زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا تستعد القوى السياسية فى كل من إسرائيل وتركيا للدخول فى مرحلة الانتخابات سواء البلدية بتركيا نهاية شهر مارس الحالي، أو الانتخابات العامة فى إسرائيل فى التاسع من شهر إبريل القادم، والتى يتوقع أن تشهد تزايداً فى الاهتمام التركى بتعزيز العلاقات الثنائية مع إسرائيل، وفى ظل إلتزام حزب العدالة والتنمية بالموجبات الأساسية لهذا الإرتباط فإن المواقف اللفظية العالية للخطاب التركى ولاسيما من جانب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو تبقى ضمن متطلبات المصالح الحزبية الضيقة فى الداخل لكسب الشعبية في الإستحقاقات النيابية أو الرئاسية أو البلدية أو لتمرير سياسات معينة في إطار مساعي الهيمنة على المنطقة العربية والصراع مع خصوم أردوغان في العالم العربى والإسلامى، ولذلك فإن مثل هذه المواقف لا تؤثر في جوهر العلاقات التركية الإسرائيلية وفي متانة الحلف القائم بينهما ولا تشي بأي تغيير في المستقبل المنظور بل الأبعد وهو ما يجب أخذه في الاعتبار لدى قراءة المواقف التركية في فترة حزب العدالة والتنمية كلها ومنها المواقف التركية بعد حادثة السفينة مافى مرمرة عام 2010م وكذلك خلال العدوان على غزة عام 2013م. وبنظرة عابرة إلى مراحل العلاقات التركية الإسرائيلية يتبين لنا حقيقة مثيرة وهى أن الأحزاب التركية التي كانت تحمل ميولاً إسلامية سواء في العقيدة أو في التوجه العام كانت عندما تصل إلى السلطة أكثر حرصاً من غيرها على اقامة أفضل العلاقات مع إسرائيل، وهو ما عكسته سياسات "عدنان مندريس" فى الخمسينات و"تورجوت أوزال" فى الثمانينات أما "رجب طيب أردوغان" وحزب العدالة والتنمية فقد فاق سلفيه اللذين يشيد بهما على الدوام فى إبداء الدعم العملى لإسرائيل، ورغم الخطاب المتشدد لأردوغان أحياناً فإن العلاقات التجارية والإقتصادية والإستثمارات المتبادلة كانت على الدوام خارج أى تأثر بالتوترات السياسية وأبلغ مثال على ذلك أن حجم التجارة تصاعد مع كل سنة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002م . وتستهدف تركيا من خلال إستعادة علاقاتها الطبيعية مع إسرائيل كسب تأييد اللوبى اليهودى لها فى الكونجرس الأمريكى للحيلولة دون إثارة أية موضوعات تتعلق بتركيا من جانب كل من اللوبى الأرمينى واللوبى اليونانى، خاصة فى أعقاب إعتراف البرلمان الألمانى بمذابح الأرمن، مع سعيها للإستفادة من خبرات إسرائيل فى مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الإستخبارية معها لمواجهة عناصر حزب العمال الكردستانى، وتنظيم داعش الإرهابى، فضلاً عن إستئناف أوجه التنسيق والتعاون العسكرى مع إسرائيل لتحديث أسلحتها ومعداتها الحربية ونقل التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية المتقدمة التى يمكن أن تساهم في تطوير صناعتها الحربية بشكل عام وخروجها من الصعوبات المالية التى تعانى منها، لاسيما مع توافق مصلحة البلدين فى عزل سوريا وممارسة نوع من الردع فى مواجة النظام السورى. ولاشك فإن تخلى أردوغان عن الشروط التي حددتها أنقره سابقاً للتوصل لاتفاقإستئناف العلاقات مع إسرائيل، ومنها رفع الحصار عن قطاع غزة مقابل إبقاء تواجد حركة حماس على أراضيها، والاكتفاء ببعض المشاريع الإنسانية فى غزة لا يعنى تخليه عن الحركة، لأنَّ العلاقة مع حماس تعد أحد أهم أدوات أنقرة فى سياستها الخارجية والداخلية، كما أن حركة حماس لم تصدم بهذا التقارب وهذا الاتفاق لأن لديها اعتقاد راسخ بمتانة العلاقات مع تركيا سواء من الناحية العقائدية، والسياسية، ولكن المشكلة تكمن فى الآمال التى عقدتها حركة حماس على دور تركيا في رفع الحصار، ولكن لم يتحقق شيء من هذا القبيل، ولن يتحقق باعتقادى بدون إنجاز المصالحة بين القوى والفصائل الفلسطينية، فى ظل تشكك القيادة الفلسطينية فى حقيقة النوايا التركية تجاه قطاع غزة. وفى الحقيقة لا يزعجنى بأى حال التقارب الإسرائيلى التركى لأنه لن يتجاوز الحدود التى بلغتها إتفاقيات التعاون السياسى والإقتصادى والعسكرى والأمنى التى وقعت عام 1996، إلا أن ما يقلقنى هو زيادة مساحة الدور التركى فى قطاع غزة لتثبيت سيطرة حركة حماس على القطاع والتأثير بالسلب على وحدة الصف الفلسطينى وترسيخ فصل الضفة عن القطاع، خاصة فى ظل جهود الوساطة غير المباشرة التى قادتها "أنقره" العام الماضى بين الحركة واسرائيل للتوصل إلى هدنة طويلة المدى بين الطرفين على حساب القضية الفلسطينية، وسعى الولاياتالمتحدة لإعادة رسم وصياغة إستراتيجيتها لإدارة الأزمات التى تشهدها المنطقة إعتماداً على تقارب أهم حليفين لأمريكا فى الشرق الأوسط لتعزيز خيارات السياسة الأمريكية بالنسبة للإدارة القادمة، الأمر الذى يتطلب ضرورة التنسيق العربى لتوفير عمق إستراتيجى للجانب الفلسطينى ودعم الرئيس محمود عباس لتمكينه من إستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإقامة الدولة الفلسطينية القادرة على البقاء على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وممارسة ضغوط حقيقية على الفصائل الفلسطينية لإنجاز المصالحة الوطنية والإفصاح عن الجهات المتسببة فى إفشالها، فضلاً عن عدم تحميل مصر أية أعباء تترتب على تنفيذ هذا الإتفاق، ومن ثم ضرورة إدخال كافة المساعدات التركية لقطاع غزة مباشرة عبر ميناء أشدود الإسرائيلى القريب من القطاع. إن التوتر الذى حدث بين تركيا وإسرائيل عقب ما جرى لسفينة مرمرة لم يكن سوى توتر إعلامى هدف أردوغان من ورائه كسب المزيد من التأييد له فى الشارعين العربى والإسلامى ولعل المراقب لمسيرة العلاقات بين الجانبين سيدرك مدى التحسن فيها والذى جاءت أهم مظاهره فى الآتى : - التقارب الملحوظ على خلفية الأزمة السورية فهذه الأزمة كانت بمثابة مدخل مناسب لمحاولة كل طرف تحسين العلاقة بالطرف الآخر انطلاقاً من تطلع كل منهما إلى جنى مكاسب نتائج الربيع العربى . - عدم تضرر العلاقات الاقتصادية بين الدولتين من تجميد العلاقات , فقد سجل حجم التبادل التجارى بين الطرفين خلال عام 2011م إرتفاعاً ملفتاً حيث سجلت الصادرات التركية ارتفاعاً بلغ (20%) فى المقابل ارتفعت الصادرات الإسرائيلية خلال نفس العام لتصل إلى (40%) كما بلغ حجم التبادل التجارى بين الطرفين(4) مليار دولار. - تواصل الزيارات واللقاءات السرية لكبار المسؤوليين بين البلدين خاصة خلال الأزمة السورية حيث تحدثت تقارير إسرائيلية عن تنقل لضباط الأمن والاستخبارات الإسرائيلية بحرّية فى المناطق الحدودية السورية التركية . تجدر الإشارة إلى ربط نتنياهو التقدم فى عملية المصالحة بين إسرائيل وتركيا بالموافقة على تصدير الغاز الإسرائيلى، حيث تقود المصالح المشتركة المتعلقة بالطاقة جهود المصالحة، فإسرائيل تريد أن تجنى فوائد اقتصادية وسياسية من تصدير الغاز الطبيعى في حقولها البحرية إلى تركيا، وإعتبار قطاع الطاقة أحد محاور علاقات إسرائيل الاستراتيجية مع تركيا، لاسيما وأن الأزمة السياسية بين البلدين لم تقوض العلاقات التجارية التي استمرت فى النمو، ومن ثم يسعى الجانب الإسرائيلى لتزويد أنقرة بالغاز بأسعار تفضيلية، ومنحها إمكانية إعادة تصدير بعضه إلى أوروبا، وتنويع وارداتها من الطاقة بعيداً عن روسيا التي تزود تركيا حالياً بنحو 55% من إحتياجاتها من الغاز، وقد أكد وزير الطاقة الأمريكى "إرنست مونيز" خلال زيارته لإسرائيل دعم واشنطن لهذا الاتفاق لتنويع إمدادات الغاز الأوروبية بعيداً عن روسيا، لكن مد خط أنابيب الغاز من إسرائيل إلى تركيا يجب أن يمر عبر المياه القبرصية، الأمر الذى يتطلب الاتفاق بين البلدين، وهو ما يصعب تحقيقه حالياً، فضلاً عن صعوبة توفير تمويل لإقامة البنية التحتية للأنبوب ومحطات التسييل ليصل إلى جنوبتركيا والتى تشير التقديرات الأولية إلى أنها تتكلف وحدها حوالى أربعة مليارات دولار، خاصة بعد أن عززت إسرائيل علاقاتها مع كل من قبرص اليونانية واليونان خلال السنوات الأخيرة، وإتفاق قادة الدول الثلاث على التعاون فى مجال الطاقة المكتشفة حديثاً خلال اجتماعهم فى نيقوسيا، وإعلانهم تشكيل لجنة ثلاثية لبحث إمكانية مد خط الغاز الطبيعى الذى يربط الحقول الإسرائيلية والقبرصية عبر اليونان إلى أوروبا رغم التعقيدات التى تواجه تنفيذ هذا المشروع من الناحية العملية بسبب الصعوبات الطبوغرافية. ولاشك فإن التعاون التركي الإسرائيلي يشكل تهديداً لبنية النظام الإقليمى العربى وأجهزته العاملة حيث أن النظام العربى كان يوجه خطابه السياسى نحو إسرائيل بوصفها تدخل فى عداء تاريخى مع العالمين العربى والإسلامى، إلا أن تقاربها الكبير مع تركيا يعد إختراقاً واسعاً للدول الإسلامية كافة ومنها الدول العربية حيث إستطاعت إسرائيل من خلال تحالفها مع تركيا إختراق جدار الأمن القومى العربى والإسلامى، كما أنه يشكل جسراً مهماً لوصول إسرائيل إلى منطقة أسيا الوسطى بالإضاف إلى تطويق النفوذ الإسلامى العربى فى أسيا الوسطى وتصفيته، خاصة فى ظل المتغيرات التى تشهدها البيئة الأمنية فى الشرق الأوسط بفعل الثورات العربية وحالة السيولة الأمنية التى تشهدها عدد من دول الربيع العربى الأمر الذى يخلق العديد من التحديات والتهديدات الأمنية فى ظل حالة عدم اليقين التى تسود المنطقة والدور الإسرائيلى والتركى فى دعم الأحزاب والتيارات الإسلامية فى دول الربيع العربى خصوصاً حيال مستقبل التطورات السياسية والأمنية فى سوريا، فضلاً عن توفير المبررات للعديد من الدول الإسلامية لتطوير علاقتها مع إسرائيل. وقد شكل التعاون العسكرى الإسرائيلى التركى تهديداً عسكريا وأمنياً وإستراتيجياً للأمن الإقليمى، ومما يؤكد على عمق العلاقات العسكرية الاسرائيلية التركية ان الدولتين قد وقعتا على 20 إتفاقاً عسكرياً وأمنياً وإستراتيجياً شملت كافة اوجه العلاقات العسكرية التي يمكن ان تسهم فى تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط، فضلاً عن تدعيم الدور الاقليمى لكل من إسرائيل وتركيا فى إطار مشروع النظام الشرق أوسطى الجديد وفقا لأهدافهما ومصالحهما المشتركة وبما يتماشى مع السياسة الأمريكية في المنطقة، كما يمثل التعاون البحرى التركى الإسرائيلى تهديداً مباشراً فى منطقة البحر المتوسط إذ يهدد هذا الإتفاق أمن وإستقرار البحر المتوسط، حيث يعطى هذا الإتفاق لإسرائيل الحق فى القيام بدوريات بحرية مشتركة مع تركيا بدعوى منع وقوع أى أعمال إرهابية أو عدوانية فى منطقة شرق البحر المتوسط وهو فى الواقع إجراء متمم لنشاط الأسطول السادس الأمريكى بالمنطقة، كما تلتزم تركيا بناءً على هذه الإتفاقيات بتدريب أطقم الطائرات الإسرائيلية فى قاعدة كونيا العسكرية بمعنى التحليق المستمر طوال العام فى الجبهة الشمالية للوطن العربى وبما يؤدى الى زيادة الفجوة فى ميزان القوى العسكرية لصالح إسرائيل، ويدفع نحو تعاظم الدور الإقليمى لكل من تركيا وإسرائيل على حساب الدور الإقليمى المصرى فى المنطقة كدولة لها ثقلها السياسى والعسكرى فى المنطقة العربية، خاصة مع تنامى التعاون الأمني والإستخبارى فيما يسمى في المصطلحات الإسرائيلية , التركية والامريكية ب "مكافحة الارهاب ومتابعة التطورات العسكرية التي تحدث في منطقة الشرق الاوسط والدول العربية والإسلامية المجاورة لإسرائيل وتركيا ." كما أن البعد المائى للتحالف التركى الإسرائيلى يتضمن عدة أهداف سياسية وأمنية منها التحكم والسيطرة المائية على الدول العربية المجاورة من خلال تقديم الخبرة والمساعدة الإسرائيلية لتركيا بهدف تطوير أساليب الرى فى مشاريع جنوب شرق تركيا، وبيع الكميات الفائضة من المياة التركية إلى إسرائيل وذلك بمشاركة إسرائيل فى مشروع مياه نهر منافجات وإستغلال حاجة تركيا إلى تمويل مشاريعها المائية والزراعية الرامية إلى تنفيذ مشروع جنوب شرق الأناضول ( جاب ) والذى يتضمن إقامة (21) سداً منها (17) سداً على الفرات أكبرها سد أتاتورك و(4) سدود على دجلة وذلك دون تنسيق أو تشاور مع العراقوسوريا المشاطئين لهذين النهرين وتنعكس تلك المشروعات على الموارد المائية لسورياوالعراق كما تتوافق تلك المشروعات مع الأطماع المائية لإسرائيل فى مياه الجولان وجنوبلبنان.