انتبه يا عبد الله، لقد بدأ أهم وقت فى رمضان، إنها العشر الأواخر من ذلك الشهر، إنها أيام فاصلة وفيها ليلة فاضلة عظيمة هى ليلة القدر. وليلة القدر هى ليلة خير من ألف شهر، بمعنى أن العبادة فيها تعدل عند الله فى الأجر عبادة ألف شهر أى (ما يزيد على 83 سنة) فأى خير بعد ذلك؟ وأى فرصة هذه؟ ولتقرأ قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (إِنَّ هذا الشَّهْرَ قد حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ من أَلْفِ شَهْر،ٍ من حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ) رواه ابن ماجة، فهل تريد أخى أن تكون من المحرومين فى هذه الليلة؟ بالتأكيد لا تريد، وبالتالى عليك أن تفعل ما كان يفعله النبى صلى الله عليه وسلم. وقد أعطى لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم علامات لهذه الليلة لنعرفها فقال: (ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)، ومعنى الحديث أنها ليلة طيبة معتدلة، وتصبح الشمس ضعيفة الضوء ولونها أحمر. وقال صلى الله عليه وسلم (صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع). ويظن كثير من الناس أن ليلة القدر هى ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، إلا أن هذا مجرد ظن واجتهاد، وليس هناك من دليل يؤكد أنها ليلة السابع والعشرين والدليل على ذلك: قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم ( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فى الْوِتْرِ من الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ من رَمَضَانَ). وقوله صلى الله عليه وسلم ( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فى السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ). وعن أبى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضى الله عنه، قال: كان رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فى رَمَضَانَ الْعَشْرَ التى فى وَسَطِ الشَّهْرِ، فإذا كان حين يُمْسِى من عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِى وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إلى مَسْكَنِهِ، وَرَجَعَ من كان يُجَاوِرُ معه، وَأَنَّهُ أَقَامَ فى شَهْرٍ جَاوَرَ فيه اللَّيْلَةَ التى كان يَرْجِعُ فيها فَخَطَبَ الناس فَأَمَرَهُمْ ما شَاءَ الله ثُمَّ قال (كنت أُجَاوِرُ هذه الْعَشْرَ ثُمَّ قد بَدَا لى أَنْ أُجَاوِرَ هذه الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَمَنْ كان اعْتَكَفَ مَعِى فَلْيَثْبُتْ فى مُعْتَكَفِهِ، وقد أُرِيتُ هذه اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا فَابْتَغُوهَا فى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فى كل وِتْرٍ، وقد رَأَيْتُنِى أَسْجُدُ فى مَاءٍ وَطِينٍ فَاسْتَهَلَّتْ السَّمَاءُ فى تِلْكَ اللَّيْلَةِ) فَأَمْطَرَتْ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فى مُصَلَّى النبي، صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِى رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَنَظَرْتُ إليه انْصَرَفَ من الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً. وفى الواقع، هناك أحاديث أخرى عنها، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم ( الْتَمِسُوهَا فى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ من رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فى تَاسِعَةٍ تَبْقَى فى سَابِعَةٍ تَبْقَى فى خَامِسَةٍ تَبْقَى)، ومعنى الحديث أن نلتمس هذه الليلة إما فى ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين. وقال صلى الله عليه وسلم ( هِيَ فى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ هِيَ فى تِسْعٍ يَمْضِينَ أو فى سَبْعٍ يَبْقَيْنَ)، والمعنى إما أن تكون ليلة تسع وعشرين أو ثلاث وعشرين. عن زِرَّ بن حُبَيْشٍ يقول سَأَلْتُ أُبَيَّ بن كَعْبٍ، رضى الله عنه، فقلت إِنَّ أَخَاكَ بن مَسْعُودٍ يقول من يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فقال رَحِمَهُ الله: أَرَادَ أَلَا يَتَّكِلَ الناس، أَمَا إنه قد عَلِمَ أنها فى رَمَضَانَ وَأَنَّهَا فى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِى أنها لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فقلت بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذلك يا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قال: بِالْعَلَامَةِ أو بِالْآيَةِ التى أخبرنا رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؛ أنها تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لها. وعن ابن عباس، رضى الله عنه، قال: دعا عمر، رضى الله عنه، أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها فى العشر الأواخر، فقلت لعمر: إنى لأعلم وإنى لأظن أى ليلة هي، قال وأى ليلة هي؟ قلت سابعة تمضى أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، قال ومن أين تعلم قال؟ قلت: خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام، وأن الدهر يدور فى سبع وخلق الإنسان، فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء والطواف سبع والجبال سبع، فقال عمر، رضى الله عنه: لقد فطنت لأمر ما فطنا له. رواه البيهقي. مما سبق يتبين لنا أنها ربما تكون ليلة ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، لكن أى ليلة تحديدا هى. فى الواقع لا إجابة واضحة ومحددة عن هذا السؤال، وربما لا تعلم أن فى ليلة القدر أكثر من أربعين قولا من أقوال العلماء، وأذكر منها من قال: إن ليلة القدر هى ليلة تنتقل بين الليالى الوتر من العشر الأواخر، أى إنها تكون مرة ليلة إحدى وعشرين ثم مرة ليلة سبع وعشرين ثم ثلاث وعشرين وهكذا، ويقول الشافعى رحمه الله: «كان المصطفى يجيب على نحو ما يسأل يقال له نلتمسها فى ليلة كذا، فيقول: التمسوها فى ليلة كذا، فعلى هذا تنوع إخبار كل فريق من العلم»، وتنوع الأخبار وإخفاء هذه الليلة يهدفان لأن يجتهد الناس فى كل الليالي، وإلا عكفوا على ليلة بذاتها وأهملوا الباقى.
ماذا نفعل فى ليلة القدر؟ عن أم المؤمنين، عائشة، رضى الله عنها قالت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إن عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ما أَقُولُ فيها؟ قال: (قُولِى اللهم إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي). وعنها رضى الله عنها أيضًا أنها قالت: كان النبي، صلى الله عليه وسلم إذا دخل الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. والمعنى من شد مئزره أنه يترك كل شيء يمكن أن يصرفه عن عبادته وأحيا ليله بالقيام، وأيقظ أهله ليقوموا الليل أيضا حتى لا يفوتهم الأجر العظيم. وعنها أيضا، رضى الله عنها قالت: كان رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَجْتَهِدُ فى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ما لا يَجْتَهِدُ فى غَيْرِهِ. ولا يسعنا فى هذه الأيام التى نحن فيها الآن سوى الاجتهاد فى العبادة والطاعة قدر ما نستطيع، فهى عشرة أيام فقط وسرعان ما تنقضى فلا يضيعها أحد من بين يديه بل يغتنمها، ولا يظنن أحد أن ليلة القدر هى ليلة سبع وعشرين، فالله أعلم هى أى ليلة هي، وليتقبل الله عز وجل عبادتنا فيها وليوفقنا فيها.