دعم أردوغانى لكل المتطرفين فى المنطقة العربية حالة من التخبط والهياج والرعونة السياسية، تنتاب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بعد أن خسر حزبه الانتخابات المحلية، خصوصا فى المدن الكبرى أمثال إسطنبول وأنقرة وأزمير، وهو ما دفع بالديكتاتور العثمانى إلى إلغاء نتائج انتخابات إسطنبول بعد إعادة الفرز أكثر من مرة والتى أكدت فوز مرشح المعارضة، فما تداعيات القرارات الأردوغانية الأخيرة على الداخل التركى؟ وكيف انعكست هذه الهزيمة الداخلية على سعى أردوغان للتحرش بقبرص؟ وما مدى فهم أردوغان للرسالة الدولية والإقليمية بدعم قبرص واليونان فى مواجهة الغطرسة التركية؟ أولاً: المؤكد أن تركيا أصبحت القاسم المشترك والعنوان الرئيسى لكل مشكلات المنطقة، فهى الداعم الأول لعدم الاستقرار فى الجزائر والسودان وليبيا، ناهيك عن العراقوسوريا والصومال ومنطقة الخليج، فالرئيس التركى يدعم أطراف عدم الاستقرار والميليشيات المتطرفة فى ليبيا والجزائر والسودان، حتى تتمكن جماعات التطرف والأفكار الظلامية من السيطرة على الحكم، ولا يزال أردوغان يراهن على فكرة الخلافة العثمانية، وأنها يمكن أن تعود مع الأحداث المتجددة فى ليبيا والسودان والجزائر، لذلك خرجت مظاهرات ضد أردوغان فى البلدان الثلاثة، كما أنه يدعم القاعدة وداعش فى سورياوالعراق من خلال قواته فى مخيم بعشيقة شمال العراق، واحتلال تركيا لمساحة تصل لنحو ثلاثة أمثال مساحة لبنان شمال سوريا ضمن المنطقة الآمنة للإرهابيين، التى يوفرها كمنطقة آمنة لكل المتطرفين من كل دول العالم. ثانياً: مساعى أردوغان للبقاء فى الحكم حتى عام 2029، باتت على المحك نتيجة تراجع شعبيته وشعبية حزبه، فهو فاز فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التى جرت عام 2018 بشق الأنفس، وتحدثت المعارضة عن مليون صوت تم إيداعهم لصالح حزب أردوغان، لكن الأخطر ما حدث فى الانتخابات المحلية، فكما قال أردوغان بنفسه، إن من يكسب إسطنبول يكسب الانتخابات فى تركيا كلها، وهو ما يشكل انتحارا سياسياً لأردوغان، وهذه ليست المرة الأولى التى يلجأ فيها حزب العدالة والتنمية إلى التحايل على النتائج الانتخابية التى يريدها. ففى استفتاء عام 2017 الدستوري، الذى استبدل النظام البرلمانى بالنظام الرئاسى الحالى، تمكن أردوغان من عكس هزيمته فى صناديق الاقتراع من خلال حشو الاقتراع فى اللحظة الأخيرة وغيرها من وسائل التزوير. لكن هناك شيئا مختلفا حول التدخل هذه المرة، فعلى نقيض عام 2017، استغرق الأمر أكثر من شهر من الضغط العلنى المكثف من أردوغان حتى يتمكن المجلس الانتخابى من إسقاط مرشح المعارضة. ثالثا: الفائز فى انتخابات إسطنبول هو أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهورى المعارض، ركز فى حملته الانتخابية على القضايا المحلية، ولم يشارك فى المبارزات العلنية مع أردوغان وأتباعه، ممن ادعوا أن الانتخابات تتعلق بالمؤامرات الأجنبية، والإرهاب وسوريا ومجموعة من القضايا التى لا علاقة لها بالقضايا المحلية، مثل المياه والنقل وسوء الخدمات، وهذا يعنى أن قطاعا كبيرا من السكان سوف ينظر لإلغاء النتائج على أنه نتيجة غير مشروعة وملوثة. رابعاً: خسارة حزب أردوغان لأصوات بالملايين فى 2017 و2018، وأخيراً فى الانتخابات المحلية، يؤكد أن الواهم بالخلافة سيكون مرعوبا من أى تعبئة محتملة للمجتمع، وأن أردوغان لا يمكن أن يواجه الشعب التركى الذى أعلن رفضه للمشروع الأردوغانى العثمانى، وهو ما يمهد بثورة تنهى حكم أردوغان وجماعة الإخوان فى تركيا، والحقيقة أن أردوغان خاسر فى كل الحالات، ففى حال خسارة حزب العدالة والتنمية، فإن قوة أكرم إمام أوغلو، مرشح المعارضة، ستتضاعف، بينما فوز العدالة والتنمية، يعنى مواصلته لأفعاله التى نفذها من قبل عامى 2017 و2018 خامسا: بات وضع المعارضين فى السجون سياسة ثابتة لأردوغان، وزادت هذه السياسة منذ 15 يوليو 2016، فخلال الفترة بين عامى 2006 و2019 افتتحت السلطات التركية 166 سجنا جديدا، وكشفت وزارة العدل التركية، عن أنها تقوم بإنشاء 48 سجنا جديدا على مساحة 6 ملايين مترمربع بتكلفة 9 مليارات ليرة، كما نشرت قائمة جديدة بشأن الأمر، كما أن مصلحة ورش السجون التى تقوم بتوظيف السجناء تعمل على إقامة 43 سجنا حاليا فى مدن تركية مختلفة، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من هذه السجون بحلول عام 2021 على أن تصل تكلفتها إلى 4 مليارات و59 مليون ليرة. سادساً: ازدواجية المعايير التى يتحدث بها أردوغان، واكتشاف الشعب التركى، أن أردوغان يمارس الكذب والتضليل عليه، وأن سلوك أردوغان التركى ضد الإسلام والشعوب الإسلامية والعربية، وهذا عكس ما يقوله أردوغان فى الإعلام والأبواق الدعائية التابعة له، فهو يتحدث ليل نهار عن دعمه للشعب الفلسطينى، وأنه سيدافع عن القدس وفلسطين، وأنه ضد حصار غزة وغيرها من الكلام المعسول، لكن الحقيقة هو أن الجيش الإسرائيلى الذى يقتل الأطفال الفلسطينيين فى غزة وغيرها يستخدم قاعدتى إنجرليك وقونية لضرب قطاع غزة، كما يبنى الجيش الإسرائيلى قاعدة عسكرية للإنذار المبكر فى كوراجيك بمدينة ملاطيا التركية، وهناك ضباط أتراك يتدربون فى صحراء النقب مع الجيش الإسرائيلى، وأن الطائرات الإسرائيلية التى تقصف الأراضى الفلسطينية يتدرب طياروها فى أجواء تركيا قبل القصف، وأن هناك 60 اتفاقية عسكرية بين تركيا وإسرائيل تغطى التدريبات الجوية وتحديث الدبابات، منها اتفاق الميثاق الشبح الذى سمح لتركيا بالتجسس على الجيوش العربية لصالح إسرائيل، وأن تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل 1949، وأن التعاون العسكرى مع تل أبيب وأنقرة قفز ل6 مليارات دولار سنويا منها 4 مليارات فى التعاون العسكرى، كما دعم أردوغان العلاقات العسكرية مع إسرائيل بعقود تسليح ضخمة واستعان بخبراء عسكريين إسرائيليين فى جميع أفرع القوات المسلحة التركية، كما يتدرب ضباط وجنود أتراك داخل النقب فى إسرائيل على استخدام طائرات تعمل من دون طيار، تستخدمها إسرائيل لتعقب مسلحين فلسطينيين فى غزة، ووقعت تل أبيب مع أردوغان اتفاق تعاون عسكرى فى العام 2006، أعطى إشارة الانطلاق لما وصف بأنه شراكة إستراتيجية، ما أدى إلى حصول إسرائيل على عقود بيع أسلحة وصيانة تجهيزات لتركيا، كما قامت بحريتا البلدين بمناورات مشتركة، وينص الاتفاق على وضع آلية مشتركة لمواجهة الأخطار المشتركة من خلال منتدى أمنى للحوار الإستراتيجى بين الدولتين، من خلال أنشطة استخبارية مشتركة، ونصب أجهزة تنصت فى جبال تركيا. كذلك القيام بمناورات مشتركة يسمح فيها باستعمال أجواء الدولتين عسكرياً، وعلى تدريبات مشتركة للجيشين، وعلى حق المقاتلات الإسرائيلية باستعمال القاعدتين الجويتين التركيتين قونية وإنجرليك، ويضاف ذلك إلى صفقات التسلح الضخمة التى زودت بها إسرائيل، الجيش التركي، ما جعل تركيا السوق العسكرية الكبرى للصناعة العسكرية الإسرائيلية، وتمثل تركيا كنزا معلوماتيا لإسرائيل، خصوصا فى ال10 سنوات الأخيرة، حيث إن العلاقات التركية - الإسرائيلية بدأت قبل 60 عاما، لكن فى ال50 عاما الأولى كانت محدودة جدا، وكانت إسرائيل فى كل مناسبة تسعى إلى تطوير وزيادة هذه العلاقات، والعلاقات الإسرائيلية - التركية التى يبلغ عمرها 60 عاما تضاعفت عشرات المرات خلال حكم أردوغان فى العشر سنوات الماضية، فقد قام أردوغان برفع التأشيرات للإسرائيليين من جانب واحد، وقام ببيع مياه نهر منفجات الذى يصب فى المتوسط، ومنحت الشركات الإسرائيلية تحديث طائرات مقاتلة تركية قديمة. سابعاً: يخطط أردوغان للخروج من اتفاقية لوزان عام1923 التى حددت حدود الدولة التركية بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، لذلك يحاول أن ينهش أراضى من دول الجوارآخرها محاولاته التحرش بالدولة القبرصية، من خلال إرسال سفينة حفر لاكتشاف الغاز والنفط فى المنطقة الاقتصادية الخالصة غرب قبرص، وهو الأمر الذى رفضه الاتحاد الأوربى والولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا ومصر وكل دول العالم، حيث سقطت كل ادعاءات أردوغان، فالبرلمان القبرصى اتفق على إنشاء صندوق لعائدات النفط والغاز ستوزع على كل القبارصة بعد توحيد الجزيرة، وهو ما ينفى ادعاء أردوغان بأنه يحافظ على حقوق القبارصة الأتراك، وإذا واصل الرئيس التركى الذى يشعر بالعزلة، انتهاك القانون الدولى واتباع سياسة المواجهة، فإنه لن ينجح إلا فى زيادة تفاقم الموقف الصعب، الذى وضع نفسه على مدى السنوات القليلة الماضية. ثامناً: فى سبيل دعم نفوذها فى المنطقة الذى أفقدها كل أصدقائها، تقوم تركيا بتعزيز نفوذها فى أجزاء من شمال وشمال غربى سوريا، وهو أمر ينظر إليه من البعض على أنها محاولة منها إلى تتريكها، تمهيدا لضمها نهائيا فى المستقبل، وتسيطر حالياً تركيا على الأراضى الواقعة غربى نهر الفرات، المحاذية لحدودها الجنوبية الشرقية بلدة جرابلس فى الشرق، وانتهاء بعفرين ذات الغالبية الكردية فى شمال غربى البلاد، ولا يقتصر الوجود التركى فى المناطق الشمالية فى سوريا على الجانب العسكرى فقط، بل تعمل السلطات التركية بالتعاون مع الفصائل السورية المعارضة الموالية لها، على نشر الثقافة واللغة التركية إلى جانب احتكار المشاريع الاقتصادية الرئيسية فى المنطقة، وفى أغسطس 2016 أطلقت تركيا عملية عسكرية سمتها درع الفرات، وفى بداية عام 2017، استولت القوات التركية وحلفاؤها على جزء من الشريط الحدودى بين البلدين، الممتد بين جرابلس فى الشرق وإعزاز من الغرب ومنطقة الباب إلى الجنوب، وكان هدف تركيا العلنى محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، أما هدفها الإستراتيجى الأهم، فكان منع القوات الكردية المدعومة من الولاياتالمتحدة من التوسع فى المناطق الواقعة غربى نهر الفرات، وفى يناير 2018، أطلقت تركيا وجماعات مسلحة موالية لها عملية عسكرية جديدة فى المنطقة، وكانت هذه المرة تهدف إلى السيطرة على منطقة عفرين الكردية، التى كانت تحت حماية المقاتلين الأكراد، وتقوم تركيا بتغيير الأسماء العربية إلى التركية، ومنعت تسجيل أطفال بأسماء عربية، كما أنها افتتحت مدارس وجامعات باللغة التركية.