معركة الكرامة بدأت ب317 جنديا وضابطا ونجحت فى تحرير شرق وجنوب ليبيا من الإرهابيين معركة طرابلس تسير وفق المخطط والحفاظ على أرواح المدنيين والمنشآت فى طرابلس أبرز الأولويات
عندما انطلقت عملية "الكرامة" العسكرية في مايو 2014 بعدد 317 ضابطا وجنديا بقيادة اللواء خليفة حفتر في ذلك الوقت، لمواجهة أعداد تقدر بعشرة آلاف مقاتل أو يزيد من الجماعات الإرهابية "داعش والقاعدة"، التي كانت تسيطر على مدينة بنغازى بالشرق الليبى، كان هناك تحالف دولى بقيادة الدول الغربية العظمى، يشن آلاف الضربات الجوية على تنظيم داعش في سوريا والعراق ولم يستطع أن ينهى على مقاتلى الإرهاب هناك.
ترقب العالم، وهو يشاهد عملية "الكرامة" العسكرية، وأجمع المحللون في ذلك الوقت على أنه انتحار عسكري، ومع التفاف شباب القبائل ومدن المنطقة الشرقية تقدمت قوات الكرامة، وحققت انتصارات تلو الأخرى على أطراف مدينة بنغازى، وفى 9 مارس 2015 أمام البرلمان المنتخب من الشعب الليبى والمعترف به دوليا، أدى خليفة حفتر اليمين قائداً عاما للجيش الليبى في جلسة علنية بمقر البرلمان بمدينة طبرق.
ورأت الدول المتحكمة فى القرار الأممى أن قوات الجيش لن تستطيع أن تواجه الجماعات الإرهابية، وكانت مصر أول دولة تعلن ترحيبها بقرار البرلمان الليبى بتعيين قائد عام للجيش. استمر المحارب الصلب خليفة حفتر فى مواجهة الإرهاب، والبدء فى بناء نواة للجيش الذى دمر نهائيا فترة الثورة الليبية 2011 ، ونجح فى توفير الأسلحة والذخائر، برغم استمرار قرار الأممالمتحدة بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا ومعاملة الجيش كباقى الميليشيات، وكانت انتصارات الجيش اليومية تؤكد أن هناك كيانا عسكريا يولد من جديد فى هذه الأرض التي أصبحت مرتعا لجميع الجماعات والتنظيمات الإرهابية والإجرامية.
وبدلا من أن يكون التحرك الدولى لمناصرة ودعم جيش ليبى وطنى يواجه وينتصر على الإرهاب، أخذ المشهد الليبى يبحث عن رؤية سياسية تحت مسمى مباحثات الوفاق السياسى، وأقر صيغة أن الليبيين مختلفون سياسيا فى محاولة لإنهاء المشهد الحقيقى، وهو أن الليبيين يحاربون الإرهاب والجريمة والميليشيات المسلحة خارج سيطرة الدولة.
توالت اجتماعات مبعوثى الأممالمتحدة المتعاقبين إلى ليبيا فى الخارج بين أطراف ليبية لا تملك أي قرار سياسى أو عسكرى على الأرض واختلطت الأوراق، وتم إحياء ممثلين لكيان المؤتمر الوطنى المنتهى ولايته، وإقحام ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين التي فشلت فى انتخابات البرلمان، ليتم التوقيع على اتفاق سياسى بمدينة الصخيرات المغربية فى 17ديسمبر 2015، ويعلن عن مجلس رئاسى ليبى من رئيس وثمانية أعضاء، ويعلن عن بنود لاتفاق مغاير للمسودات السابقة، وتنكشف المؤامرة الدولية لتفكيك الجيش الليبى الذى بدأ للتو فى تحقيق انتصارات على الإرهاب فى هذا الاتفاق تمكن المجلس الرئاسي أن يكون قائدا أعلى للجيش.
ليرفضها البرلمان ويرفض تمرير حكومة الوفاق المنبثقة عن المجلس الرئاسي، لكن القرار الدولى بضغط من الدول الغربية كان الأقوى بالاعتراف بالمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق دوليا، ضاربا بعرض الحائط حتى بنود الاتفاق السياسى المعيب الذى وقع، وكان يحتم أخذ شرعية الحكومة من البرلمان. وتتسابق الدول بالاعتراف الرسمي بحكومة الوفاق التي يترأسها رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.
وفى ظل هذا المشهد السياسى المعقد، كان القائد العام للجيش الليبى ورجال القوات المسلحة الليبية يواجهون الإرهاب، ويكبدون عناصره خسائر كبيرة فى معركة تحرير بنغازى، وتجنب إقحام الجيش فى الصراع السياسى. لكن السياسة هى التى أقحمت نفسها على الفريق أول خليفة حفتر فى ذلك الوقت، واضطر فى 31 يناير 2016 لاستقبال رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج بمدينة المرج التي كانت مقرا للقيادة العامة للجيش، قبل أن ينقل المقر لمنطقة الرجمة على تخوم بنغازى، وكان اللقاء الرسمى الأول بينهما، وبعدها فى 30 مارس 2016 دخل رئيس المجلس الرئاسي للعاصمة طرابلس على متن فرقاطة حربية بعد أن فشلت جميع الوسطات المحلية والدولية فى إقناع الميليشيات بأن يدخل العاصمة عبر المطار.
ويستطيع القائد العسكرى المحنك أن يحرر أجزاء وأحياء كثيرة من مدينة بنغازى، ويسيطر على مدن المنطقة الشرقية بالكامل إلا مدينة درنة، وينطلق بقواته ليسيطر على الموانئ النفطية بطول 400 كيلو متر على الساحل الليبى، ليصبح الجيش له الوزن الحقيقى فى المشهد، ومع الضغط الدولى وعدم تراجع أغلب دول العالم فى تغير نظرتها بإلغاء تبعية الجيش لرئيس المجلس الرئاسي وترويج توجه حفتر على أنه يقوم بعرقله العملية السياسية السلمية.
اضطر القائد العسكرى أن يخوض معركة، ربما هي أكثر شراسة من المعركة العسكرية التي لا يزال يخوضها، وهى المعركة الدبلوماسية والسياسية، فى مواجهة رئيس المجلس الرئاسي الذى امتلك أدوات الدولة الدبلوماسية والمالية من سفارات وجيش من موظفى الدبلوماسية الليبية، والسيطرة على أموال مصرف ليبيا المركزى، ليتكرر المشهد العسكرى الذى بدأ ب 317 ضابطا وجنديا للمشهد السياسى الذى بدأه المشير خليفة حفتر بتحركات واتصالات وزيارات خارجية وكان معه مستشاره السياسى الخاص الدكتور فاضل الديب، لتكون واجهته مصر ثم الأردن ليصل لزيارة روسيا واستقبال وزير الدفاع الروسى له، وكما حدث عسكريا بالتفاف الشعب خلفه فى المعركة، بدأ توافد الوطنيين من الساسة والخبراء الإستراتيجيين، وكون فريقا استشاريا للقوات المسلحة الليبية كان بمثابة وزارة خارجية مصغرة وبالطبع كانت التقدمات العسكرية ظهيرا قويا للتحرك الدبلوماسي والسياسى، وأكد المشير أنه رجل سياسى من الطراز الرفيع بمناورات سياسية للقفز على الضغط الدولى، وكسب مزيد من الوقت للقضاء على الإرهاب وهو هدفه منذ البداية.
توالت الاجتماعات الدولية من أبوظبى 1و2 إلى باريس 1و2 ثم باليرمو الإيطالية، ولم يستطع العالم أن يحد من بطش الميليشيات المسلحة داخل العاصمة طرابلس، التي توغلت وأخذت شرعية شكلية من رئيس المجلس الرئاسي الذى أنفق من أموال الشعب الليبى المليارات على رواتب وتجهيز هذه الميليشيات غير العسكرية لتغير شكلها منحها شرعية عسكرية.
يقرر المشير خليفة حفتر أن يكمل مشروع تحرير وطنه، ويتجه جنوبا ويسيطر على كامل المنطقة الجنوبية المترامية الأطراف، ويقضى على ميليشيات كانت تسيطر على مدن بالكامل، ويحرر مدينة درنة التي كانت معقلا لأشرس قادة الإرهاب، ويعم الأمن والأمان فى مدينة بنغازى التي كانت منذ سنوات مرتعا لمقاتلى داعش والقاعدة.
ومع تطور الأحداث السياسية بالمنطقة العربية، وتحديدا فى السودان والجزائر وهما دولتا جوار لحدود ليبيا، والضغط الدولى الكبير الذى كان يمارس فى اتجاه توقيع اتفاق بين القائد العام للجيش الليبى ورئيس المجلس الرئاسي، الذى تمسك المشير بشروط وطنية وهى سيادة مؤسسات الدولة، وأن تكون القوات السلحة الليبية هي فقط المنوطة بتأمين الدولة، وفك جميع الميليشيات المسلحة والمضى فى الحرب ضد الجماعات الإرهابية، وتفعيل جهاز الشرطة وتنفيذ الأحكام القضائية وكلها شروط وطنية لقيام الدولة المدنية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات مقبلة تخرج ليبيا من المراحل الانتقالية مرحلة تلو الأخرى، لكن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، الذى تحالف مع الدول التي لا تريد الاستقرار للمنطقة ولا لليبيا وهى قطر وتركيا، لم يستطع أن يفى بوعوده، ورفض التوقيع على مشروع متكامل للخروج من قبضة الميليشيات والإرهاب.
ليعلن المشير خليفة حفتر إصدار أوامره العسكرية بتحرك قوات الجيش الليبى نحو العاصمة طرابلس لتحريرها من الميليشيات والإرهاب معا، ويبدأ بمعركة طرابلس التي ظن البعض أنها ستكون قصيرة المدى زمنياً بعد أن استطاع تحرير الموانئ النفطية فى يوم بعملية نوعية لها تكتيك عسكرى مختلف، ثم تحرير الجنوب مترامى الأطراف فى أقل من شهر بجميع مدنه وحقوله النفطية، لكن معركة طرابلس بها عدد من التحديات أهمها الكتلة السكانية التى تقدر بثلث سكان ليبيا لتصل إلى مليونى مواطن، بجانب تمركز ميليشيات متعددة تقدر بنحو 6 آلاف مقاتل من مختلف التوجهات، ويجمعون على مواجهة الجيش، ومع تمسك المشير حفتر بسلامة المواطن والممتلكات اتجه لخطة عسكرية لسحب عناصر وآليات الميليشيات للمواجهة على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، وعدم التقدم السريع فى العمق من 7 محاور لإرهاقهم عسكريا، وتكبيدهم خسائر كبيرة فى الذخائر والأسلحة والأفراد ويكون التقدم ببطء ثم الانسحاب للخلف وسحبهم مرة أخرى لخارج المدينة، ثم التقدم مرة أخرى واستطاع رجال القوات المسلحة الليبية البواسل من جميع الفروع والأسلحة، أن يكبدوا الميليشيات خسائر كبيرة على مدار ما يقرب من شهر.
ومع تورط رئيس المجلس الرئاسي فى التحالف مع ميليشيات مصنفة إرهابية دوليا، وضخ أموال تقدر بمليار دينار تم صرفها على الميليشيات لمواجهة الجيش الوطنى، تيقن العالم أن خلاص ليبيا لن يكون إلا بسواعد رجال قواتها المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر، وتصويب الوضع السياسى المعيب على مدار سنوات، ويتكرر المشهد المصري وتكون أولى الدول التي تستقبل المشير خليفة حفتر بعد انطلاق معركة طرابلس بأيام، بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى، التي كانت فور عودته من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم تليها تغيرات فى الموقف الفرنسي والإماراتى، ويقوم الرئيس الأمريكي بإجراء مكالمة هاتفية للقائد العام للجيش الليبى، ويعلن البيت الأبيض أنها استمرت 25 دقيقة، ونشاهد لأول مرة اتفاقا روسيا أمريكيا داخل جدران مجلس الأمن ضد الطلب البريطاني الداعم للميليشيات، الذى يكرر الطلب فى إصدار قرار من مجلس الأمن لوقف معركة تحرير طرابلس، ثم يتغير الموقف الإيطالي الذي كان يدعم فايز السراج وميليشيات مصراتة، ويقف ضد تقدم الجيش ليتغير، ويعرب رئيس الوزراء الإيطالي عن أن ما يقوم به المشير حفتر هو محاربة الإرهاب والجريمة.
ليحقق القائد العسكري الانتصار السياسي الدبلوماسي دوليا، قبل إنهاء المعركة الأخيرة لتحرير واسترجاع وطن عزيز على كل عربى، وإعادة كيان الدولة الليبية، التي يحقق فيها تقدمات كبيرة، وبدأت تنهار الميليشيات داخل طرابلس، وأنباء عن وضع رئيس المجلس الرئاسي تحت الإقامة الجبرية، ومنعه من السفر للخارج، وتسليم دفة القيادة لفتحي باشاغا، قائد إحدى الميليشيات ووزير داخلية حكومة الوفاق، ليكون القائد الحقيقى للميليشيات فى مواجهة الجيش، ويبقى عامل الوقت فقط حتى تنهار الميليشيات انهيارا كاملا وينجح حفتر فى استعادة ليبيا وينتصر للشعب.