شراء مصر للغواصات الألمانية أبرز أشكال التعاون العسكرى والأمنى زيادة التبادل التجارى بين البلدين إلى 5.8 مليار يورو
دائما للأرقام دلالة كبيرة، فالزيارة الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسى لألمانيا خلال 5 أشهر فقط، تعكس مدى التقارب بين القاهرة وبرلين، حيث زار الرئيس عبد الفتاح السيسى ألمانيا فى أكتوبر الماضى للمشاركة فى القمة المصغرة لقادة إفريقيا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عندما كانت ألمانيا تترأس قمة العشرين، من أجل وضع آليات تعاون مشترك تسهم فى التنمية المستدامة فى القارة الإفريقية، وها هى الزيارة الثانية للرئيس السيسى لحضور قمة الأمن فى ميونخ، حيث حرص القائمون على المؤتمر بدعوة الرئيس السيسى لهذا المنتدى العالمى المهم الذى يشخص المشاكل الأمنية ويضع حلولا متكاملة معها.
وتأتى دعوة الرئيس لحضور هذا المنتدى خير دليل على نجاح الرئيس السيسى فى تثبيت أركان أكبر الدول العربية، حيث تمثل مصر ربع سكان العام العربى، ونجا بها بعيداً عن فوضى ودموية ما يسمى بالربيع العربى، ولهذا حرص القائمون على هذا المؤتمر الذى يدعو فيه قادة العالم وأصحاب التجارب الناجحة فى حماية دولهم على توجيه الدعوة للرئيس السيسى، الذى نجح فى ملفين فى غاية الأهمية، ليس لمصر أو المنطقة العربية فقط بل لأوروبا والعالم وهما مكافحة الإرهاب والهجرة غير المنتظمة «غير الشرعية». والحقيقة أن مصر وألمانيا تتمتعان بمكانة كبيرة ومهمة، فكل منهما له ثقل سياسى داخل المنطقة التى ينتمى إليها، فالقاهرة مفتاح الشرق والمعيار لاستقرار وأمان المنطقة العربية، وبرلين هى الرابط لشمال أوروبا بجنوبها وشرقها بغربها، وإحدى القوى الاقتصادية العظمى فى العالم، وأكبر اقتصاد فى أوروبا، فما مفردات التعاون المصرى الألمانى؟ وكيف يمكن البناء على ما تحقق للبلدين الصديقين؟ وإلى أى مدى يمكن استثمار العلاقات المصرية الألمانية لصالح القضايا العربية والإفريقية، خصوصا فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، والقمة العربية الأوروبية التى تستضيفها مصر قبل نهاية هذا الشهر؟
مصداقية مصرية أولا: وجدت ألمانيا فى القيادة المصرية «تطابق كامل» بين القول والفعل، حيث قالت القاهرة منذ البداية إنها تشاطر العالم مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وبالفعل سنت القاهرة قوانين تجرم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، واتخذت كل الخطوات لمنع هذه الظاهرة الخطيرة على الوحدة الأوروبية، فكانت النتيجة التى أشاد بها كل المسئولين الأوروبيين وفى مقدمتهم الحكومة الألمانية، بأن القاهرة نجحت فى منع خروج أى سفينة أو مركب تحمل مهاجرين غير شرعيين منذ سبتمبر 2016 حتى أكتوبر 2018 ، وهو ما يعد نجاحا غير مسبوق فى العلاقات الأوروبية مع دول الشرق الأوسط، حيث قارن العديد من القادة الألمان بين سلوك القاهرة الإيجابى وبين السلوك التركى مثلاً الذى حاول ابتزاز الاتحاد الأوروبى فى قضية الهجرة غير الشرعية، وهذه قضية إستراتيجية لألمانيا التى دخل حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب شديد التطرف لأول مرة للبرلمان الألمانى، وحل ثالثاً فى الانتخابات التى جرت فى سبتمبر 2017 على خلفية تبنيه لقضايا ضد المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما يكشف حجم العمل الذى قامت به القاهرة فى منع ظاهرة الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية.
ثانيا: قادت القاهرة بمفردها حربا ضد الجماعات الإرهابية، وتبنت سياسة متكاملة لمكافحة الإرهاب لا تتضمن فقط الجوانب الأمنية والعسكرية، بل ضمت جوانب اقتصادية واجتماعية وتصحيح الصورة المغلوطة عن الدين الإسلامى الحنيف، وهو أمر أشادت به ألمانيا أكثر من مرة، وهذا محور مهم من محاور مؤتمر وقمة ميونخ حول الأمن فى العالم. ثالثا: استدارت ألمانيا تجاه الدولة المصرية بعد أن تأكدت من صواب رؤية القاهرة بما يتعلق بالقضايا والأزمات الإقليمية والدولية، حيث تعتمد رؤية مصر على تفضيل الحلول السياسية والسلمية، بعيداً عن لغة البندقية والرصاص فى أزمات المنطقة خصوصا فى ليبيا وسوريا، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، مع علاقات خارجية تقوم على مبدأ المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وضبط مساحات الاختلاف والاتفاق مع الجميع.
رابعا: تبنى القاهرة لبرنامج اقتصادى طموح أسهم لأول مرة فى تصحيح الاعتلال فى الاقتصاد المصري، وهو ما ظهر فى تراجع معدلات التضخم، وزيادة الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى المصري، وتراجع عجز الميزانية مع إعادة التوازن للميزان التجارى المصرى مع دول العالم، وزيادة الاستثمار المباشر إلى أكثر من 7.9 مليار دولار لأول مرة منذ 2011، وهو الأمر الذى حفز الشركات الألمانية على مزيد من الاستثمار فى الاقتصاد المصري.
خامسا: طبيعة التحرك النوعى المصرى على الساحة الألمانية، والتى جاء على ثلاثة خطوط متوازية وليس متوالية، اعتمد الأول منها على الاتصالات الرسمية والزيارات المتبادلة وتوضيح الحقائق، بينما اعتمد الثانى على مخاطبة الرأى العام الألمانى من خلال التواصل مع وسائل الإعلام الألمانية والمجمع المدنى الألماني، ونجح هذا المسار فى تأكيد احترام الدولة المصرية لحقوق الإنسان مع الحفاظ على المؤسسات المصرية، بينما المجال الثالث كان من نصيب رجال الأعمال، خصوصا مجلس الأعمال المصرى - الألماني، ولعب رئيس الجانب المصرى فى مجلس الأعمال المصرى - الألمانى الدكتور نادر رياض دورا كبيرا فى توضيح الصورة لمجتمع المال والأعمال الألماني، حيث أسهم بقوة فى تعزيز صورة مصر «كمحور للاستقرار» فى الشرق الأوسط فى عيون رجال الأعمال الألمان، وأن الاستثمار فى مصر هو «استثمار فى الاستقرار» وأن الاستقرار فى مصر يشيع الاستقرار فى كل المنطقة العربية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط.
سادساً: قدرة الدولة المصرية على إتاحة فرص واكتشاف إمكانات لم تكن موجودة من قبل، ووجودها الآن يسهم ليس فقط فى مصلحة مصر بل فى صالح ألمانيا وكل الدول الأوروبية أيضا، وتجلى ذلك عندما تبنت القاهرة مشروعات تسهم فى تحويل القاهرة لمركز إقليمى لتجارة وتداول الطاقة كان لألمانيا نصيب كبير منها، عندما أنشأت شركة سيمنز الألمانية ثلاث محطات كهرباء عملاقة فى مصر هى الأكبر من نوعها فى العالم ، ودفع ألمانيا للاتحاد الأوروبى ليكون شريكا وداعما رئيسيا لخطوط نقل الغاز بين مصر وقبرص، وسعى ألمانيا للاستفادة من قدرات مصر العملاقة فى مجال الطاقة الشمسية.
6 لقاءات بين السيسى وميركل حتى أكتوبر الماضى التقى الرئيس السيسى والمستشارة ميركل 6 مرات، كان اللقاء الأول بين الزعيمين خلال زيارة الرئيس السيسى لألمانيا فى يونيو 2015، وكان اللقاء الثانى فى مقر الأممالمتحدة على هامش حضور كل منهما جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر من نفس العام، ثم التقى الرئيس السيسى بالمستشارة أنجيلا ميركل خلال قمة مجموعة العشرين فى مدينة هانجشو الصينية فى سبتمبر عام 2016، وفى مارس2017 قامت الزعيمة الألمانية بزيارتها الأولى إلى مصر وعقدت اللقاء الرابع مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، وفى يونيو من العام نفسه قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارته الثانية إلى ألمانيا، حيث شارك خلالها فى قمة الشراكة مع إفريقيا فى إطار مجموعة العشرين، وشملت الزيارة الأخيرة زيارة دولة من جانب الرئيس السيسى لألمانيا، كما تضمنت مشاركة الرئيس فى القمة الألمانية الإفريقية التى ضمت المستشارة ميركل فى قمة مصغرة مع قادة ورؤساء حكومات بعض الدول الإفريقية التى دعت لها ألمانيا فى إطار مجموعة العشرين.
العلاقات الاقتصادية الجانب الاقتصادى يمثل أحد أهم جوانب العلاقات بين مصر وألمانيا، وجاءت مشاركة ألمانيا بوفد رفيع المستوى فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، ترجمة للتوجه الألمانى لدعم الاقتصاد والاستثمار فى مصر، وتعبيراً عن إدراكها أن مصر مقصد استثمارى مهم وسوق واعد، حيث تم توقيع مجموعة من مشروعات فى مجال الطاقة بنحو 6 مليارات يورو مع شركة «سيمنز» الألمانية، حيث شاركت هذه الشركة الألمانية العملاقة بنصيب كبير فى إنجاز ملحمة تطوير قطاع إنتاج الكهرباء فى مصر فى السنوات الأربع الماضية. وتوجد فى مصر، عدة منشآت ألمانية لتعميق التعاون التجارى، على رأسها غرفة الصناعة والتجارة المصرية الألمانية، التى أنشئت فى مصر منذ 50 عاما لتعميق التعاون المصرى - الألمانى التجارى. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر وألمانيا قفز فى عام 2015 إلى نحو 5 مليارات يورو، لتحتل مصر المرتبة الثالثة بين الشركاء التجاريين لألمانيا فى المنطقة العربية، ثم زاد التبادل التجارى بين البلدين فى 2016 إلى 5 مليارات و567 مليون يورو، ثم بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 5 مليارات و814 مليون يورو فى عام 2017.
التعاون العسكرى فى 12ديسمبر2016، استمراراً لجهودها فى دعم القدرات القتالية والفنية للقوات البحرية المصرية، وتطويرها وفقاً لأحدث النظم القتالية العالمية، تسلمت القوات المسلحة أول غواصة حديثة من طراز (209/1400 ) التى تم بناؤها بترسانة شركة «تيسين كروب» بمدينة كيبل الألمانية، حيث تم رفع العلم المصرى على الغواصة، إيذاناً بدخولها الخدمة بالقوات المسلحة المصرية. فى 8 أغسطس 2017، تسلمت القوات المسلحة المصرية فى احتفالية كبرى بمدينة كيبل الألمانية ثانى غواصة حديثة من طراز تايب (209)، إيذانا بدخولها الخدمة القوات المسلحة خلال أيام لتعزيز جهودها فى تحقيق الأمن البحري، وحماية الحدود والمصالح الاقتصادية بالبحرين الأحمر والمتوسط.