الأهرام العربى - ملك فيروتيكا لوبيز، مواطنة إسبانية تخصصت فى علم المصريات، الذى قادها لعشق مصر وطنا وشعبا، أسلمت منذ عامين، وأردات أن تحكى قصتها مع الإسلام، ولذا أرسلت هذه الرسالة إلى «الأهرام العربى» لأنها على حد قولها هى المجلة التى تخاطب جميع العرب، الذين يشكلون غالبية المسلمين. «الأهرام العربى» تنشر هذه الرسالة لتفتح بابا للحوار غاب عنا جميعا، هو الحوار مع «المسلم الآخر»، المسلم الذى ينتمى لأوطان ومجتمعات لها حضارات وثقافات مختلفة، ويجد نفسه مختلفا عنا فى فهم الإسلام، خصوصا أن كثيرا منهم يرون أن المسلمين بالوراثة بعيدون جدا عن الجوهر الحقيقى للإسلام، وهو ما جعل مفكرا كبيرا مثل رجاء جارودى يقول:«الحمد لله أننى عرفت الإسلام مثل المسلمين» وقبله بسنوات طويلة، قال الإمام محمد عبده «فى أوروبا وجدت إسلاما بدون مسلمين، وهنا مسلمون بدون إسلام». ذات صباح من أغسطس 2010 مشيت فى شوارع القاهرة مصطحبة الكاميرا الخاصة بى أحاول التقاط أى إشارة لروح القاهرة، ومضيت إلى مسجد وغطيت شعرى بحجاب وخلعت حذائى، كانت تلك المرة الأولى التى أدخل فيها مسجدا لأجد قلبى يقفز فى داخلى، إذ فاضت العظمة ونسيت أمر الكاميرا، كانت عينى هى آلة التصوير وبدأ قلبى يشعر ويرى أشياء لم يكن بوسعى تفسيرها لا أعلم فى أى لحظة شعرت باحتياج قوى لأن أركع وأن أسمو على جسدى، أودعت كلتا يداى على جانبى رأسى لتسجد رأسى بحركة بطيئة على سجادة المسجد، تحول إلى ثلج وبدأت أشعر وكأنما برودة مكثفة تملأ كل بدنى، برد لطيف وجميل ينعش جسدى ويملأنى بالسلام. وبينما أمضى بعيدا عن الواقع تركت روحى جسدى لتبدأ فى التحليق، والتحليق أخذنى إلى الله، فى ذلك اليوم عرفت ما تعنيه كلمة «الجنة». انطلقت للشارع لأرى أصدقائى من المسلمين وقلت لهم إننى أريد أن أكون مسلمة، ضحكوا فحسب وقالوا لى أنت مجنونة، وإنه من المستحيل لامرأة مثلى ألا تكون مسلمة استشعرت من بعدها الحزن لكن لبضع ثوان، لأن عينى تعلقت بمدخل المسجد ووعدت قلبى من داخلى أن أعود للصلاة ذات يوم فى نفس المسجد، لكن هذه المرة كمسلمة حقيقية. لقد أمضيت عاما طويلا وشاقا كى أتعلم، فى محاولة لإيجاد معلومات معتمدة على نفسى، أحاول أن أتعلم الصلاة بعيدا عن مصر وعن أى مسلم ودون أن أسمع نداء الصلاة. لكن الله أودع فى قلبى بذرة ظلت تنمو كل يوم أكثر فأكثر محولا إيمانى إلى شجرة عظيمة متشابكة الأغصان جميلة الثمار. وفي صيف 2011، صمت رمضان كاملا، كان صعبا للغاية، عائلتى فى إسبانيا ظنت أننى مجنونة، لكن فى سبتمبر 2011، ارتحلت للقاهرة من جديد، هذه المرة جئت بفكرة أن أذهب إلى الأزهر، وأن أقول للجميع إننى عدت وإننى كنت تائهة طيلة كل هذه السنوات، وإننى يا أخوتى قد عدت. هذا العام الفائت كان ممرا صعبا يمتلىء بالعقبات، لقد اقتربت من المسلمين كالنحلة التى تبحث عن الرحيق فى الأزهار كنت فى احتياج لأن أتعلم أكثر وأكثر، التقيت الطيبين والأشرار، كانوا أحيانا ما يجعلون الإسلام مخيفا بالنسبة لى. لكننى اكتشفت أن الإسلام هو شىء ما يوجد بداخل كل إنسان، الإسلام شعور، شعور بالسلام والحب هو رقصة جميلة ما بين الحياة واكتمال الروح، لقد بث الله رسائل عدة إلى ثنايا قلبى، والبعض اعتقد فى ذلك اليوم أنه لا تفسير لحالتى، لكن كان هناك شيئ كبير، شىء يجعلنى أطير مع كل ركعة، وصرت حينما أستمع لنداء الصلاة، أرقب الناس وأقول لهم «ياللا» هلموا إلى الصلاة، فالله يناديكم الرب ينتظر باسطا يديه ليأخذكم معه لبضع دقائق، أترفضون هذه النعمة. كانت عيناى تفيض بالدمع مع كل ركعة، أطير أفارق جسدى وأذهب للقاء الرب، الصلاة ليست فحسب قاعدة فى الإسلام وهى ليست إذعانا (التزاما)، الصلاة نعمة إلهية للسفر للقائه، ولأن يشعر المرء لبضع دقائق بالجنة التى تنتظرنا عندما يحل الموت، الرب يخبرنا عن الجائزة فى كل يوم، لكن فقط الشخص الذى يعرف ذلك قد يذهب فعلا للجنة مع الملائكة، إن المسلمين فى احتياج لأن يكونوا أمناء على أنفسهم وألا يكذبوا، فالإسلام يتقبل كل الثقافات وكل الشخصيات، لكن الناس منشغلون بقواعد الإسلام وبالمحرمات وهم يحاولون فحسب المناورة لحيازة القوة بين أيديهم، برغم أن الإسلام لا يستعبدنا، فالإسلام حرية، حرية أن تحصل على الحب والعطف الذى يحويه كل كائن بشرى بداخله إن الذى يولد مسلما هو شخص أمين وطيب، وهو ذلك القريب إلى الله. حلمى تملأ سورة «يس» كل جزء من قلبى، وهى السورة التى تملأ أيامى، ففى كل يوم فى صلاتى أتلو جزءا من هذه السورة، كانت أول صلة لى بسورة «يس» من خلال كتيب، كان كتيبا قديما بصفحات ممزقة بحروف عربية لم أكن أفهمها ولكننى استشعرت من قلبى أن ما به مهم، وظللت أحمله معى وعندما بدأت أتعلم اللغة العربية لاقرأ القرآن كنت أنظر لسورة «يس»، وذات يوم اكتشفت أن الكتاب الصغير الذى كان يلازمنى هو سورة «يس». وجدت مسلما وافق على أن يكون معلما لى فى قراءة القرآن، كنا كل يوم نقرأ القرآن معا، فأغلق عينى وأضع يدى على وجهى، شعرت بالحب وبتعاليم الله فى كل كلمات القرآن، لم أكن أفهم العربية، لكن قلبى كان يتحول إلى مترجم، لأن كلام الله يصل لكل من يريد أن يفهم بصرف النظر عن اللغة. وذات يوم وعندما كان معلمى يقرأ مجددا سورة «يس»، غططت فى نوم عميق، وكأن عقلى قد انقطع عن العالم الحقيقى، وكأننى تحت تأثير مخدر قوى، إن حلمى لا يزال حبا فى ذاكرتى وكأنما حدث اليوم، كنت أمضى فى شارع قديم، شارع يغمره ضوء ذهبى أرضيته من رمال وكانت هناك بيوت على جانبى الشارع وعلى جدرانها خزف ينعكس ضوء الشمس منه ما منحنى ضوءا دافئا، مضيت مسرعة لأننى كنت أعرف مقصدى بعد المشى لبضع ثوان، فدخلت بيتا ثم توقفت، كان الباب البنى الكبير يفضى إلى نافذة جميلة. النافذة الكبيرة كانت عالية، مصنوعة من خشب بنى غامق وبضع كريستالات صفراء معشقة، كان كل شىء يبدو عتيقا لكن بعبق من القدم الأنيق. لمست يدى زجاج النافذة مرة، فتوقفت أنفاسى وعندما فتح رجل النافذة كان طويلا وتركت رأسى تتطلع إليه كانت ملابسه قديمة، من الأخضر الفاتح بلون أوراق الشجر فى الخريف، كان رأسه بقماش من نفس لون ملابسه، له لحية مهذبة تبدو قاتمة من المركز وترتفع بالشعر الأبيض من الجانبين وعيناه يا ربى كانت عيناه عميقتين برموش سوداء ملحوظة طويلة ومنمقة وبنظرة مركزة شلت قلبى بخليط من الخشوع والفرح.نظر إلىّ وبصوت عميق قال: ماذا تحتاجين؟ قلت بالعربية (وأنا لا أعرف الكلام بالعربية لكن فى منامى تكلمت بعربية سليمة)، قلت: من فضلك أريد أن أفهم فابتسم وأنار وجهه بنور جميل وبصوت عميق رد: سأعلمك البدايات. بدأت أتلو سورة يس، ونظرت إلى عينيه وعندما كنت قد قرأت آيتين أو ثلاث، فجأة أفقت من منامى، كان معلمى قد فرغ من قراءة سورة يس، فنظرت إلى وجهه بكثير من الخجل يا ربى لقد كنت نائمة، حاولت الاعتذار قلت إننى لم أكن غافية لكننى كنت بالفعل نمت، فضلا.. سامحنى. شعرت بالحيرة وبأننى دائخة قليلا، أفكارى كانت مشوشة وكأن أحدهم أيقظنى فجأة من حلم استمر لساعات طويلة دون أن أفهم ما الذى حدث. قلت لمعلمى: إننى تحدثت مع رجل ليساعدنى على قراءة القرآن بشكل صميم وسألنى عن الكيفية التى كانت لهذا الرجل فشرحت له حلمى، فقال لى المعلم: لقد حلمت بمحمد صلى الله عليه وسلم. أتذكر دائما الرسول صلى الله عليه وسلم، خصوصا بعد ذلك الفيلم المسىء، التافه ولا أفهم ردود الأفعال العنيفة التى يقوم بها المسلمون، لأنها ببساطة بعيدة عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه. إن علينا أن نوقف هذه الحرب التى يستشعرها كل مسلم بداخله، إن النبى محمداً صلى الله عليه وسلم لم يحمل سلاحا للدفاع عن معتقداته سلاحه كانت الكلمة والسلام وليس إراقة الدم. الإسلام سلام، فالمؤمن يشعر بالإسلام فى أعماق القلب يستخدم يديه ولسانه فقط ليمنح السلام، والحقيقة هناك حديث مشهور عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان مثالا حيا للسلام لم يستخدم العنف الجسدى أو اللفظى وقد حرم علينا استخدام العنف ضد أى مخلوق. لقد عفى النبى عن أعدائه عندما دخل مكة وبذلك التوجه علمنا اللاعنف، كان سلاحه هو الحقيقة غير المسلمة (المجردة) وكان قلبه هو الراية وهو ما نزع سلاح أشرس أعدائه، ولم يسمح النبى لأتباعه بالانتقام أو استخدام القوة. إن الغضب والمهانة هما هدية أعدائنا، الحل هو ألا نتقبل أبدا هدية بهذه القذارة تسمم قلوبنا وعلينا ألا نسلك سلوك أعدائنا، بل نخالفهم، إذ علينا أن نظهر كرامتنا وبمقابل الاستفزاز أن نظهر ثباتنا، وبذلك تظل أيادينا وقلوبنا نظيفة قبل يوم الفصل النهائى (يوم القيامة)، ذلك اليوم الذى نذهب فيه إلى الله، ليسألنا عما فعلناه بأيدينا وألسنتنا.