ظهرت عبقرية الوعى الجمعى للشعب فى تحديد الأعداء بدقة، فقد هتفوا ب«:يسقط يسقط حكم المرشد»، ثم هاجموا الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، وسفيرته فى القاهرة آن باترسون. ورسموا وجوه الثلاثة على أسفلت الشوارع ثم داسوا عليهم، وهم يشقون عنان السماء بهتاف مزق خريطة الخلافة فى تونس وسوريا وليبيا حتى اليمن، والعراق، والحبل على الجرار «أنت فى مصر لا ترتجف».
هكذا هتف الشاعر السودانى المصرى الليبى محمد الفيتورى ذات مرة، وبنفس المعنى والهتاف هتفت حناجر ملايين المصريين فى الميادين صبيحة 30 يونيو 2013.
ليعقدوا أكبر جمعية عمومية لشعب فى التاريخ. فتصاب عواصم النشطاء: أنقرة، والدوحة، وواشنطن، ولندن بصدمة أعجزتها عن الكلام، و الفعل، واختفى نشطاؤهم تحت جنح الظلام، وظهر «المصرى» حفيد الظاهر ببيرس، وقطز، والشيخ العز بن عبد السلام، يرفع راية التحرير من مخطط اشتغل عليه طويلا برنارد لويس ونوح فيلدمان وبريجينسكى وكيسنجر، ونفذه بليل باراك أوباما وهيلارى كلينتون بأدوات محلية.
مخطط أرادوا به أن يستعيدوا الخلافة العثمانية التى احتلت المنطقة العربية أكثر من ستة قرون، ثم اختفت فى بداية القرن العشرين، وعادوا وفكروا فى رجوعها المميت بداية من مصر، قاعدة الإقليم فى الشرق الأوسط بالكامل، وكان التصور أن تنطلق الخلافة العثمانية من القاهرة، ثم تنتشر كالنار فى بقية العواصم العربية.
لكن جمعية الشعب العمومية خرجت إلى الشوارع والدروب من المدن والقرى والبلدات الصغيرة، حتى وصل عدد الجمعية إلى أكثر من 35 مليون رجل وامراة وطفل.
اندلقوا فى الشوارع، حملوا المقاعد والأسرّة من منازلهم.. وقرروا ألا يعودوا إلى البيوت إلا وحكم المرشد مخلوعا من عرش مصر المخطوف من 30 يونيو 2012 إلى 30 يونيو 2013.
لقد ظهرت عبقرية الوعى الجمعى للشعب فى تحديد الأعداء بدقة، فقد هتفوا ب«:يسقط يسقط حكم المرشد»، ثم هاجموا الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، وسفيرته فى القاهرة آن باترسون.
ورسموا وجوه الثلاثة على أسفلت الشوارع ثم داسوا عليهم، وهم يشقون عنان السماء بهتاف مزق خريطة الخلافة فى تونس وسوريا وليبيا وحتى اليمن، والعراق، والحبل على الجرار.
لا تزال 30 يونيو علامة فى طريق طويل، طريق نستعيد به هوية مصر والعرب، وتخليصها من جماعات دبروها فى مصانع لندنواشنطن وباريس وأنقرة وطهران، وتل أبيب، وتسمى الآن بمسميات مقدسة، وما هى إلا أدوات لتدمير المنطقة العربية، حضارة وثقافة ودينا.
لا ينسى المصريون قبل 30 يونيو كيف كان مسئولو الإمارة القطرية يحددون مصير مصر المحروسة لخمسمائة عام مقبلة؟ وكيف جاء السلطان أردوغان إلى جامعة القاهرة ليدشن الخلافة من جامعة القاهرة التى أنشأها العقل المصرى المستنير فى بداية القرن العشرين، وأشار إلى مصر بالإقليم !!
وكيف استباحت جماعات الموت دماء المصريين فى سيناء والصعيد والدلتا، وكيف وصلت إلى حرمة منابع النيل لحصار مصر من الجنوب، وصولا إلى الغرب الليبى ثم إلى الشمال الشرقى فى سيناء، وكيف تم تهديد المصريين بالحرائق والقتل والرعب إذا لم يحكم أحفاد الخلافة، ولا تزال هذه الفكرة الجهنمية راسخة فى القلوب المريضة، وتقوم بها نفس العواصم الإقليمية والدولية.
ثورة 30 يونيو ليست بطولة فردية، ليست من صنع مؤسسة، أو جماعة، أو حزب، أو تيار، بل هى من بطولة الشعب المصرى بمعتقداته الدينية والسياسية، شعب أراد أن يستعيد الهوية، بعيدا عن الجماعات والبلاد الوظيفية التى شكلت ملاذا آمنا للإرهاب لصالح القوى الكبرى، وبلا تردد نقول إن 30 يونيو كانت ولا تزال العصا العظيمة فى دولاب الفوضى الخلاقة.
المصريون لا يخرجون إلى الشوارع إلا دفاعا عن الأرض والعرض أو محاربة الغزاة وسراق الهوية واختطاف الحضارة، وقد فعلوها مرارا، وعندما خرجوا فى 30 يونيو لم تكن المرة الأولى، فقد ظهروا فى الاستفتاء على الإعلان الدستورى الذى صاغته اللجنة الدستورية التى شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 19 مارس 2011 وصوتوا بنعم للتعديلات حتى يعود الوطن مستقراً، وكان هذا إيذانا برسالة واضحة تؤكد أن المصريين يعرفون متى يتحركون، ومتى يصمتون، أما المرة الثانية فكانت فى الانتخابات الرئاسية عندما أعطوا نصف أصواتهم للمرشحين الرئاسيين (شفيق ومرسى)، ووفروا النصف الباقى لوقت معلوم، وأخيرا قرروا الخروج الجماعى بعد 12 شهرا من حكم المرشد البريطانى، وخلعوا مندوب المرشد من القصر الرئاسى دفاعا عن هوية البلاد الحضارية، فليست مصر محض أرض وسكان يمكن أن تكون ضمن ولايات الخلافة، فهذا زمن ولى ولن يعود، مصر الآن، ومعها العرب تدشن مسارا جديدا، يبدأ وينتهى ب 30 يونيو أكبر جمعية عمومية لشعب فى التاريخ القديم والحديث، ومن قطر تدور العجلة.