عاد التوتر من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط بعد الإجراءات الاستفزازية الأخيرة التى قام بها النظام الإيراني، ووقوفه خلف الاعتداءات التى تعرضت لها أربع سفن تجارية بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي، ومحاولة الاعتداء على مرفقين نفطيين فى المملكة، وتهديد حركة الملاحة فى المياه الدولية. وإطلاق تصريحات استفزازية ذات نبرة تهديدية بأنه لن يعود بإمكان أى دولة تصدير بترولها، ما دامت إيران غير قادرة على فعل الشيء ذاته، ما يعنى أن العقوبات التى فرضتها عليها الولاياتالمتحدة أخيرا سوف تشمل جميع دول العالم. تلك التصريحات التى اعتاد الإيرانيون على إطلاقها باستمرار عند فرض أى عقوبات جديدة عليها، أخذتها الإدارة الأمريكية على محمل الجد، لا سيما بعد رفع وتيرة الهجمات العدوانية التى شهدتها منطقة الخليج، وزيادة المظاهر العسكرية، وصدور تحذيرات بإمكانية استهداف الوجود الأمريكى فى العراق ولبنان. لذلك نصبت صواريخها، وأرسلت مدمراتها وحاملات طائراتها نحو المنطقة. ويبدو واضحا للعيان أن مشكلة طهران المزمنة، تكمن فى سوء فهم سياستها لقواعد النظام العالمى الجديد، وعجزهم عن استيعاب المتغيرات العديدة التى يمر بها العالم، وعدم قدرتهم على استصحاب الواقع السياسي، وانكفائهم على ذواتهم فى دائرة التمسك بإطلاق التصريحات والتهديدات الفارغة المحتوى، فالعالم كله يدرك أن أى مواجهة عسكرية بين النظام الإيرانىوالولاياتالمتحدة، تعنى ببساطة فناء ذلك النظام الهلامى ونهايته الحتمية، فمعايير القوى وحساباتها لا تسمح بوجود أى مقارنة بين الجانبين. وبرغم أن مشكلة إيران مع الولاياتالمتحدة بالدرجة الأولى، فإنها حاولت كعادتها استفزاز دول الخليج العربى وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، وأطلق قادتها المهووسون بالحرب تهديدات صريحة باستهداف المصالح الأمريكية فى جميع دول المنطقة، وهى حيلة قديمة لم تعد تنطلى إلا على السذج وبسيطى الفهم، فدول المنطقة وعلى رأسها المملكة حتما لن تقف مكتوفة الأيدى، وهى تتفرج على اعتداءات تطال أراضيها، وهو ما أكده وزير الدولة بوزارة الخارجية، الأستاذ عادل الجبير، الذى سارع بتأكيد أن الرياض لا ترغب فى الحرب ولا تسعى وراءها، لكن إن فرضت عليها فهى سوف ترد بكل قوة وحزم على أى اعتداء يستهدفها. وربما يتساءل البعض عن السر وراء التصعيد الإيرانى الأخير، ولماذا حدث فى هذا التوقيت بالذات، والإجابة تبدو واضحة وهى أن العقوبات التى فرضتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أفلحت فى خنق الاقتصاد الإيرانى حتى بات على شفا الانهيار التام، وأن بدء سريان السلسلة الجديدة من تلك العقوبات، والمتمثلة فى وقف تصدير النفط الإيرانى إلى جميع دول العالم، ذلك يعنى بوضوح تام تحرير شهادة وفاة لذلك النظام الدموي، لذلك فإن التصعيد وافتعال أجواء الحرب يهدفان إلى تهيئة الشعب الإيرانى إلى مرحلة أخرى من المعاناة، ودفعه إلى الوقوف وراء قيادته ومناصرتها، وهى سياسة مكشوفة لم تعد قادرة على خداع أبسط العوام، لاسيما بعد توارد الأخبار الموثوقة التى تؤكد أن أموال ذلك الشعب المسكين تم تحويلها إلى حساب قادته الذين يتظاهرون بالورع والتقى ويذرفون دموع التماسيح أمام شاشات التلفاز. ويعلم القاصى والدانى أن إستراتيجية إيران فى المنطقة قامت على قواعد أساسية فى مقدمتها افتعال حالة من عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، تارة عبر محاولات تصدير ثورتها المرفوضة، أو بافتعال الأزمات فى مواسم الحج، فدخلت فى حرب مع العراق أيام الرئيس الأسبق صدام حسين، وعندما ذاقت مرارة الخسارة وطعم الهزيمة وأدركت عدم قدرتها على المواجهة لجأت إلى سياسة الحرب بالوكالة، وتجنيد عملاء ومرتزقين باستثارة عواطف البسطاء وتقديم نفسها على أنها الحاضنة الكبرى للطائفة الشيعية، واستطاعت – للأسف – خداع البعض وأوكلت إليهم مهام كثيرة، تفاوتت ما بين اغتيال خصومها السياسيين والعمل ضد السلطات والحكومات، والسعى وراء الاستيلاء على الحكم. ويبدو المثال واضحا فى هذا المثال كما هو فى حزب الله اللبنانى وجماعة الحوثيين فى اليمن وميليشيات الحشد الشعبى فى العراق. كذلك استعان النظام الميكافيلى بالجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة الذى احتضنت قادته وأمدتهم بالسلاح والمال، وأقامت لهم المعسكرات لتدريب أتباعه، كما لا يخفى على إحدى الصلات القوية التى تربط بين طهران وتنظيم داعش، رغم الاختلافات المذهبية والإيديولوجية بين الطرفين، لكنها سياسة الغاية تبرر الوسيلة فى أوضح أشكالها. عدم رغبة المملكة فى الحرب وسعيها الدائم لتأجيل المواجهة وتحاشيها بجميع السبل الممكنة ليس مرده إلى الضعف أو الجبن – حاشا لله – لكنها النظرة الحكيمة التى ترى الشيء فلا تخطئه، وتملك القدرة على تحديد الأفعال وقياس درجة ردودها المضادة، لكن يبدو أن العجز عن رؤية الأشياء على حقيقتها أصاب جنرالات الحرس الثورى بالغرور والغطرسة، وصورت لهم أوهامهم المريضة أن الفرصة مواتية للانقضاض على دول الخليج العربى، والاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها، لذلك تمددت أحلامهم واتسعت دائرة أطماعهم، وبعد أن كانت طهران تلاعب الدول العربية فى اليمن وسوريا والعراق تحول الميدان إلى داخل الأراضى الإماراتية والسعودية، سواء بأيدى إيرانية أو عبر مخلبها الحوثي، لذلك فإن الوضع القائم الآن فى منطقة الخليج العربى يؤكد أن جميع السيناريوهات قائمة، وأن كل الاحتمالات مفتوحة، وأن نظام طهران الذى يمر بأحلك فتراته وأصعب أوقاته ربما يكتب نهايته بيديه إذا قام بأى مغامرة طائشة، أو ارتكب حماقة غير مأمونة العواقب، فحينها سوف تفتح عليه أبواب الجحيم على مصراعيها، وسيكون الخاسر الأكبر هو الشعب الإيرانى المسلم، الذى ابتلاه الله بحكومة جثمت على صدره عقودا طويلة، أفقرته وأذلته وبددت موارده وأحالته إلى أحد أفقر شعوب المنطقة، بعد أن كان من أكثرها ثراء واستقرارا ونماء.