جاء استفتاء اقليم كردستان ثم اقليم كتالونيا,ليطرحا من جديد وبالحاح ,الصراع بين الاقليات ذات الهوية الخاصة وبين الدولة القومية التى تضمها,ومع تسليمنا المطلق بوحدة الاراضى العراقية ونظيرتها السورية وكذلك بالنسبة لليمن,التى دخلت تجربة الانفصال ثم عادت الى الوحدة والاندماج لتواجه عواصف الانقلاب والتشرذم بين جماعات المصالح المدججه بالسلاح ,ثم كانت التطورات المتعلقة بدخول قوات تركية الى ادلب والدعم المباشر للجيش الحر فى سوريا,وتصريحات الرئيس التركى باهمية الدفاع عن الامن القومى التركى فى جبهتى العراقوسوريا,------فماذا يهدد الامن القومى التركى فى هاتين الجبهتين؟ الاجابة تنحصر فى الاكراد والمصالح الاقتصادية فى آن واحد,حيث فرضتا ازدواجية الرؤية التركية لقضايا الاقليات. حيث ان هذه التطورات- وتحديدا- فيما يتعلق باقليم كردستان ,طرحت بل فرضت بالحاح التمعن فى الموقف التركى من الاقليات على ارضها,ممثلة بالاكراد,وموقفها من الاقليات الاخرى خارج حدودها والتى تدعم نفوذها . ففى الحالة الاولى يكون الانكار التام لوجودها ,اما الحالة الثانية فتدعمها بقوة السلاح ,واذا كانت تطورات اقليم كردستان قد فرضت الاهتمام الدولى بقضية وحدة الدولة وخصوصية الاقليم الاانها ركزت الضوء على السعى الحثيث من جانب انقرة للحيلولة دون دعم مطالب اكراد تركيا بصفة اساسية ,لما يعنيه من توترات سياسية ذات تراكمات اقتصادية على صعيد الدولة,والحفاظ على التدفقات البترولية من جانب اربيل والتى نظتها اتفاقية سرية بين الجانبين. اى ان الامرليس حبا او دعما لوحدة اراضى العراق,فكانت الجولات المكوكية والاتصالات متعددة الاطراف من جانب رجب طيب اردوغان ,حيث ان الاكراد والناطقين باللغة الكردية يتركزون فى مجموعة دول ابتداء من العراق الى ارمنيا,مرورا بايرانوسورياوتركيا والتى يتمركز بها 50 % من هؤلاء. • العودة بالتاريخ الى الوراء تكشف ان تركيا استخدمت قواتها العسكرية وغزت جزيرة قبرص فى منتصف السبعينات من اجل حماية القبارصة الاتراك وتم التفاوض على نقل القبارصة اليونانيين من الشمال الى الجنوب والعكس صحيح بالنسبة للقبارصة الاتراك وتقسيم العاصمة نيقوسيا باسلاك شائكة تحت ادارة الاممالمتحدة,حيث تعد عاصمة للجانبين. وقد شهدت عملية النزوح المتبادل فقدان 1500 و500 مواطن قبرصى يونانى وتركى على التوالى,مع اعلان شمال قبرص(36%من المساحة الكلية) ادارة منفصلة فى اطار اقتراح دولة فيدرالية 0ومع رفض الاممالمتحدة لهذه الخطوه وكذلك الحكومة القبرصية وفى ظل مفاوضات عقيمة على مدى 8 سنوات,اعلنت الجمهورية التركية لشمال قبرص فى عام 1983 !!!! فماذا كان تعداد القبارصة الاتراك الذين اعلنت من اجلهم دولة ,لم يعترف بها احد فى العالم على مدى 35 عاما,الا تركيا والتى وصفها احد مستشارى الرئيس اردوغان بانها مقاطعة خارج الحدود تابعة لتركيا(تصريح فى ابريل 2017 ),؟!!! التقديرات تشير الى 155,500 الف نسمة,منهم 50% قبارصة اتراك و50% مستوطنيين اتراك هاجروا الى الجزيرة ومواليد مختلطة,خلال الفترة منذ منتصف السبعينات الى اعلان الدولة المصطنعة. وتشير المصادر المختلفة الى اجراء تعداد سكانى كل عشر سنوات تقريبا ,كان اخرها عام 2011 ,ولم يتجاوز عدد هؤلاء السكان بشقيهم 294 الف نسمة . وعلى الرغم من موجة الغضب التى اثارها تصريح مستشار الرئيس التركى,الاان الواقع الفعلى يشير الى اعتمادها اقتصاديا وسياسيا وماليا على الخزانة المركزية ,ولكن جاءت الاكتشافات البترولية بالقرب من المياه الاقليمية للجزيرة,لتفتح شهية انقرة تجاه المكاسب الاقتصاديةالتى ستطالب بها باسم جمهورية اتراك قبرص. • هذا مافعلته تركيا فى قبرص لحماية امنها القومى عسكريا واقتصاديا, بجانب تباين وجهات النظر مع اليونان والحساسيات ازاء بحر ايجه الواقع بين الدولتين وخاصة بعد الاكتشافات البترولية,فماذا فعل العالم ازاء هذا العمل الذى يعد غلالة شفافة لتبرير التواجد العسكرى والمدنى فى الجزيرة التى قسمت,وهل تعد تصريحات اردوغان حول تهديدات الامن القومى لبلاده التى تاتى من سورياوالعراق خطوة تبريريه ,على ذات المنوال مغلفة باسم(درع الفرات) وللحد من نفوذ قوات سوريا الديمقراطية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطى لاكراد سوريا (يبلغ عددهم 1,9 مليو نسمة وبما يعادل 10%) ,الى جانب التارجح بين التهديد والمهادنة تجاه,تطورات الاوضاع فى العراق . • تمثل سياسة انقرة تجاه الاكراد فيها -والذى يتناقض تماما مع وضع الاكراد فى اقليم كردستان العراق والى حدا ما مع ايران,حيث تعترف بالاقلية التى تقدر بحوالى 7 مليون نسمة- الوجه الاخر لرؤية تركيا لحقوقهم,فعلى الرغم من ان اقليم كردستان يمثل 32% من مساحة تركيا ويتوزع الاكراد فى فى ولايات شرق وجنوب شرق الاناضول ,بالاضافة الى تواجدهم فى العديد من المدن الكبرى, مع تراوح نسبتهم الى اجمالى عدد السكان,من18% طبقا لتقديرات وكالة المخابرات الامريكية الى 25 % طبقا لمصادر غربية اخرى ,وبالارقام المطلقة تتراوح اعدادهم بين 12,6 مليون الى 19 مليون من اجمالى تقديراتهم فى العالم,26 مليون نسمة تقريبا. الا ان تركيا ترفض الاعتراف بهويتهم الخاصة وحرمت استخدام اللغة الكردية فى الحياة العامة والمدارس والمعاملات الرسمية حتى تم رفع الحظر نسبيا منذ سنوات ثم ارتدت الهجمة المضادة مرة اخرى بعد انهيار وقف اطلاق النار الذى تم التوصل اليه عام 2013 (وصف بعام الحل)بين حزب العمال الكردستانى وحزب العدالة والتنمية.وقد كان لتنامى الحديث عن الحزب الكردى واعلانه منظمة ارهابية ,اثره فى طمس المعلومات المتعلقة بسلسلة الثورات التى قام بها اكراد تركيا بحثا عن كيان يحفظ هويتهم,منذ الحرب العالمية الاولى. • من الامور المثيرة للانتباه,محاولة تركيا تصدير مشكلة الاكراد على انها تهديد للامن القومى من خلال الحدود المشتركة مع جيرانها !,وقد تكون ذريعة للتدخل فى شئون هذه الدول !,والواقع يشير الى ان انكارحقوق هذه الاقلية الضخمه ادى الى انفاق مايقرب من نصف تريليون دولار على مدى ثلاثة عقود –تحت مسمى مكافحة الارهاب-بينما المناطق ذات الاغلبية الكردية تعانى من انخفاض مستوى الدخل ومعدلات التنمية, وارتفاع معدلات البطالة والامية ,ومن ثم دوافع الغضب. كل الدلائل تشير الى ان المشاكل الامنية والاقتصادية تنبع من داخل تركيا ,فقد ادت الى ارتفاع الانفاق العسكرى كماان توالى احداث العنف يؤثر على السياحة وهى مصدر هام للاقتصاد التركى,الى جانب انخفاض معدلات الادخار وارتفاع تكلفة العمل ,بل ان تقدم مناطق الغرب التركى وارتفاع مستويات المعيشة ادى الى انخفاض معدلات المواليد بين الاتراك,بينما الامية ادت الى ارتفاع معدلات المواليد بين الاكراد فى تركيا,وقد حذر اردوغان من هذه الظاهرة واصفا اياها بقنبلة زمنية ديموجرافية تهدد بتجاوز عدد السكان الاكراد للسكان الاتراك بحلول عام 2038 . ومع التسليم بالرغبة التركية فى احياءذكريات الامبراطورية العثمانية ,من الناحية السياسية,لاشك فى ان العامل الاقتصادى لعب ويلعب دوره فى تحفيز الرغبة فى التوسع الاقتصادى من جانب الدولة,كما انه االعامل الذى يثبط عزيمة قاطنى اقليم كردستان ,فى الاراضى التركية ,الذين يشكلون خمس عدد السكان. انه الاقتصاد والازدواجية فى المعايير--التى شكلت المواقف وعقدت الاوضاع فى منطقتنا.