بعد انتهاء المباحثات بين وفد الحكومة اليمنية وممثلى جماعة أنصار الله الحوثية، التى جرت فى الأردن لمدة ثلاثة أيام انتهت فى الثامن من فبراير، أعلنت الأممالمتحدة أن الطرفين عبرا عن التزامهما بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفاً، والمحتجزين قسراً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية، وذلك من خلال التنفيذ على مراحل. كما جدد الطرفان حسب البيان الأممى استعدادهما لبذل الجهود كافة لتحقيق هذا الهدف المشترك، فى ظل ضرورة الإسراع بلمّ شمل المعتقلين مع عائلاتهم، وأن اللجنة المشتركة قررت الاستمرار فى انعقاد مفتوح للوصول إلى القوائم النهائية للأسرى التى سيتم تبادلها. أما اللجنة الفرعية المعنية بالجثامين فقد أقرت خطة عمل تستند إلى مبادئ محددة وجدول زمنى لإتمام تنفيذ تبادل الجثامين، الذى سيتم على مراحل. وأقل ما يقال عن هذا البيان ذى اللغة الدبلوماسية المتفائلة إنه يؤكد عدم نجاح مباحثات الأردن، كما كان مأمولا، كما أنه لا يؤكد فشلها، فالنتائج التى كانت مقررة مسبقا لم يتم التوصل إليها، وهى اعتماد قوائم الأسرى وتسليمها للأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولى للبدء فى عملية التبادل المتزامن، وهو ما أكده أحد أعضاء الوفد الحكومى بالقول إن عملية تبادل الأسرى والمختطفين تنتظر الاتفاق النهائى على آلية إطلاق سراحهم بين الأممالمتحدة وقيادات الشرعية والحوثى، وما زالت هناك حاجة لاستكمال المعلومات حول الذين لم يعرف مصيرهم بعد. وما تمت معرفة بياناتهم فى حدود 2200 أسير ومعتقل، وهو أقل بكثير من الأرقام التى تم تداولها فى مشاورات السويد، وكانت فى حدود 15 ألف أسير ومعتقل مطلوب تحريرهم.
وكان الوفد الحوثى قدم اقتراحا بأن يتم تبادل 200 أسير ومعتقل من الجانبين، وهو ما رفضه الوفد الحكومى الذى أصر على أن تكون العملية شاملة لكل الأسرى والمعتقلين، بما فى ذلك أربع قيادات يمنية مشمولين بالقرار الدولى 2216، وهم فيصل رجب، ومحمد قحطان، واللواء ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس هادي، ووزير الدفاع السابق محمود الصبيحي.
وهكذا تم إبقاء الباب مفتوحا أمام جولات أخرى من المباحثات المباشرة أو عبر المبعوث الدولى مارتن جريفيث، الذى يواجه معضلة كبرى تتمثل فى عدم التزام جماعة أنصار الله الحوثية، بما تم الاتفاق عليه بالفعل فى مشاورات السويد التى عقدت فى ديسمبر الماضى، واعتبرت آنذاك بمثابة الخطوة الأولى لبناء الثقة التى تسهم لاحقا فى التفاوض فى مجمل القضايا السياسية والأمنية، والوصول إلى تسوية شاملة.
والواضح أن مشكلة إنسانية تهم كل اليمنيين بلا استثناء مثل تبادل الأسرى والمعتقلين، والالتزام بضمانات واضحة تحول دون إعادة اعتقال من يتم الإفراج عنهم مرة أخرى، لا سيما من قبل الجماعة الحوثية تواجه عقبات كبرى ومحاولات للهروب من هذا العبء الإنسانى، فيما ينذر بأن التوصل إلى تسوية سياسية تتطلب تنازلات كبرى من كلا الطرفين ليست بالأمر الهين. ولعل التهرب الواضح من الالتزام الوارد فى اتفاق السويد القاضى بانسحاب المسلحين الحوثيين من الحديدة وموانئها الثلاث، الذى كان مقررا إتمامه فى غضون أسبوعين من التوقيع على الاتفاق، وفتح ممرات إنسانية تراقبها بعثة الأممالمتحدة يعكس مدى عدم الجدية فى الالتزام، ويعكس أيضا المناورات والخدع التى استخدمها الحوثيون، وأدت عمليا إلى إفشال مهمة الجنرال الهولندى باتريك كاميرت الذى كُلف بالإشراف على عملية انسحاب المسلحين الحوثيين، وتأمين ممرات إنسانية، إذ وجد نفسه مطالبا بقبول عملية تسليم صورية للميناء لمسلحين تابعين للحوثيين، على عكس ما ورد فى الاتفاق، وهو ما اعتبره خديعة غير مقبولة، وتلاها تقديم استقالته.
وبعد تعيين الجنرال الدانماركى مايكل لوليسغارد، مسئولا عن مهمة مراقبة تطبيق اتفاق السويد، وبعد اتصالاته المبدئية مع الطرفين، وفى محاولة منه لتفعيل مهمته، قدم اقتراحا جديدا يتجاوز بنود اتفاق السويد، طرح فيه انسحاب قوات الطرفين من مدينة وموانئ الحديدة الثلاث إلى مواقع يتم الاتفاق حولها، وإنشاء ممرات آمنة لمرور المساعدات الإنسانية من ميناء الحديدة تديرها قوات دولية، التى ستفصل أيضا بين قوات الطرفين، وفتح الطرقات والمعابر التى يتقاسم الطرفان السيطرة عليها. ويبدو أن المبعوث الدولى جريفيث يسعى إلى إقناع الطرفين لقبول هذا التصور الجديد، الذى يعنى عمليا وضع الحديدة وموانئها تحت سيطرة أممية، إضافة إلى الطريق الواصل بين المدينة والعاصمة صنعاء. ويعد هذا الاقتراح مناقضا لما ورد فى بيان أصدرته البعثة الدولية 6 فبراير الجارى، بأن ممثلى الحكومة اليمنية وجماعة الحوثى توصلا إلى «اتفاق مبدئى»، بشأن إعادة الانتشار المتبادل للقوات بمدينة الحديدة، وفتح ممرات إنسانية، وسيعقد اجتماع آخر بهدف وضع اللمسات النهائية على عملية إعادة الانتشار.
لم يصدر أى من الطرفين المتصارعين موقفا محددا من اقتراح الجنرال لوليسغارد، وهناك من يرى فى الاقتراح تحولا خطيرا سيؤدى إلى التأثير على قدرة الحكومة اليمنية وجيشها على حسم الأمر، وستخرج الحديدة من جملة التفاهمات التى تم التوصل إليها، وستكون بمثابة إشارة إلى الحوثيين لمزيد من التعنت ورفض الالتزام بما يتم التوصل إليه، وبالتالى إضافة تعقيدات جديدة للموقف اليمنى الملىء أصلا بالتعقيدات والإشكاليات. وتصاحب هذا الرأى دعوة بقيام الجيش الشرعى بحسم الأمر عسكريا قبل أن يتم تغيير طبيعة الصراع على الحديدة ككل. وعلى الرغم من وجاهة الدعوة إلى الحسم العسكرى، فمن الواضح أن الأمر لن يكون عمليا لأسباب عدة، أبرزها أن الحملة العسكرية التى بدأت ربيع العام الماضى، التى نجح فيها الجيش اليمنى فى تحرير مناطق واسعة فى الساحل الغربى وصولا إلى محيط الحديدة، توقفت قبل محادثات السويد، كما أن الحوثيين استفادوا كثيرا من فترة توقف القتال الماضية، وقاموا بتعزيز وجودهم فى مدينة الحديدة والموانئ الثلاث الحديدة ورأس عيسى والصليف وانشأوا العديد من التحصينات، وحفروا الخنادق، وجلبوا الكثير من المسلحين، ومنهم من هرب فى السابق حين اقتربت وحدات الجيش اليمنى من المدينة قبل أربعة أشهر، ولا تزال عمليات تهريب الأسلحة والطائرات المسيرة تجرى على قدم وساق من السواحل التى يسيطرون عليها.
ولذا يبدو العودة مرة أخرى إلى الحسم العسكرى مسألة شديدة الخطورة والحساسية، لا سيما أن المبعوث الأممى جريفيث ما زال حريصا على بذل جهد آخر لحلحلة الوضع على الأرض وتجنب الفشل التام، والتمسك بالعناصر الرئيسية لاتفاق السويد مع مرونة فى الالتزام بالمواعيد والخطط. وجزء من حرصه الشديد على تجنب الفشل، وبرغم علمه بالمناورات الحوثية، فإنه لم يصف هذه التصرفات بأى شىء سلبى، وما زال ممتنعا عن وصفهم بالطرف المعرقل، على الأقل فيما يتعلق بالالتزام الوارد فى اتفاق السويد. وهو موقف تراه الحكومة الشرعية مهددا لجهود السلام، وبالتالى تضع شرطا بعدم التوجه إلى أى جولة جديدة تحت مسمى مشاورات الحل السياسى والأمنى والعسكرى الشامل قبل تنفيذ الجماعة الحوثية للالتزامات الواردة فى اتفاق السويد.
وبافتراض أن الطرفين قبلا اقتراح الجنرال لوليسغارد، فإن نشر قوات دولية سوف يتطلب العودة مرة أخرى إلى مجلس الأمن الذى سيقرر حجم هذه القوات ومدتها الزمنية وطريقة انتشارها وتكوينها، وتلك بدورها ستأخذ وقتا لن يقل عن شهرين إلى ثلاثة أشهر على الأقل. وإذا صدر مثل هذا القرار الدولى ولم يجد التجاوب المناسب من أحد الطرفين، فمن المتوقع لاحقا أن تصدر بشأنه عقوبات دولية. وفى كل الأحوال سيؤدى الأمر إلى بقاء الأوضاع فى الحديدة وموانئها وما حولها على ما هو عليه، اللهم إلا إذا قررت الحكومة الشرعية والتحالف المساند لها العودة إلى الحسم العسكرى، وهو ما سيواجه تعقيدات عملية سياسيا وعسكريا أكبر مما كان فى السابق.
ويبدو أن جريفيث يعول على ضغوط تمارسها دول المجموعة الرباعية وهى الولاياتالمتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، من أجل تذليل بضع العقبات، كما حدث من قبل حين طرح فكرته حول البدء بمشاورات لبناء الثقة بين الحكومة الشرعية وسلطة الأمر الواقع الحوثية فى صنعاء ومناطق أخرى. والمشكلة الرئيسية فى مثل هذا النهج أنه يقدم هدايا مجانية لجماعة أنصار الله، باعتبار أن الضغوط الدولية توجه للطرف الآخر وليس عليهم، مما يوفر لهم مساحة أكبر من التعنت والرفض دون حساب.