- لا أفضل نمطا شعريا معينا لأن الشعر أكبر من التقسيم - الشعر العمودى تحدٍ لا يرحم من يستهين بالإبداع الحقيقى
- الشيخ زايد شخصية عبقرية كسرت حدود التاريخ
- أنا مؤمن بالغزو الثقافى الذى يحاول نسخ هويتنا بفنونه الاستهلاكية ولا بد من تشكيل مجالس للرقابة الثقافية والأخلاقية
وصفه الشيخ زايد، بأنه متنبى العصر، ولا نبالغ إن قلنا إنه يستحق ما وصفه به الشيخ زايد، إنه الشاعر العربى منصور البطاينة، الذى كتب بدوره آلاف القصائد فى حكيم الأمة، وفى هذا الحوار يطلعنا البطاينة على ظروف منحه هذا اللقب، كما يرى أن المتنبى هو أستاذ الشعراء فى كل العصور، وأن الشعر أسمى الفنون العليا، ولن يختطف أى فن آخر مكانته، فهو أبو المسرح وأبو الرواية، يعتز البطاينة كثيرا، ويحب أن يسمى نفسه «الشاعر العربى»، لأن القطرية فى الأدب والثقافة أضرت كثيرا بالثقافة العربية، ومن جهة أخرى يرى أن الإمارات تعيش ازدهارا ثقافيا وفكريا، قضى على نظرية المركز والأطراف، وأن حيوية الثقافة الإماراتية تجاوزت عالمها العربى لتكون فاعلة فى العالم كله، وإلى تفاصيل الحوار.
_ تحب دائماً أن يصفك الناس بالشاعر العربي، ما الاختلاف الذى تنشده بهذا الوصف؟ أحب الابتعاد عن القُطرية الموغلة بالمناطقية، وأرى أن هوية كل عربى هى العروبة من المحيط العربى إلى الخليج العربي، فالضاد أولا هى لغة القرآن الكريم، ثانيا هى لغة العرب لا لغة قُطر عربى دون آخر، وبذلك أعلن مقدما أن همى هو الهم العربى الشامل، يؤلمنى ما يؤلمه ويسعدنى ما يسعده، وأعلن أن جمهورى هو الجمهور العربى كله وأتشرف بذلك.
_ تكتب الشعر بكل أنماطه، العمودى والتفعيلى وقصيدة النثر، أى هذه الأنماط الأقرب إليك، وتجد نفسك فيه؟ عندما تكتب بالضاد، فآلية الكتابة هى واحدة بكل الأنماط الشعرية، لكن الشكل الشعرى يعطيك التكنيك الفنى المناسب للتعبير. طبعا هناك نظريات أدبية ونقدية، شكلت المنهج الفنى لكل نمط معين، خصوصا التفعيلى وقصيدة النثر، حيث سبقت العولمة الأدبية العولمة السياسية بقرون أو عقود كثيرة، طبقا للتغيرات السياسية أولا، التى جرفت معها التقليد التاريخى الراسخ فى الأدب العربي، وباعتقادى أن الكاتب المبدع والمثقف يستطيع التحول رؤيويا من نمط إلى آخر حسب الديالوج الداخلى لإدارة النص الأدبي. أما أنا فلا أستطيع أن أظلم نمطا على حساب الآخر، لكن بأسلوبى الناقد الانطباعى للأنماط أقول: إن الشعر العمودى فيه رهبة كبرى لجميع الشعراء المبدعين، لأنهم يمرون على جميع الأوزان والبحور والقوافى التى مر عليها من سبقهم، ويتعرضون لمحكمة الجمهور والنقاد ويمرون من طريق التاريخ، وهنا تتم الدراسة الذائقية والنقدية من خلال المقارنة العادلة، فيتم عزل أسماء وتنصيب أسماء من أمام إبداعية القوافى والرؤى، فعلى هذا يحمل النص العمودى حرفية قوية فيها صراع فكرى تجسيدى للمبدعين، وهو بالتالى لا يرحم من يستهين بالإبداع الحقيقى، ومن لا يعيد اكتشاف سحر القوافى وسهلها الممتنع.
_ تكتب أيضاً الشعر النبطي، هل تذهب إليه قاصداً أم أن الحالة الشعورية هى التى تختار شكلها؟ بالطبع أذهب إليه قاصدا على متن الحالة الشعورية، فيتوافر لى القصد والحالة الشعورية معا. القصيدة النبطية يجب أن تذهب إليها قاصدا، وإلا فقدت إيمانك بفلسفة وجودها، وعليك إذن أن تخوضها بحالتك الشعورية، رافعا من سماء شموخها التاريخي. ولا أعتقد أن هناك أى تناقض فنى أو أكاديمى بين القصيدة العمودية والأخرى النبطية، لأنهما فنيا أو لسانيا موجودتان فى الإرث التراكمى للسلوك التجسيدى للتعبير. وهما فى اللا وعى تتعاونان على إنتاج وإخراج الصورة التعبيرية للضاد بشكليها العلمى الرسمى والموروث الفطري.
_ يرى البعض أن الشعر طال غيابه عن الساحة فى ظل هيمنة الفنون السردية؟ هل هذا الأمر صحيح أولاً؟ وإن كان صحيحا متى يعود الشعر إلى مكانته؟ إذا أعدنا تشكيل عجينة المسميات الفنية، سنحدث حالة من المساواة بين المفاهيم الدلالية للعناوين التعريفية الكبرى فى أدبنا أو ثقافتنا العامة، ومن هذه التقدمة أقول: من قال إن الشعر بفلسفته الممتنعة الإيحائية والمباشرة ليس سرديا؟ إنه أبو السرد الوجودى للإنسانية المشخصنة، بالذات أو قدرته على مسرحة الرؤية الاجتماعية المشتركة، الشعر هو أسمى الفنون العليا ولا يمكن لأى فن آخر اختطاف مكانه ومكانته من الدنيا والناس.
_ فى ظل هيمنة قصيدة النثر على المشهد، تصرّ أنت على كتابة كل أنماط الشعر، هل لا تزال القصيدة العمودية قادرة على حمل قضايا الإنسان الحديث؟ القضية هنا ليست قضية سفسطائية جدلية بين تيارات متناقضة، القضية هنا إبداعية بحتة، فكما ينطبق شرط الأهلية والإبداع والاستعداد الفطرى والمدرب على كل التمايزات الإبداعية فى كل مراحل وأنواع التنافس البشري، فى الرياضة مثلا سواء كانت فى كرة القدم أم المصارعة أم الملاكمة أم ارتقاء البحث العلمى، والتنافس التنظيرى الفلسفى لرموز الفلسفة. أيضا ينطبق هذا الأمر نفسه على الشعراء، وهنا أقول لك تخييليا، أغلق كل الأشكال الشعرية من الخارج، واحصر لى رسما إبداعيا داخليا للشعور، من هنا يولد الشعراء الكبار، لا يولدون من الشكل الخارجى للنصوص لكنهم يولدون من ماهيتهم إبداعيا ورؤيويا.
_ ألا ترى أن هروب الكثير من الشعراء إلى كتابة الشعر باللهجات المحلية، يعد هروباً من ضيق قصيدة النثر؟ لا أعتقد أنه يهرب من قصيدة النثر من كان ناثرا مجيدا، بالضبط كما لا يستطيع الظل الهروب عن ثنائيته مع الجسد، والقصيدة النثرية لم تفرض مثلا بقوة القانون الإلزامى حتى يتفلت منها من لا يتماثل معها فنيا، فيخالف القانون ويلجأ إلى ممازجة الاستيلاد العامى للقصيدة، وأنا على مسافة واحدة من كل أشكال الشعر ومن كل الشعراء بمختلف أنماطهم الشعرية. والأمر لا يعد هروبا من النثرية إلى العامية، بقدر ما هو تلمس رؤيوى فياض لطبيعة ينابيع العاطفة الشعبية الفطرية فى تقاليد الأدب الشعبى القريب من الأحاسيس، وإذا كنت أنت كشاعر تصل بطريقتك المعينة لتلامس قلوب الناس، فلماذا أفرض عليك تهمة تنظيرية دخانية بعيدة عن أرض الواقع!
_ هل هيمنة الرواية أضرت بالأنواع الأخرى فى الأدب؟ يا سيدى أنا بطبيعتى لا أحب التراكيب التقريرية الجاهزة، وكأنها حقيقة راسخة تملك سلطة التداول الإحصائي، اليوم اندمج العالم بتواصل حضارى تقني، فأصبحت تستخرج الوقائع المباشرة من محركات البحث العالمية، فهل تعتقد أن المليارات الستة أو الأكثر لسكان البسيطة يسيطر على ذائقيتهم وحياتهم فن الرواية سياديا. أنا لا ولن أجزم بذلك طبعا. أيها النقاد العالميون نحن بحاجة إلى أن نمسح كل الدراسات النمطية السابقية عن كل شيء، ومنه ما سوقه صحفيون أو نقاد على عجالة من أمرهم التقريري. أنا أكاد أحس بأن الشعر هو شاغل الناس بالشكل الأساسى، لأنه أنت وأنا والآخر فى أعماق الذات، والرواية تسلية فكرية تخالج الذكاء والمتعة الاستلهامية للأسرار.
_ فى رأيك لماذا يبتعد الشعر عن تناول القضايا السياسية للأمة العربية؟ وتقوقع فى تناول الشخصى واليومي؟ هل المطلوب من الشاعر أن يكون منظرا سياسيا؟ للشاعر دور هو الأجمل والأسمى من السياسة، فدوره الأجدر به هو الإبحار فى عواطف الناس وأحزانهم وآلامهم لمساعدتهم بتسييس الدمع لا إراديا فى مواجهة تسوناميات الانهدامات الحضارية عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا. الشاعر هو طبيب النفوس الأمين على المشاعر، وهو يجب أن يحاور الناس من خلال البساتين والنسائم والورود والأمطار والسواقى وجمال الصباح وروعة رائحة رغيف الخبز وسحر الحب وتهذيب الجموح البشرى والتفاؤل. أما أن يصبح سياسيا مباشرا فتلك الطامة الكبرى، أنه إكسير الحياة والأمل اللذيذ للأرواح فى استكشاف الأجمل الذى لم يأت بعد على رأى جهينة.
_ كيف ترى مستقبل الشعر العربى؟ لو افترضنا أنه لن يولد شعراء من بعد هذا اليوم، فسيكفينا القوت العاطفى والإرثى والفكرى والإنسانى للشعر العربى منذ تكون أبجدية أوغاريت لليوم ، وهذا الإرث، خصوصا المتميز منه هو الماضى والحاضر والمستقبل. أما توقعيا وبحثيا وفلسفيا فيمكنك استخلاص الحقيقة من الماضى والحاضر لتقتنصها من الخط البيانى للمستقبل. إن العرب هم أمراء الشعر فى كل الأزمان، وهناك معادل خفى بين القرآن وتواصل تألق الضاد شعرا وأدبا وخلقا وإيمانا وحتى مع كل أطياف الديانات الأخرى تسامحا وتمازجا وتعايشا، ولا تخف يا صديقى فالشعراء يملأون الزمان كما تملأ الأنوار والنسائم الأمكنة ،.وستستمر حضارة الضاد فى نفح المستقبل بالأجمل والأبلغ من الشعر.
_ فى ظل التحديات التى تواجهها الأمة العربية ما الدور الذى يمكن أن تلعبه الثقافة؟ هو داهية الدواهى وهو يتضمن جوابه فى تركيبته الذكية، أنت لمست هنا العقدة الكبرى التى افترست الأمة العربية وهى عقدة اللاثقافة وفوضى النظم واسمح لى هنا أن أعيد توظيف مصطلح الغزو الثقافى من جديد، الذى اخترقنا تعليميا ودينيا وحضاريا ونفسيا وفكريا، وأعاد تسمية مفهوم اللذات السوقية والمتع الشهوانية، وقذف إلينا كل ترهاته من تلفزته العالمية وسينماه الممنهجة ضدنا وفنه المركب، وثقافته الاستهلاكية فى كل مناحى الحياة الهابطة. لقد قتلوا عندنا القدوات وخربوا التاريخ الإسلامى والإنسانى والمسيحى حتى اليهودى الحقيقى أستاذى قل لمثقفينا إن عقولهم نور الأمة. قل للكبار فى أمتنا العربية أن يشكلوا مجالس للرقابة الأخلاقية والثقافية. أعيدوا إمساك مفاهيم الأجيال منذ سن الطفولة، فلا تعلموهم كيف يهدمون أمتهم بأنفسهم، وتطلبون منهم أن ينقذوها عندما يصبحون من قادتها الإداريين والتنفيذيين.
_ وصفك المغفور له الشيخ زايد بالمتنبى الجديد ما الذى يمثله لك هذا الوصف؟ أنت تتكلم عن شخصية عبقرية كسرت حدود التاريخ وزادت عنه كما وكيفا، رحم الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وقائدها. وللشهادة التاريخية وبوجود شهود صادقين من أصدقائه ومرافقيه، أنه قال منصور أحسن من المتنبي. ولو لم يقلها الشيخ زايد رحمه الله بالذات لرفضتها بلا تردد، لأننى أعتبر المتنبى أستاذ كل شعراء البشرية، ولكن بما أنه أعطانى هذا الشرف وهذا الوسام فعلى الافتخار به، فهو حكيم العرب وهو كان يحفظ معظم شعر المتنبى وغيره من شعراء العرب الأفذاذ، وهو كان شاعرا مفوها بليغا فريدا ملهما عظيما، ولولا أنه وجد السر فى ذلك لما قلدنى هذا الشرف الكبير. وأقول له، رحمه الله تعالى، إذ أدعو كل دارسى الشعر والنقاد أن يدرسوا ما ألهمته لمنصور البطاينة من الشعر. ونقول لأصحاب التكليف بالدراسات، التى أمرت بها يا سيدى ويا قائدنا المرحوم، أن يزيحوا النقاب عن نتائج دراساتهم الأكاديمية المتخصصة، التى أكدت أن منصور البطاينة هو الأول عدة مرات على من درستم شعرهم مع شعره. إنها مسئولية على كاهلى أن أوصف بهذا الوصف العظيم، وأن أعطى هذا اللقب الكريم منه رحمه الله تعالى.
_ تمثل الإمارات الآن حالة ثقافية خاصة مزدهرة وناشطة، هل لذلك تأثير على نشاطك الأدبي؟ إنما نطقت بالصواب سيدى الكريم عن الازدهار الثقافى الإماراتى، فهى ألغت نظرية المراكز والأطراف فى العالم العربي، فمن بعد أن كانت تعتبر طرفا أصبحت ثقلا ثقافيا عالميا، وتعدت حتى حدود العالم العربي، وأصبحت فسيفساء الثقافة العربية والعالمية ونافست الدول الكبرى ثقافيا، وهذا مما يشجعنى ويشجع زملائى من المبدعين فى كل المجالات على الإبداع والتميز ، حفظ الله تعالى الإمارات العربية المتحدة وشعبها وقيادتها الرشيدة، وأدام علاقتها الأخوية الإستراتيجية مع مصر العظيمة، وشعبها العظيم وقيادتها الرشيدة.
_ لقد علمنا من مصادرنا الوثيقة أنك فزت بالمركز الأول عدة مرات فى دراسة أكاديمية متخصصة لاختيار شاعر رسمى للشيخ زايد، رحمه الله، لكن تمت المحاباة وأخفيت النتيجة وطلب من اللجنة تغيير اسم صاحب المركز الأول بصاحب المركز الثاني، ولم تستلم منصب الشاعر الرسمى رسميا بسبب ذلك.. فما تعليقك؟ أنا لا تهمنى الألقاب والمناصب الرسمية أبدا، ويكفينى شرفا أننى تشرفت بكتابة عشرات الآلاف من أبيات الشعر الفصيح والنبطى بتاريخ هذا القائد العظيم رحمه الله، الذى أحببته أكثر من روحى ونفسى. أما لماذا تم تغيير النتيجة وإعطاء المركز الأول لصاحب المركز الثانى والتعتيم على فوزي، فهذا شأن من قام بذلك. أناشد صاحب السمو، أسد الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبو ظبي، بإحقاق الحق ورد لى جميع حقوقى الأدبية والمعنوية والمادية، التى ترتبت على هذا التحكيم، ورد اعتبارى وإخراجى من بعض جوانب الحصار المفروض على إنتاجى الأدبى والشعرى من جهات هنا وهناك، لا تمثل القيم الأخلاقية العريقة لدولة الإمارات العربية المتحدة الحبيبة، التى أرسى قواعدها المرحوم بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، تغمده الله فى الجنة.