شراكة إستراتيجية بين القاهرةوبروكسل فى مجال الطاقة ظل مستقبل النفط والغاز فى مصر غامضاً خلال السنوات الماضية، لكن الأمر سرعان ما تغير بعد برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تبنته الحكومة المصرية، وكان أبرز قراراته ترشيد الدعم عن الطاقة، وجاء هذا بالتزامن مع اكتشافات الغاز الطبيعى الهائلة فى حقل “ظهر” الذى يمكنه تحويل مستقبل الصناعة فى مصر بشكل كبير. وبعد أكثر من عقد كانت مصر مستورداً رئيسياً للطاقة، فإن مصر تشهد حالياً مرحلة من الازدهار فى صناعة النفط لم تحدث من قبل. وفى الوقت نفسه، كشف مركز “هارفارد” للتنمية الدولية عن أن مصر ستصبح ثالث أسرع دول العالم نموا خلال العقد المقبل بنسبة نمو ستصل إلى 6.63 %، وجاء هذا وفق أحدث توقعاته الخاصة بالنمو العالمى، والتى تتضمن الاقتصادات العالمية المتوقع أن تنمو بأسرع معدل بحلول عام 2026. وأظهر الاتحاد الأوروبى - الذى يراه معظم المحللين أنه البوابة الرئيسية للاستفادة من الاكتشافات المصرية الجديدة - اهتماماً متزايداً بمشروعات تطوير النفط والغاز الحالية والمستقبلية فى مصر مع توافر البنية الأساسية المطلوبة من مصانع الإسالة والموانئ وشبكات خطوط الغاز بالإضافة للموقع الإستراتيجى. حيث أكدت زيارة مفوض الاتحاد الأوروبى للطاقة “ميجيل أرياس كانيت” الأخيرة لمصر اهتمام “بروكسل”، مشيراً إلى أن هناك الكثير من المكاسب المتوقعة من التعاون المشترك، من حيث الوصول إلى مصادر جديدة للطاقة وفرص السوق للمواطنين والشركات الأوروبية والمصرية على حد سواء. وكشف تقرير نشره موقع “أويل برايس” أنه سيتم قريباً توقيع شراكة إستراتيجية جديدة للطاقة بين “القاهرة”و”بروكسل” مع بحث الخيارات المتاحة أمام “القاهرة” لتصبح موردًا رئيسيًا للغاز لأوروبا، حيث يخوض التكتل الموحد معركة شرسة على عدة جبهات لتغطية احتياجاته من الطاقة. كما أكد “كانيت” أن مصر باتت مركزًا مهمًا للغاز والكهرباء وقادرة على تحسين تأمين التزامات الاتحاد الأوروبى من الطاقة، ووقع المفوض الأوروبى للطاقة على مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية ستستمر من عام 2018 إلى عام 2022. وأشار إلى أنه من الممكن أن يتم إتاحة 3.8 مليار يورو دعم مالى من المؤسسات المالية الأوروبية لمشروعات ملموسة على أرض الواقع فى ظل تحول مصر نحو جعل قطاع الغاز من أكثر القطاعات الجاذبة للاستثمار من جانب الشركات المعنية. وأضاف أن العديد من الأنشطة البحثية تسهم فيها الشركات الأوروبية وأن الاتحاد الأوروبى سيستمر فى دعم مصر لتصبح مركزاً إقليمياً للغاز فى ظل استخدام محطات إسالة الغاز فى كل من إدكو ودمياط لتصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية. وتتضمن مذكرة التفاهم نقاطا أساسية تشمل تقديم مزيد من المساعدة لتطوير قطاع النفط والغاز إلى جانب الدعم المستمر لإصلاحات قطاع الكهرباء، كما سيزداد التركيز على الطاقة المتجددة. ويأتى هذا بهدف دعم تطوير قطاع البترول والغاز واستمرار الدعم لإصلاحات قطاع الكهرباء، إلى جانب تطوير مركز تداول الطاقة، وتحقيق المزيد من الدعم فى مجال الطاقة المتجددة من خلال معايير ومشروعات مشتركة، فضلاً عن دعم إضافى لإستراتيجيات وسياسات وتدابير كفاءة الطاقة عبر مختلف القطاعات، ودفع التعاون فى المجالات التكنولوجية والعلمية والصناعية فى مجال الطاقة. وفى عام 2008 تم توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي، وهذه الاتفاقية التى تم توقيعها مؤخراً هى تجديد للشراكة، واستهدفت بدء الشركات الأوروبية أعمال التنقيب عن البترول. ولم تكن السنوات الماضية تشهد أفضل أشكال التعاون بين الاتحاد الأوروبى ومصر، لكن يبدو أن هذا قد تغير الآن بدعم من العديد من اكتشافات الغاز الرئيسية فى البحر الأبيض المتوسط والتعاون المتنامى بين مصر وقبرص. ويعتبر اكتشاف وتطوير حقل “ظهر” البحرى - الذى يقدر مخزونه بحوالى 30 طنًا متريًا من الغاز - عاملاً رئيسًا فى تحسين العلاقات، حيث لا يقتصر تطوير الحقل على شركة “إيني” الإيطالية الرائدة فى مجال النفط والغاز ولكن هناك شركات أوروبية أخرى مثل “شل” و”بى بي” اللتين تملكان حصة فى المشروع العملاق. وبالنسبة لمصر، فإن العلاقة مع الاتحاد الأوروبى مهمة للغاية، فلا يقتصر دور التكتل الموحد على كونه مستورد ومستهلك الغاز الوحيد القابل للاستمرار خلال السنوات المقبلة، ولكن أيضاً فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا والتمويل من الشركاء الأوروبيين فى قطاع النفط والغاز فى مصر، بالإضافة إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة الذى يعد أمراً حيوياً وفى غاية الأهمية. ولن يخفف قطاع الطاقة المتجددة النشط بعض الضغط على أسواق الطاقة المحلية فى البلاد فحسب، بل سيوفر أيضًا كميات إضافية من الغاز والنفط ليتم تصديرها بالعملة الأجنبية. أما بالنسبة لأوروبا، فإن الدور المصرى فى قطاع الغاز الطبيعى مهم ليس فقط بسبب حقيقة أن «بروكسل» لا تزال ترغب فى زيادة تأمين إمدادات الطاقة من خلال تنويع مصادرها، ولكن أيضاً كرد فعل على التراجع الهائل فى إنتاج الغاز البرى الأوروبي، حيث سيتم إغلاق حقل غاز “جرونينجن” الهولندى تماماً بحلول عام 2030. وفى الوقت نفسه، فإن العامل الأساسى يكمن فى أن مصر تلعب دوراً محورياً لتحقيق الاستقرار فى شرق البحر المتوسط ، حيث تواجه قبرص العضو فى الاتحاد الأوروبى صراعاً عسكرياً متزايداً مع جارتها تركيا. وسيكون التصدير المصرى القبرصى الإسرائيلى المشترك مع الاتحاد الأوروبى هو الخيار المجدى والتجارى جذريًا مع زيادة الاستقرار فى المنطقة أيضًا. وشدد وزير البترول “طارق الملا” على أن مصر تهدف إلى تعزيز الاستثمار الأجنبى فى قطاع النفط والغاز، وتبلغ مستويات الاستثمار المستهدفة نحو عشرة مليارات دولار فى السنة المالية 2018-2019. وأكد رئيس الوزراء المهندس “شريف إسماعيل” على تطلع مصر للتعاون مع الاتحاد الأوروبى فى مجال الطاقة، مشدداً على أهمية التعاون التكنولوجى والعلمى والصناعي، وكذلك الاستفادة من خبرة الاتحاد الأوروبى فى مجال رفع القدرات. وأوضح أن مصر أصبح لديها كل الإمكانيات اللازمة لأن تتحول إلى مركز إقليمى للطاقة، لافتا النظر إلى أهمية تطوير الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى على نحو أكثر تقدماً بما يؤكد تنامى دور مصر فى هذا المجال وأهمية الاستفادة من الخبرات الفنية للاتحاد الأوروبي. ومن أجل دعم زيادة إنتاج النفط والغاز فى السنوات المقبلة، قال: الملا فى السابع عشر من إبريل أنه سيتم بيع عشر أو إحدى عشر قطعة استكشاف للنفط والغاز فى البحر الأبيض المتوسط بالمزاد العلني. وستستهدف معظم المشروعات استثمارات أجنبية من المتوقع أن تأتى من شركات النفط والغاز العالمية الموجودة بالفعل فى مصر أو شركات جديدة روسية وصينية وعربية. وتهدف مصر إلى زيادة إنتاجها من الغاز من الحقول المكتشفة حديثًا والتى تشمل الأصول الضخمة فى “ظهر” التى اكتشفتها “إيني” الإيطالية فى عام 2015. ولن تتم مشروعات الاستكشاف الجديدة حصريًا فى البحر الأبيض المتوسط، حيث سيتم التركيز بشكل أكبر على التنقيب البحرى فى البحر الأحمر خلال السنوات المقبلة، ومن المتوقع أن يزداد الاهتمام الدولى والرغبة من جانب شركات النفط والغاز فى الاستثمار مرة أخرى فى مصر خلال العام الحالي. ويأتى هذا فى حين أعلنت “إيني” عن اكتشاف بترولى فى منطقة جنوب غرب مليحة بالصحراء الغربية على بعد 103 كيلومترات شمال واحة سيوة أُطلق عليه اسم “فاجور” الأسبوع الماضي، وذلك فى أول بئر تحفرها الشركة لاستكشاف الطبقات الجيولوجية العميقة بالمنطقة. ومن جانبه، أكد وزير البترول على أن أهمية الكشف ترجع إلى عدة عوامل فى مقدمتها النجاح فى اختبار طبقات جيولوجية جديدة على أعماق تزيد عن 5 آلاف متر، فضلاً عن أن الكشف يشجع الشركات العالمية العاملة بالمنطقة على تكثيف أعمال البحث والاستكشاف بتطبيق مفاهيم ونظريات جيولوجية مشابهة، إلى جانب زيادة التنافسية لمناطق الصحراء الغربية المجاورة التى سيتم طرحها فى مزايدات عالمية للبحث والاستكشاف خلال الفترة المقبلة.