برنارد لويس اخترع العجلة العثمانية الجديدة، وبرنارد هو مستشرق أمريكى الجنسية، بريطانى الأصل، جمع نفرا من الباحثين ليخترعوا كثيرا من العجل العثماني، فوضع شابا قادما من بوسطنالأمريكية، ولد لعائلة يهودية، يدعى نوح فيلدمان، نافخا فى الكير لاستعادة ماض مأساوي، تحت راية الأجلاف المترحلين. نوح فيلدمان غسل سمعة التاريخ بكتاب «سقوط وقيام الدولة الإسلامية»، ويعنى بها الدولة العثمانية! صدر عام 2008، مع صعود الملتبس باراك أوباما إلى حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية، ودعا فيه إلى إحياء هذه الخلافة على حساب العرب، واستبق هذا الكتاب بصياغة دساتير جديدة، منها دستور أفغانستان، ودستور العراق تحت إمرة بول برايمر، ودستور جماعة الموت المترجل فى مصر 2012، ووضع نفسه موضع العراب لجماعة أردوغان فى تركيا، وحاضر فى الغرب، ليتبنى مشروعه الخطير، وهذا التبنى حدث بالفعل، بعد ثلاثة أعوام مع شتاء الخلافة عام 2011. رحل برنارد لويس حزينا على ضياع أحلامه، بينما لا يتوقف نوح فيلدمان عن الركض فى شوارع التاريخ لإثبات صحة نظرياته القاتلة، ولا يتوقف أردوغان، وكيل الدم الحصري، وسليل سلاطين الموت، عن استعادة زمن هو الأقسى على شعوب المنطقة العربية، وسجلات التاريخ تحفظ لأردوغان وأمثاله اسم القاضى المصرى الشجاع شهاب الدين الخفاجى حين قال فى زمانهم: «صار الدين على أيديهم ملعبة وسخرية، وطردوا العلماء، وجعلوا المنجمين حكام شريعة المصطفى، وأمروا بقتل العلماء وإهانتهم، وغلب غير العقلاء من الجهلة وارتفع العدل (أى انتهى من الأرض)، وصار رعاة الغنم أسيادا». فى العشرية الأولى من هذه الألفية نشطت لعبة الحنين إلى استعمار رعاة الغنم، وظهر نشطاء العثمانية وهم يحجون إلى أنقرة، ودانت قطوف الإقليم العربى من أيدى أحفاد الخلافة الجدد، ورأينا أردوغان يمشى فى الأرض العربية مرحا، بيمينه كتاب نوح فيلدمان، وبشماله حلف الأطلنطي، ورأينا نشطاءه فى المحروسة يهللون لعودة سليم الأول، وكأنه لم يكتف بنافورة من الدماء المصرية الزكية، حين قتل أكثر من 10 آلاف مصرى خلال أيام قبل خمسة قرون! قبل خمسة أيام من اندلاع 30 يونيو 2013، أكبر جمعية عمومية فى تاريخ العالم، كتبت فى هذا المكان مقالا عن هذا الخليفة القادم من الكهوف، تحت عنوان: «بائع البطيخ.. وكيل الثورة الحصرى»، قلت فيه: «أحكى عن أردوغان، خليفة العثمانية الجديد على العرب العاربة والمستعربة والمستغربة. عن صبى كان يبيع البطيخ فى شوارع أسطنبول، وقد حالفه الحظ بلقاء نادر مع جورج دبليو بوش يوم 28-1-2004. ذلك اليوم باركه المتوج بفرق الموت، بمنحه خريطة جديدة للشرق الأوسط الكبير، خريطة تبدأ من المغرب إلى إندونيسيا، مرورا بجنوب آسيا وآسيا الوسطى إلى القوقاز». وأضفت: «كمن وجد ضالته، سرب أردوغان أسرار الكنز للصحافة التركية، وتكفل صحفيو البيت الأبيض بتسريب أبواب وشبابيك بقية الكنز، وظهر ريتشارد هاس، المفكر السياسى للعمق الأمريكي، عراب الغزو الناعم فى واشنطن، مبشرا بحكم إسلامى رشيد فى بلاد العرب والمسلمين، وفى تركيا الخبر اليقين». وبعد انفجار الشارع المصرى فى رسالة قوية إلى المتآمرين، كتبت تحت نفس العنوان جزءا آخر، قلت فيه: «فالراعى الرسمى فى واشنطن يضبط الساعات. لا أريد أن أقول للعرب المستغربة عن خط الغاز نابكو لصاحبه أردوغان.. نابكو اسم مقطوعة موسيقية للموسيقار الإيطالى فيردى، تعنى نبوخذ نصّر، صاحب الأسر البابلى الممقوت يهوديا. موسيقى معذبة عن أسر اليهود فى بابل. اليوم لا أرغب فى المزيد.. منك لله يا نبوخذ نصّر!». وبعد كل هذه السنوات، وهزيمة نظرية نوح فيلدمان، لا يزال أردوغان، الجورجى المتمسح فى الطورانية التركية، حالما بالسباحة فى دماء الشعوب العربية وغير العربية، مستلهما حياة أسلافه، وهى حياة لا يرغب التاريخ فى استعادتها حتى لو جاءوا بألف فيلدمان كل يوم.