بسنت فهمى: جزء كبير من قطاع المهن الحرة يتهرب من سداد الضرائب هانى توفيق: 400 مليار جنيه هدر فى المتحصلات الضريبية بسبب نقص الكفاءات
تهدف الموازنة الجديدة التى أقرها مجلس النواب أخيراً إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، وهى أولا: خفض العجز، ثانيا: المحافظة على برامج الحماية الاجتماعية، ثالثا: تحقيق معدل النمو المستهدف. وأكد وزير المالية د. محمد معيط ضرورة خفض عجز الموازنة حتى تستطيع الحكومة خفض التضخم، فعندما ينخفض التضخم ينخفض تلقائيا حجم الدين الذى يتراوح الآن ما بين 35 % إلى 40 % من قيمة الموازنة. وقدرت وزارة المالية الاحتياجات التمويلية لسد عجز الموازنة للعام المالى الجديد 2019/2018 بنحو 714.63 مليار جنيه، وأوضح البيان التمهيدى على موقع وزارة المالية لموازنة 2019/2018 أنه سيتم سد هذا العجز عن طريق مصادر تمويل خارجية، يصل إجماليها إلى 203.42 مليار جنيه، منها 70 مليار جنيه من صندوق النقد الدولى، وإصدار سندات دولية ب 128 مليار جنيه، وقرض من ألمانيا بقيمة 4.370 مليار جنيه، وقرض آخر من فرنسا بقيمة 1.050 مليار جنيه. وسيسهم التمويل المحلى بالنسبة الأكبر فى سد عجز الموازنة، بنحو 71 %، بإجمالى 511.20 مليار جنيه، تقسم على إصدار أذون خزانة بنحو 409.6 مليار جنيه، وسندات خزانة بنحو 101.6 مليار جنيه، وتهدف الحكومة من خلال موازنة العام المالى الجديد إلى خفض مستويات الدين العام لنسبة الناتج المحلى الإجمالى من 98 % للعام المالى الحالى 2018/2017 إلى 94 % للعام المالى المقبل 2019/2018 . ويعلق هانى توفيق، الخبير الاقتصادى، على رقم العجز فى الموازنة الجديدة للدولة، بأنه رقم فلكى، مشيرا إلى أن عجز الموازنة نحو 540 مليار جنيه، ومع إضافة أقساط وفوائد خدمة الدين تصل إلى نحو 700 مليار جنيه، وهو رقم لم تصل إليه مصر سابقا، ويرى أن هناك هدرا فى المتحصلات الضريبية نحو 400 مليار جنيه، نظرا لعدم وجود كفاءات ضريبية فى مصلحة الضرائب. أما بسنت فهمى، الخبيرة الاقتصادية وعضو مجلس النواب، فتقول: إن إعلان وزير المالية أنه لأول مرة تحقق الموازنة العامة فائضا أوليا 2 %، ليس مقياسا لأى شىء، فهو رقم يوضع فى الموازنة فى الأول، وهو ينتج عن مجمل الإيرادات مطروحا منه رقم الإنفاق وليس كل الإنفاق. أما بالنسبة لعجز الموازنة، فترى أن الاقتصاد المصرى أكبر بكثير مما هو محسوب حاليا، فإجمالى الناتج القومى الحالى هو يشمل فقط الاقتصاد الرسمى، وهذا ليس كل الاقتصاد المصرى، فهناك الاقتصاد غير الرسمى، وهو يقدر بنحو 40 % من الاقتصاد الرسمى، وهى ترى أن خطوة الشمول المالى خطوة جيدة، لكنها ليست كافية، لأن البنوك التجارية والاستثمارية ليست كافية، فلا بد من تأسيس بنك متخصص للتمويل متناهى الصغر. وترى أن هناك هدرا وتفريطا فى حق الدولة فى المتحصلات الضريبية، فهناك قطاع المهن الحرة فى الضرائب على الأفراد كالأطباء والمهندسين والمحامين والمدرسين وغيرهم، وترى أن الكثير منهم ليس لديهم الحس الوطنى ويتهربون من سداد الضرائب، ولا بد أن تغلظ العقوبات على المتهربين من سداد الضرائب المستحقة عليهم، وترى أن الفساد آفة منتشرة فى أغلب القطاعات، وتضرب مثلا بالسيدة التى ألقت الرقابة الإدارية القبض عليها مقابل رشوة 400 ألف جنيه، لكى تسقط 27 مليون جنيه من على الراشى وهى حق الدولة. وترى ضرورة تعظيم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتتساءل: لماذا لا يتم تفعيل هذا القانون لأنه سيحقق إيرادات للدولة؟ ولماذا لا تدخل الدولة شريكا صامتا بالأرض بدلا من إعطائها للمستثمرين بأرخص الأثمان؟ كل هذا يعظم إيرادات الدولة ويساعد على تقليل عجز الموازنة. أما الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ومساعد الرئيس التنفيذى لصندوق النقد الدولى سابقا، فيرى أنه لا بد من خفض عجز الموازنة، لأنه المحدد الأساسى لعلاج الاختلالات الماية، ولا بد من تلجيم الخلل المالى وتقليل الفجوة بين النفقات العامة والإيرادات العامة. هذا بصرف النظر عن كون هذا طلبا من خبراء صندوق النقد الدولى أم لا، لأن استمرار عجز الموازنة تترتب عليه اختلالات نقدية وخلل فى ميزان المدفوعات، ويزيد التضخم فى المجتمع. لهذا فإنه لا بد من عمل إصلاحات هيكلية مالية فى كلا الجانبين من الموازنة، وإصلاح هيكل الضرائب وإصلاح هيكل الإنفاق والدعم، وبالتالى فإن معالجة عجز الموازنة مركزى لأى إصلاح مالى، وتترتب عليه إصلاحات هيكلية. وللحقيقة، مصر مرت بسنوات عجاف منذ 2011 حتى منتصف 2014، وكل مصادر التمويل توقفت، ما عدا عائدات قناة السويس، ولكى يشعر الناس بالتحسن الاقتصادى فى حياتهم اليومية، لا بد أن يكون معدل النمو الاقتصادي، ضعف معدل نمو المواليد، الذى وصل فى مصر إلى 2.5 %، فى حين كان معدل النمو الاقتصادى لا يزيد على 2 %، أى أن هناك نمو بالسالب 0.5 %، ولكى ننمو بمعدل 5 %، لا بد من زيادة الاستثمارات بنسبة 18 % من الناتج المحلى الإجمالى، فى حين كانت المدخرات لا تزيد على 13 %، أى أن الفجوة التمويلية ما بين 5-7 %. ومن هنا كان اللجوء إلى الاقتراض من العالم الخارجى، والذهاب إلى صندوق النقد الدولى، وتمت الموافقة على برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، وأؤكد أنه مصرى، وضعه خبراء مصريون، خصوصا أن هناك قرارا اتخذ فى الصندوق بعدم وضع برامج لأى دولة بعد الأزمة المالية العالمية فى عام 2008، لكن يقوم الصندوق بالموافقة على الخطة الخاصة بالإصلاح الهيكلى التى تضعها الدول، وإذا تمت الموافقة عليها تتم مراجعتها بشكل دورى، وقبل إعطاء شريحة القرض، ويطالب خبراء الصندوق بضرورة التأكد من أن برامج الحماية الاجتماعية كافية، خصوصا بعد خروج الناس من دول المنطقة بعد ثورات الربيع العربى. ولدى الصندوق فئتان من المعايير لقياس الأداء، وهما معايير الأداء الكمى ومؤشرات الأداء الهيكلى، بالنسبة لمعايير الأداء الكمى، فقد وضعت الحكومة معدل نمو يصل إلى 4.8 % فى نهاية السنة المالية المتنهية، فى 30 من يونيو الماضى، لكن فى بداية مراجعة الصندوق الثالثة التى تمت أخيرا، تم الإقرار بأن الاقتصاد المصرى يحقق معدل نمو يصل إلى 5.2 %. وفى المراجعة السابقة، أى قبل ستة أشهر، أن يصل معدل البطالة إلى 11.3 %، لكن فى نهاية الموازنة الحالية يصل إلى 10.6 %، فقد كنا نتحدث عن 3.3 مليون عاطل قبل ستة أشهر، فقد تم توفير 300 ألف فرصة عمل، بالإضافة إلى توفير 500 ألف فرصة عمل للمنضمين الجدد إلى سوق العمل، أى أنه تم خلق 800 ألف فرصة عمل، وهذا أمر جيد. وأخيرا كان معدل التضخم فى المراجعة قبل الأخيرة، أى قبل ستة أشهر 11.9 %، لكنهم عدلوا هذه النسبة فى المراجعة الأخيرة إلى 10.6 %، بعد أن كان 34 % فى أعقاب قرار تحرير سعر الصرف. صحيح أن معدل التضخم يصل إلى 10.6 %، أى أن هناك زيادة فى الأسعار بتلك النسبة، لكنها أقل حدة مما كانت عليه. وإذا نظرنا إلى الاحتياطى النقدى، فنجد أنه وصل إلى 44 مليار دولار، وهذا يغطى استيرادنا لمدة ثمانية أشهر، والأهم هو أن سعر الصرف مستمر عند 17.70 جنيه لكل دولار، والاستقرار مهم للاستثمارات، وللصناع الذين يستوردون مستلزمات الإنتاج. ويبقى عجز الموازنة هو التحدى وتعزيز وتقوية برامج الحماية الاجتماعية، ويصل عجز الموازنة فى السنة المالية الحالية المنتهية فى يونيو الماضى إلى 9.8 %، وتهدف الحكومة أن تخفض نسبة العجز إلى 8.5 % فى الموازنة الجديدة وهذا صعب، لأن الموازنة الجديدة تم عملها على سعر البرميل من البترول 67 دولارا، لكنه اليوم تخطى سعر البرميل من البترول 78 دولارا، وهذا سيزيد عجز الموازنة العامة، وكل دولار زيادة فى سعر البرميل يزيد الدعم الموجه لدعم الطاقة 4 مليارات جنيه، وبالتالى فإنه لا بد من النظر فى سعر برميل البترول المحسوب على أساسه الموازنة العامة. فسعر البترول متغير دوليا، لا تستطيع الدولة السيطرة عليه، ووصل دعم المواد البترولية فى الموازنة الحالية إلى 120 مليار جنيه، وفى الموازنة المالية الجديدة تم تخفيضه إلى 90 مليار جنيه، لأنه سيتم رفع أسعار البنزين والسولار والديزل. أما بالنسبة للمعيار الثانى، وهو مؤشرات الأداء الهيكلى، ويشمل التشريعات وشركات قطاع الأعمال العام، وأن أربعة بنوك ستتم خصخصتها جزئيا، وتحسين سوق العمل، وتبقى شبكة الحماية االجتماعية هى الأهم، فالموظفون فى الدولة تتم زيادة رواتبهم سنويا، وكذلك الحالة بالنسبة للمعاشات التى تزيد بنسبة 15 % سنويا، لكن الحكومة لا تستطيع التحكم فى شريحة فى القطاع الخاص غير الرسمى وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. والذين تقدرهم وزارة التخطيط ب 40 % من الشعب المصرى، وهو القطاع غير الرسمى، وهذا القطاع غير الرسمى الذى لا تستطيع الدولة رفع رواتب العاملين فيه، ولا توجد قناة تصل بها الحكومة إليهم سوى البطاقات الذكية التى يأخذون بها التموين والخبز، وهناك اقتراح أن تمنح الحكومة ميزة ضريبية لتلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكى ترفع رواتب العاملين فيها بشكل مباشر، لكن هذه الميزة قد تؤثر على إيرادات الضرائب، وهذه هى نقطة الضعف الموجودة فىالغلاء الموجود الآن. ويتابع صندوق النقد الدولى ما يحدث فى برامج الحماية الاجتماعية، خصوصا بعد الثورات التى حدثت فى المنطقة العربية، لكن فى نفس الوقت يريد أن يزيد الناتج المحلى الإجمالى، وأن يكون النمو شموليا، أى يمتد إلى كل المجتمع، لأنه فى أيام مبارك كان هناك معدل نمو اقتصادى مرتفع يصل إلى 7 %، لكن لا يشعر ولا يستفيد به جميع أفراد المجتمع، لكن المحيطين بمراكز اتخاذ القرار فقط..ولا بد من زيادة كفاءة الضرائب، فالضرائب على المهن الحرة كانت 150 مليونا، ثم وصلت إلى 700 مليون، ومخطط لها أن تصل فى الموازنة الجديدة إلى مليار ونصف المليار جنيه، فى حين أنها يجب ألا تقل عن خمسة مليارات جنيه، وكذلك لا بد من إعادة النظر فى ضريبة الدخل على الشركات، فلا بد من عمل شرائح على ضرائب الأرباح. وفى مشروع الموازنة المالية الجديدة 2019/2018، وصلت إيرادات الدولية إلى 990 مليار جنيه متحصلات ضريبية وغير ضريبية، فى حين يصل الإنفاق إلى تريليون و432 مليار جنيه، أى أن العجز 442 مليار جنيه، وإذا تمت قسمته على الناتج المحلى يصل العجز إلى 8.4 %، لكن بشرط أن تعدل الدولة سعر برميل البترول فى الموازنة حتى لا تزيد نسبة العجز على العجز المستهدف.