ثلاث سنوات مرت منذ إقرار هذا النص الملهم على طلاب الصف الأول الإعدادي ضمن منهج اللغة العربية بغرض تعزيز روح الانتماء والوطنية لديهم . طلاب لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة كيف يتسنى لهم معرفة وإدراك معنى العشق ؟! فعادتي ألا أكتب المعنى مجردا بلا شرح وتوضيح وأحسبها ميزتي الرئيسة في التربية والتدريس.
لحظات صمت انتابتني بعد تجهيز سبورة العرض , كيف سأمهد لدرس اليوم ؟!
فقد أصبح سؤال التحضير الكتابي الذي خططته بالأمس واهياً في نظري الآن , وعاودتني مرة أخرى الحيرة ,وساد صمتي أرجاء الفصل لدرجة ارتباك الطلاب ماذا يحدث ؟ ,وما تلك التعبيرات التي تظهر على وجه معلمة حسبها الجميع مالكة لأساليب اللغة وفنونها حواراً وحديثاً . مصر . مصر . مصر طلابي الأعزاء سوف نتحدث اليوم عن عشق الوطن الغالي مصر . لحظة صمت جديدة سمعت فيها همسا ًبوجداني متسائلا وهل للتعبير في هذا الشأن مجال ؟ ألا تعرفين جيداً أن الحب الأعظم لايسهل التعبير عنه بكلمات , وأن العاشق عادة لاتسعفه المعاجم في إيصال مراده بصدق واطمئنان , وإذا حالفه الحظ وبدأ الحديث تذوب في لحظتها على شفاهه كل المترادفات , إن لرهف مشاعره وحساسية ضميره وقع لا يسعه فيه فكر آنذاك ولا عنفوان . ولكن لا مفر من القراءة الآن . عشقناك يامصر حملناك يا مصر بين الحنايا وبين الضلوع وفوق الجبين عشقناك صدراً رعانا بدفء وإن طال فينا زمان الحنين .
صفعة قاسية كادت تصرعني , من هول قوتها وفجأتها حطمت جدران غفلتي وأزاحت غمام اليأس القابع على أطراف قلبي فقد سلبني الروتين القبيح أجمل معاني الحياة , وإذا بي أبكي وأبكي ويشتد بكائي وطلابي من عجب المشهد حيارى لايعرفون ما الذي يحدث ؟ , ولماذا يحدث ؟
توقفت الحياة في ناظري , ولم أعِ إلا بتلك البذور التي بين يدي تجلس على المقاعد يغشاها العجز وتلقي بها التصورات هنا وهناك لحظتها عاودني ذاك الهمس مرة أخري أتحبينها ؟
نعم نعم أحبها , ودوماً أرجو وصلها , اقرأ التاريخ يبهرني شموخها , أسمع الشعر فأذوب في عشقها , أتصور شعلة المجد التي حدثونا عنها تضيء بالرهبة والجلال ربوعها , أحلم بنبت خير مزهراً أجنيه من كدي و أهديه لخاطر عيونها , وإذا ما باغتتها حادثة فأحزنتها شق وجدها صدري , فاستنهضت قوتي وشحذت طاقتي ووقفت أناصرها بكل ماتملكه يدي ويا ليتني أفتديها بدمي , فكأنني بها هي مني وأنا لها .
بتلك المعاني بدأت الإلقاء , بتلك المشاعر أفضت في التعبير , ولا شعورياً خرج الصوت منا يهز أركان المكان معلناً ميلاد مشروعنا الجديد ( حب ليس بالكلمات وحدها , ولا بالخيالات على اتساعها , لن يصد ولن يرد مادام الخير فينا والأمل يملأ كياننا ).