تجميد البويضات.. أحدث تقنية علمية تضمن تحقيق حلم الأمومة للكثير من الفتيات اللواتي يخشين ضياع فرصهن في الإنجاب بسبب تأخرهن في الزواج. أو الفتيات اللواتي يعانين من تراجع معدلات التبويض بصورة طبيعية أو بسبب تعاطيهن الكيماوي للعلاج من الأورام.
تشير الإحصاءات الصادرة عن شركة أبل إلى أنه في عام 2001، خضعت نحو 3676 امرأة لعمليات تجميد البويضات، وحققت هذه العمليات نجاحا يصل إلي 14 % مقارنة بعمليات التلقيح الصناعي للبويضات الطازجة، والتي تقدر نسب النجاح فيها بنحو 26 %. ولم تظهر الدراسات أية مخاطر لعمليات تجميد البويضات، بل أثبتت دراسة حديثة تشمل 200 طفل ولدوا عن طريق بويضة مجمدة بمعدل عيوب خلقية 3.5 %، فقط وهو المعدل نفسه للعيوب الخلقية التي أصيب بها أطفال ولدوا بوسائل طبيعية.
يبدو أن عمليات تجميد البويضات بدأت تلاقى انتشارا فى مختلف أنحاء العالم العربي، ففى المغرب، ووفقا لهيئة التخصيب وعلم الأجنة، كشف بحث أن هناك طفرة كبيرة فى عدد النساء اللائى يخضعن بويضاتهن للتجميد نظرا لعدم وجود شريك ذكر لهن أو بهدف إنجاب طفل فى وقت لاحق من الحياة. وفى الإمارات نجح مركز دبى للأمراض النسائية والإخصاب، فى مساعدة مواطنة على الإنجاب باستخدام بويضة مجمدة، لتصبح أول حالة من نوعها على مستوى الدولة والخليج العربي.
العنوسة وأشياء أخرى
تعد العنوسة من أهم أسباب الإقبال على عمليات تجميد البويضات كما تروى إنجى مصطفى 33 سنة هذه الفكرة أقنعنى بها طبيب أمراض النساء الذى ذهبت إليه أشكو عدم انتظام الدورة الشهرية، ومن هنا أجرى لى عددا من التحاليل التى كشفت أننى أعانى من ضعف التبويض، ونظرا لكونى لم أتزوج حتى الآن، رحبت بالفكرة وكذلك والدى وأجريت العملية وتجدد أملى فى الإنجاب. أما بسمة مرشدى 35 سنة فتقول: أرى أن فكرة تجميد البويضات جيدة، لكننى أصاب بالذعر من دخول غرفة العمليات، وأرى أن الضرورة القصوى هى فقط ما يجبرنى على ذلك لذلك أفضل ترك المسألة للقسمة والنصيب ،بدلا من خوض تجربة لا تزال حديثة علميا، فلست بفأر للتجارب.
ومن المغرب جاء تعليق خديجة عبد المجيد على قبولها لعملية تجميد البويضات بعد أن قرأت الكثير من الأبحاث التى أجريت حولها ، قائلة: أرى سنوات عمرى تندثر أمامى ولا أملك قرارا حاسما فى الزواج، وذلك لأن عائلتى المتشددة تضع أمامى القيود ومع كل رجل يتقدم للزواج منى يصرون على المغالاة فى متطلبات الزواج، وقد بلغت عامى الستة والثلاثين وأنا غير مرتبطة، وحتى عندما ناقشتهم فى فكرة تجميد البويضات رفضوها أيضا خوفا من فقد العذرية، ولكننى خضت التجربة دون معرفتهم وغير نادمة على الإطلاق، لأننى أرى ذلك حقى الشرعى فى السعى وراء أمومتي. وأعلم جيدا أننى سأواجه أحداثا عصيبة عندما يوافقون على زواجى من أى شخص يتقدم للارتباط بى لأننى أعلم جيدا بأنه سيأتى على اليوم وينكشف سري، ولكن أراها مسألة شخصية وأنا من قررت خوضها وذهبت لطبيب النساء وأقدمت على العملية ولم يكن أمامى بديل، لأننى أعشق الأطفال ولا أتخيل حياتى بدون طفل صغير يغير مجرى حياتي.
وفى الإمارات كانت هناك محاولات كثيرة لتجميد البويضات من قبل فتيات اقتنعن بأنها حل منطقى لتفادى أزمات تقدم العمر بدون ارتباط، علية نبيل إحدى تلك الحالات، تقول: كيف للفتاة أن تعيش حياة طبيعية وهى تعلم أنها ستحرم من الإنجاب بسبب ظروف خارجية لا علاقة لها بها، ونحن فى الإمارات نعانى الآن من العنوسة بشكل كبير، لذلك راودتنى فكرة تجميد البويضات بعد النجاح الكبير الذى حالف أغلب العمليات فى العالم العربي. وبالفعل أقدمت على إجراء العملية وأدعو الله ألا يتقدم بى العمر بدون زواج وألا أجد نفسى مضطرة لإجراء هذه العملية مجددا فى حالة فساد البويضات الأولي، وهو أمر وارد وأنا شخصيا أقنعت أكثر من صديقة لى وخضن التجربة.
هدية العلم الحديث
ويعلق د . حسام فاهم، أستاذ أمراض النساء والعقم كلية الطب جامعة الأزهر، قائلا: عملية تجميد البويضات هدية قدمتها التكنولوجيا العلمية الحديثة لكثير من الفتيات، وبالفعل حققت نجاحا كبير، خصوصا أن الفتيات كلما تقدمن فى العمر تقل عندها عملية التبويض.
ويضيف فاهم: هناك حالة أخرى تصبح عملية تجميد البويضات منقذا لها، وهى حالة مريضات السرطان، لأن مريضة السرطان تتعرض للإشعاع بما يؤثر على البويضات. وبشكل عام ننصح الفتيات اللائى اقتربن من سن الثلاثين أن يتجهن إلى الدور التى تقوم بتجميد البويضات، للحفاظ على فرصتهن فى الإنجاب بشكل طبيعي.
ويتم تجميد البويضات خارج الجسم فى مادة تحافظ عليها من التلف فى أقسام معينة فى المستشفيات لأكثر من عشر سنوات عن طريق أدوية معينة نكتبها للفتاة لتنشيط المبيض، ثم نستخرج البويضات، وأغلب الحالات المقبلة على هذه العمليات من طبقة المثقفين وتتراوح تكلفة هذه العمليات من ثمانية إلى عشرة آلاف جنيه.
ويشير إلى أن المراكز التى يتم فيها إجراء هذه العمليات قليلة جدا، لأنها تعتبر تقنية جديدة وينصح الفتيات والعائلات بعدم السير وراء الشو الإعلامى الذى تتبعه بعض المراكز، بينما لا تحظى بالكفاءة الطبية ولكن لا بد من انتقاء أصحاب الكفاءة والخبرة والثقة.
ضرورة وليست موضة
وتتفق د. مها محمد شاهد، أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر، مع الرأى السابق وتؤكد أنها على الرغم من أهمية ونجاح هذه العمليات فإنها ليست موضة، وإنما هى مفيدة لمن هن بحاجة لها وتضيف قائلة: تأتى إلينا حالات لفتيات يواجهن مشكلات واضطرابات ويعانين من أن مخزون المبيض فى جسد الفتاة محدود وسريع التدهور، وهن مازلن فى مرحلة العشرينيات، وقديما كنا نرى حالة تعانى من ذلك وسط عشرين حالة أخرى سليمة، ولكن الآن أصبحنا نرى وتعرض علينا حالة أو حالتان أسبوعيا ومن هنا ننصح الفتيات بضرورة الفحص الطبى المستمر وإجراء تحليلين مهمين وهما تحليل مخزون مبيض وتحليل نسبة هرمونات.
وتشرح شاهد طرق استخراج البويضات من جسد الفتاة قائلة: بعد إجراء الفحوصات التحاليل لمعرفة الهرمونات ومخزون المبيض عند الفتاة يتم شفط البويضات وهى عملية غير سهلة خاصة بالنسبة للفتاة غير المتزوجة، لأن الشفط إما أن يكون عن طريق البطن بمنظار بطن أو إبرة خاصة من البطن أو يكون عن طريق المهبل، وهو ما يتسبب فى بعض القلق خصوصا للفتيات البكر لأنه قد يفقدهن العذرية ولكن بشكل عام خارج مصر يتم استخراج البويضات عن طريق المهبل أو الشفط من البطن والذى يتم من خلال منظار أو سونار مع إبرة وهو بحاجة لدقة شديدة. لكن شفط البويضات عن طريق المهبل أسهل كثيرا. وتضيف شاهد: تكلفة هذه العمليات ليست كبيرة لكنها فى غير مقدرة الجميع ولا بد أيضا من التوضيح بأن ليست كل البويضات يتم استخدامها بشكل ناجح بعد تفكيكها، فكل حالة تختلف عن الأخرى حسب المعمل الذى تحفظ به البويضة ومنها فى بعض الحالات ما يصبح غير صالح للاستخدام لذلك يجب على كل فتاة تجاوزت الثلاثين عاما وقبل أن تصل للخمسة والثلاثين ولا تزال بدون زواج أن تفكر فى عملية تجميد البويضات.
لا أساس علمي
من جانبه يرى د. أحمد الدوينى أستاذ أمراض النساء والتوليد، أن عمليات تجميد البويضات ليس لها أى أساس علمى، قائلا: كيف نتطرق إلى هذا المجال ونسير على طريق تجميد البويضات ونجهل وسائل الإخصاب المساعدة على الأقل لها داعى وسبب طبي.
التقاليد أهم العقبات
تعد المغرب من البلدان العربية التى يتراجع فيها الإقبال على عملية تجميد البويضات لعدة أسباب، حيث يقول الطبيب المغربى الحسين أمنصاك، اختصاصى فى طب النساء والتوليد بمدينة تارودانتجنوب المغرب: تلك العملية يجب أن تتم فى بضع دقائق بهدف المحافظة على شكل البويضة، ثم تحفظ فى درجة حرارة منخفضة جدا، وعندما ترغب المرأة لاحقا بالإنجاب، يذاب ثلج البويضة ويتم تخصيبها وليس فقط غير المتزوجات من يلجأن إلى هذه العملية، بل أحيانا المتزوجات خصوصا النساء الموظفات أو العاملات. وهناك مراكز خاصة محدودة جدا تجرى هذه النوعية من العمليات وتتمركز فى المدن الكبرى كمراكش والدار البيضاء وأكادير. ويعد الإقبال على هذا النوع من العمليات فى المغرب محدود جدا لدى الفتيات، وذلك لارتفاع تكلفة العملية التى تتجاوز فى المتوسط 30 ألف درهم مغربية. وفى معظم العمليات التى أجريت فى المغرب، يفرض الطبيب على المرأة إجراء هذه العملية عندما تعانى من بعض الأمراض أو الأورام السرطانية. وعن إقبال الفتيات اللواتى وصلن إلى سن متقدمة أكثر من 35 سنة مثلا يؤكد الطبيب المغربى أن عددهن قليل جدا مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى، نظرا لارتفاع ثمن الدواء وتكلفة العملية الباهظة ليبقى العدد محدود جدا، هذا بالإضافة إلى ثقافة المجتمع المغربى الذى لا يزال غير منفتح فيما يخص مسألة التعاطى مع ظاهرة العنوسة التى تشكل وصمة عار للفتاة ولأسرتها وينعتونها ب (البايرة) حسب التعبير الشعبى المغربى الذى قد يؤثر فى مسألة الإقبال على مثل هذه العمليات. هذا إلى جانب أسباب ترتبط بالقيم الدينية والأخلاقية قد تعتبر عملية الإنجاب مسألة قضاء وقدر لا يجب التدخل فيها.
وبالرجوع إلى القانون المغربي، نجد أن المشرع لم يصدر بعد نص قانونى يؤطر هذه العملية، لكن حسب البحث الذى قمت به فى هذا السياق توصلت إلى أن هناك بعض المقترحات معروضة الآن أمام البرلمان المغربى تنظم هذه العملية وسيصادق عما قريب البرلمان على القانون الإطار المنظم لمثل هذه العمليات ومن الممكن أن تدخل إلى المستشفيات العمومية بالمغرب. ويعلق المغربى محمد الهراق رئيس جمعية الشباب للثقافة والتنمية بتارودانت: لقد أصبح العزوف عن الزواج خطرا يهدد البنية المجتمعية فى المغرب، والأرقام اليوم أصبحت تصدمنا جميعا نحو ثمانية ملايين عانس ومن هنا كانت عمليات تجميد البويضات ظاهرة إيجابية، خصوصا بالنسبة للمرأة وأحيانا التى قد تلجأ إلى هذه العملية لتنظيم الأسرة وتحديد النسل. ويؤكد الهراق: عدم وجود مراكز كثيرة متخصصة فى المغرب لإجراء هذا النوع من العمليات.