاق بكفاءة وفاعلية وسط الأمواج العربية والدولية السريعة والمتلاحقة مما أدى إلى انتقال قطر من مرحلة الرعى إلى مرحلة المعلوماتية..أما بالنسب للادعاء المتعلق بسعى الشيخة موزة لأن يكون لها دور على الساحة العالمية، فرغم كونه حقا إنسانيا تستحقه، فإنه صيغ بصورة معكوسة، لأن الساحة العالمية هى التى سعت للشيخة موزة ومنحتها العديد من أنواط الشرف، وليس العكس، وذلك تقديرا من المجتمع الدولى لإنجازاتها فى مجالات خدمة المجتمع المدنى القطرى والعربى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه على فرض تعمدها الوصول لهذا المطمح، أليس من حق كل إنسان أن يسعى للوصول للمكانة التى يرى أنه جدير بها طالما توافرت فيه عناصر هذا الارتقاء، خصوصا إذا كان ذلك فى صالح مجتمعه ووطنه والعالم أجمع؟ ثم ما الذى يضير البعض من سعى الشيخة موزة لأن يكون لها دور على الساحة العالمية؟ ألا يعد ذلك فخرا للمرأة العربية واعترافا من المجتمع الدولى بمكانتها وأهمية دورها؟وعن الادعاء بمحاولة الشيخة موزة فرض الديمقراطية على بعض نظم الحكم العربية، فهو ادعاء مرسل الصياغة ومناف للحقيقة، وهو لا يعد اهتماما يستوجب من الشيخة موزة أن تنفيه، بقدر ما هو إنجاز مشرف استحى حياؤها أن تدعيه، وتتمثل حقيقتها فى أن الشيخة موزة ومنذ أن تشكل وعيها السياسى أثناء إقامتها مع والدها خارج قطر، عرفت أن كل التداعيات السلبية التى نجمت عن ممارسات بعض أنظمة الحكم العربية تكمن فى غياب الديمقراطية كثقافة وطريق حياة ونظام أمثل للحكم، مما جعلها ترفض أن تأخذ دور المشاهد والمتابع، بل المشارك فى الحدث، حيث قامت عام 2007 وبمبادرة من دعاة الديمقراطية العرب، بإنشاء منظمة مدنية عربية دولية باسم «المؤسسة العربية للديمقراطية»، وذلك بهدف الإسهام فى نشر الديمقراطية بالمنطقة العربية من خلال دعم الهيئات والنشطاء العاملين فى هذا المجال ماديا ومعنويا، بالإضافة إلى إقرار الوسائل التى من شأنها نشر وتعميق وعى المواطن العربى بحقوقه المشروعة وتمسكه بها، دون الوقوف أو الانحياز لأى نظام عربى أو ضده، لذا كان من الطبيعى أن تهاجم أهداف وآليات عمل هذه المؤسسة فى شخص الشيخة موزة عن طريق الادعاء بأن الهدف من إنشاء هذه المؤسسة هو مساعدة بعض القوى الأجنبية، فى إشارة لأمريكا وإسرائيل، على تنفيذ أجنداتها بالمنطقة العربية، ولو كان لدى من وجهوا مثل هذا الادعاء قدر من بصر أو بصيرة لاستبان لهم على ضوء ما أسفرت عنه محاكمات رموز الحكم بجمهوريات الربيع العربى وشهد به الواقع، أن حكامهم، وليس المؤسسة العربية للديمقراطية، لم يكونوا متفرغين لتحقيق مصالح شعوبهم بقدر ما كانوا متفرغين وحريصين على تنفيذ أجندات أمريكا وإسرائيل بالمنطقة العربية، لكى يظلوا قابعين على أنفاس شعوبهم دونما رادع عربى أو دولى يعوقهم عن الفساد وكبت الحريات واستنزاف الثروات أو يحاسبهم على تجاوزات نظام أمنهم القمعى. *الملحق الثقافى بسفارة مصر بالمملكة المغربية سابقا