استقال الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة بعد أن رسخ نفسه من خلال وضع نهاية لحرب أهلية مدمرة، لكن الوضع تغير بسبب الركود الاقتصاد، ولم يظهر بوتفليقة (82 عاما)، أحد أبطال حرب التحرير، فى مناسبة علنية إلا فيما ندر منذ أن أصيب بجلطة عام 2013 ، وكان بوتفليقة قد حاول صد موجة المعارضة التى بدأت فى 22 فبراير من خلال التراجع عن قراره السعى لنيل ولاية خامسة فى رئاسة البلاد. وقدم بوتفليقة استقالته بعد أن طالب رئيس أركان الجيش قايد صالح بتطبيق فورى لإجراءات دستورية لعزله من منصبه بموجب المادة 102 من الدستور الجزائرى وتنص على إنه فى حال عجز الرئيس عن القيام بمهامه يقوم رئيس المجلس الوطنى بمنصب الرئيس لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة فى غضون 90 يوماً. وكان بوتفليقة من المناضلين فى حرب 1954-1962 التى وضعت نهاية للحكم الاستعمارى الفرنسي، ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال، وأحد الوجوه الرئيسية التى وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية، وناصر بوتفليقة الدول التى ظهرت فى أعقاب العصر الاستعماري، وتحدى ما اعتبرها هيمنة من جانب الولاياتالمتحدة، وساعد فى جعل بلده مهدا للتوجهات المثالية فى ستينيات القرن العشرين. واستقبل بوتفليقة تشى جيفارا، وتلقى نلسون مانديلا فى شبابه أول تدريب عسكرى له فى الجزائر. ومنحت البلاد حق اللجوء للناشط والكاتب الأمريكى إلدريدج كليفر الذى كان من أوائل قادة حزب الفهود السود، واستقبل كليفر فى البيت الآمن الذى كان يقيم فيه فى العاصمة الجزائرية الناشط الأمريكى تيموثى ليرى المدافع عن تعاطى المخدرات فى العلاج النفسى وأحد قيادات حركة الثقافة المضادة فى الولاياتالمتحدة. ودعا بوتفليقة بصفته رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ياسر عرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية فى 1974 فى خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولى بالقضية الفلسطينية ، إلا أنه بنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة فى الداخل وسافر للعيش خارج البلاد. ثم عاد إلى الحياة العامة بعد عشرية سوداء قتل فيها ما يقدر بنحو 200 ألف قتيل. وانتخب بوتفليقة رئيسا للمرة الأولى عام 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال، وبفضل إيرادات النفط والغاز تحسنت الأوضاع فى الجزائر وعمها قدر أكبر من السلام وأصبحت أكثر ثراء. لكن لا يزال الركود الاقتصادى متفشيا فيها، وبفضل الحماية التى وفرتها احتياطيات النقد الأجنبى الضخمة المتاحة لها وتخوف شعبها من الاضطرابات الشديدة بعد الحرب الأهلية تجنبت الجزائر انتفاضات ما سمى الربيع العربى ، ويتطلع المستثمرون الأجانب لتطبيق إصلاحات اقتصادية تقضى على البيروقراطية التى تعوق النشاط فى كثير من الأحيان. متحدث باسم العالم الثالث فى سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسى تحت رعاية أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر ، وهوارى بومدين القائد الثورى الذى أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد، وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والسياحة وهو فى الخامسة والعشرين من عمره. وفى العام التالى عُين وزيرا للخارجية، وأصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة والنظارات الشمسية التى راجت فى الستينيات متحدثا باسم الدول التى خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري، ومنحته السمعة التى اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية، وطالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد فى الأممالمتحدة. وندد بنظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، وأثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة، فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء فى الفريق الرياضى الإسرائيلى فى دورة الألعاب الأوليمبية فى ميونيخ 1972 رهائن وقتلوهم. وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات وهو يخاطب الجمعية العامة فى نيويورك متمنطقا بجراب مسدسه. وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية وزراء نفط من اجتماع لأوبك فى فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر. والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس فى المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.
العودة من المنفى عندما توفى بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده، وتم عزله من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه فى مخالفات مالية. وقال بوتفليقة إن هذه الاتهامات ملفقة فى إطار مؤامرة سياسية، وغادر الجزائر فى أوائل الثمانينيات واستقر فى دبى ، وعاد إلى وطنه فى 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية. فى الوقت نفسه كانت الأوضاع قد بدأت تتدهور فى الجزائر، وألغت الحكومة انتخابات برلمانية فى 1992 و وأعقب ذلك صراع ووقعت مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها وتعرض المدنيون فى شوارع المدن للذبح. وانتخب بوتفليقة رئيسا للبلاد فى 1999 بعد أن تعهد بوقف القتال. وأعيد انتخابه فى 2004 ثم فى 2009. وقال بوتفليقة فى خطاب ألقاه فى سطيف بشرق الجزائر فى مايو أيار عام 2012 إن الوقت قد حان لأن يسلم جيله الراية لقيادات جديدة. وبعد شهور وفى أوائل 2013 أصيب بجلطة دخل على إثرها مستشفى فى باريس لمدة ثلاثة أشهر. ولم يشاهد علانية إلا قليلا منذ ذلك الحين بعد عودته للجزائر للنقاهة.