د. على شعيب: مشكلات الإنترنت عقبة كبيرة أمام التواصل بين الطالب والمعلم والامتحانات د. عادل النجدى: تجربة قروض البنك الدولى أثبتت فشلها فى الكثير من مشروعات تطوير التعليم السابقة
د. عبدالرازق مختار: النظام الجديد يضع التعليم والمعلم فى مكانهما اللائق.. ولكن كان يجب تجريبه قبل تعميمه
مرت الثانوية العامة المصرية، خلال العقود الستة الأخيرة، بمجموعة من التغيرات والتطورات، تحولت فيها من التوجيهية إلى الثانوية العامة نظام السنة الواحدة، إلى الثانوية العامة نظام السنتين، إلى نظام الثانوية العامة بالتحسين، إلى نظام الثانوية العامة بنظام الملحق، إلى نظام الثانوية العامة مرة أخرى بنظام العامين، إلى المقترح الجديد المزمع تطبيقه فى سبتمبر المقبل للمقيدين بالصف الأول الثانوى للعام الدراسى 2018/2019.. فى ذلك التحقيق، نتعرف على رأى خبراء التربية فى نظام الثانوية العامة المنتظر تنفيذه.
يرى الدكتور على شعيب، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة المنوفية، عميدها الأسبق، أن النظام المقترح ركز على أسلوب التدريس لمنهج قائم بالفعل، وأسلوب تقييمه دون التعرض لمحتوى المنهج بالتعديل أو التطوير، ولم يتعرض للسلم التعليمى سوى بإضافة مرحلتى الحضانة إليه.
ويضيف أنه لم يتم تدريب المعلمين على تكنولوجيا التعليم التى يحتاج إليها النظام المقترح، كما أن مشكلات الإنترنت قد تقف عقبة كبيرة فى سبيل إتمام التواصل بين الطالب والمعلم والامتحانات، مع أنها ميزة جيدة أن يتم الاختبار للطالب من خلال الإنترنت والتصحيح الإلكترونى للإجابات دون تدخل من العنصر البشري، فلم نسمع عن تسريب للامتحانات، كما ذكر المقترح ضرورة إتقان المتعلم للغة العربية ولغتين أجنبيتين بالإضافة إليها، ولم يتعرض للمعلمين الأكفاء لتدريس اللغة بهذا المستوى الطموح، متسائلا: إذا كان مستوى خريجى أقسام اللغات بكليات الآداب والألسن بهذا الضعف، فمن أين سيأتى الوزير بمعلمى لغات أكفاء؟
ويشير إلى أن الامتحانات فى النظام الجديد ستتم على مستوى المدرسة، فإذا كان لدينا 750 ألف طالب فى الثانوية العامة موزعين على 10 آلاف مدرسة مثلا، فنحن بحاجة إلى 10 آلاف نسخة امتحانية بنفس معامل السهولة والصعوبة، وهو أمر يصعب تحقيقه عمليا، مما سيهدر تكافؤ الفرص بين المتنافسين، كما تحدث المقترح عن إلغاء العلمى والأدبى من المرحلة الثانوية، ولم يقدم البديل لهما، ولم يتعرض للصناعات القائمة على الكتب المدرسية النظامية، مثل الكتب الخارجية، والمطابع الخاصة بها، والمكتبات التى تقوم بتسويقها، هذه الصناعة ستضاف لطابور العاطلين فى الدولة. ويقترح الدكتور شعيب إجراء دراسة قومية لاحتياجات سوق العمل وفق خطة طموح 2050، سواء على المستوى المحلى أو الإقليمي، وإعادة النظر فى السلم التعليمى بما يتفق وخطة الاستثمار فى مصر حتى 2050 بما يتفق وقواعد العالم المتقدم فى هذا الشأن: 30% من المتعلمين ينتهون بدرجة جامعية، و70% ينتهون بشهادات مهنية فى مراكز حكومية وقطاع خاص يؤهلهم للمنافسة فى سوق العمل، فليس من الطبيعى أن تكون النسبة مقلوبة، وإدراج مرحلة رياض الأطفال للسلم التعليمى وجعلها فترة إلزامية من حق كل طفل فى مصر الالتحاق بها، والاهتمام بمنظومة التعليم الفنى بنفس قدر الاهتمام بمنظومة التعليم العام، ومن الأفضل ألا تكون الاختبارات على مستوى المدرسة، ولكن عقب كل مرحلة تعليمية. ويشدد الدكتور عادل النجدي، أستاذ المناهج وطرق التدريس، عميد كلية التربية بجامعة أسيوط، على أن تطوير منظومة التعليم ينبغى أن يهتم بجميع جوانب العملية التعليمية، وليس التقويم فقط، كما أن البيئة التكنولوجية بالمدارس غير متوافرة، خصوصا فى القرى والنجوع التى قد لا تتوافر بها شبكة إنترنت، فضلا عن أن المدارس بوضعها الحالى غير مهيأة لتنفيذ المقترح، وأن تجربة قروض البنك الدولى قد أثبتت فشلها فى الكثير من مشروعات تطوير التعليم السابقة، التى حمّلت الدولة ديونا دون تطوير حقيقي. ويرى النجدى أن التطوير الحقيقى ينبغى أن يعالج قضايا التعليم الحقيقية، مثل كثافة الفصول، وتدريب المعلمين، وتطوير المناهج، والبدء بسلم تعليمى من رياض الأطفال وبمراحل حتى نصل للمرحلة الثانوية، مع اعتبار التابلت من الوسائل المساعدة للتلميذ فى التعلم والتقويم، وليس الأساس فى تلك العملية، لأن الطالب يكتسب من خلال التعليم المباشر الكثير من المهارات والسلوكيات والقيم التى لا تتحقق لديه من استخدام التابلت فقط. ويشير الدكتور جمال الدهشان، أستاذ أصول التربية، عميد كلية التربية بجامعة المنوفية، إلى أن التطوير له شروط وقواعد، من أبرزها أن يكون مستندا إلى دراسة حقيقية للواقع، وأن يحظى بالحد الأدنى من القبول الشعبى والمهنى، وعلينا أن نجيب عن تساؤلات ثلاثة، ونتناقش حولها: نطور لمن؟ ونطور بمن؟ ونطور كيف؟ ونعنى بالأولى أنه لا بد من أخذ رأى المستفيدين من التطوير، وهم الطلاب وأولياء الأمور وأفراد المجتمع بفئاته المختلفة، والتوعية بجوانبه المختلفة، ودورهم فى تحقيق أهدافه وأهميته، ونعنى بالثانية، أخذ رأى وموافقة القائمين على تنفيذ ذلك التطوير، وتوعيتهم بإجراءات وخطوات تنفيذه، وهم المعلمون والمديرون والمشرفون، وكل من له صلة بتنفيذ ذلك التطوير، ونعنى بالثالثة توافر الحد الأدنى من متطلبات تنفيذ ذلك التطوير، وهل مؤسساتنا التعليمية فى القرى والكفور والنجوع يتوافر بها الحد من متطلبات تنفيذ ذلك التطوير؟ ويرى الدكتور الدهشان أن مشروع التطوير المقترح يفتقد وجود إجابات واضحة عن تلك التساؤلات، ويتطلب الأمر التريث فى التطبيق، حتى لا تترتب عليه نتائج خطيرة تمتد لأجيال مقبلة.
ضغط مادى ونفسي وتبدى الدكتورة منال فاروق سطوحى، أستاذ تعليم الرياضيات، رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية البنات بجامعة عين شمس، استغرابها من اعتماد الثانوية التراكمية التى يخوض الطالب فيها 12 امتحانا لكل مقرر دراسي، متسائلة: هل هذا أمر مقبول؟ ألا يمثل ضغطا ماديا ونفسيا على الأسرة والتدافع نحو الدروس الخصوصية للحصول على أعلى الدرجات؟ من يتحمل الميزانية المالية: خزانة الدولة أم الاقتراض من البنك الدولي؟ ومن يدفع صيانة الأجهزة؟ وتضيف أنه من المسلم به أن البرمجيات المختلفة، مثل الأوفيس، تغيرها الشركات كل عدة سنوات، فتصبح الأجهزة بطيئة السرعة وضعيفة، فمن سيتحمل تحديث وتجديد البرمجيات واشتراكات النت لجميع طلاب مصر؟ فى حين أن التابلت لا يمثل أكثر من كونه إحدى الأدوات التى تستخدم فى العملية التعليمية، فكيف يكون هو الركيزة والمحور؟ هل هيأت كليات التربية المعلمين لذلك؟ هل أعدت مراكز التدريب دورات للمعلمين؟ هل النجوع والقرى فى مصر بما تتضمنه من أسر وظروف معيشية مستعدة لذلك؟ وتستنكر الدكتورة منال سطوحى، إلغاء الامتحان الموحد للثانوية العامة، وجعله على مستوى المدرسة، مؤكدة أن الامتحان الموحد هو أفضل معيار للمفاضلة بين الطلاب، كما أن امتحانات القدرات من الممكن أن تخترق بالجامعات بالعديد من الطرق.
التنفيذ... تلك هى المسألة ويُثنى الدكتور عبدالرازق مختار، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة أسيوط، على بعض الملامح الإيجابية فى النظام المقترح، مثل أن الدولة بدأت تضع التعليم فى مكانه اللائق، بداية من رئيس الجمهورية والحكومة، وهذا ما ينبغى أن يكون، كما أن هذا النظام انطلق من شعور حقيقى بأن لدينا مشكلة حقيقية فى التعليم، فضلا عن أنه دخل مباشرة فى صلب العملية التعليمية وأهم مرتكزاتها، ومن أهمها احتياجات الطالب من التعليم وماذا يتعلم، وكيف يتعلم، ولم يغفل أن عصب العملية التعليمية هو المعلم، بالإضافة إلى أنه لم يغفل الواقع الذى يشى بأن الحالة الاقتصادية لا تتحمل إضافة أعباء اقتصادية جديدة، فتكفلت الدولة بالأجهزة الإلكترونية وصيانتها والتدريب عليها، وكذلك توفير باقات بالمجان للإنترنت، والملمح المهم هو أن التطوير كما بدأ بالقمة أيضا بدأ من رياض الأطفال، وهذا مهم جدا وينبغى أن يحظى بمزيد من المتابعة والاهتمام، لأن السنوات الأولى مهمة جدا وهى التى تؤسس للمستقبل. ويتساءل: لماذا لم نقم بتجريب هذا النظام قبل تعميمه؟ هل تم وضع خطة إعلامية متكاملة تراعى مخاطبة المجتمع بشكل علمى؟ فنظام الموجات الإعلامية التى تركز الضوء لفترة وسرعان ما تخفت وتتحول إلى ذلك النمط التقليدى من النهش فى كل اتجاه من عينة أن جهازا هنا أو هناك قد تعطل، أو الإنترنت تعطل، أو الكهرباء انقطعت، وهى مشكلات متوقعة وطبيعية ومنطقية.. هل هناك خطة لتحسين أحوال المعلمين المادية؟ وأية أعذار من قبيل الوضع الاقتصادى لن تجدى فعلا. أيضا يشاركه التساؤلات نفسها الدكتور جمال ثروت، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة حلوان، مضيفا: لماذا لا تُتبع الأساليب العلمية قبل تطبيق القرارات الخاصة بمرحلة من مراحل التعليم ما قبل الجامعى وتكون بنقاش أصولى ومدروس بعناية لكل مفردات العملية التعليمية (معلم منهج طالب مدرسة نظام إدارى تمويل وغيرها)؟ لاسيما أنه توجد بالفعل مدارس فى مصر تحت مسمى مدارس تجريبية. وهناك سؤال محورى ومنطقى آخر: لماذا دائماً يتم اختيار مرحلة الثانوية العامة كالهرم المقلوب لتطوير التعليم قبل الجامعى ولا تكون البداية بالمرحلة الابتدائية كقاعدة للهرم، ثم تتسلسل فيما بعد للمراحل الأعلى لو نجحت التجربة ويكون البناء على هذا الأساس بناء سليما؟ ليس عيباً مراجعة وإعادة النظر فى قرار مهم يخص مستقبل وطن غال، وفى محور التعليم كركيزة رئيسية لها تأثير قوى فى مستقبل مصر. وتلفت الدكتورة فايزة الحسينى، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية البنات بجامعة عين شمس، إلى أن مقترح تطوير التعليم فى المرحلة الابتدائية تبنى نموذج فنلندا الذى يركز على تطبيق مبادئ التعليم الفاعل، ولهذا ندعم التطوير فى مراحل التعليم الأولي، ولكن ما ينقصنا هو تطوير البنية التحتية، وتطوير المناهج الدراسية، والاهتمام ببرامج الأنشطة اللامنهجية، ودمج مرحلة رياض الأطفال فى السلم التعليمي، وتطوير برامج إعداد وتأهيل المعلمين، والاقتصار على خريجى كليات التربية، وتقليل كثافة الفصول، وهذا كله من خلال تقديم خطة واضحة بجدول زمنى محدد بآليات تنفيذية. أما بالنسبة لنظام الثانوية العامة الجديد، فترى أن المقترح ركز على تقنيات التعليم، وأساليب التدريس والتقويم دون الاهتمام بتعديل أو تطوير محتوى المناهج، والمُلاحظ أنه تم تطبيق النظام التراكمى من قبل وتقسيم الثانوية العامة على عامين، ولم يحقق النتائج المأمولة، بل زاد الأعباء المادية والنفسية على أولياء الأمور، خصوصا إذا وجد أكثر من طالب فى الأسرة الواحدة فى المرحلة الثانوية، كما يعتمد النظام الجديد على تطبيق الامتحانات بنظام( open book) التى تتطلب الفهم العميق، وهو ما لم يعتده الطلاب سابقا. وتقترح احتساب العامين الأول والثانى الثانويين كعامين لتدريب الطلاب على النظام للاستفادة من إيجابياته، وتقييم مدى إمكانية تطبيقه كنظام نهائى للثانوية العامة، وفى حالة نجاحه يمكن تطبيقه فى العام الثالث، بحيث لا تكون الثانوية تراكمية، أو ممكن أن يبدأ التطوير من أول السلم التعليمى عن طريق تطبيقه على التلميذ الذى يلتحق بالصف الأول الابتدائى بداية من العام المقبل. وتطالب الدكتورة الحسينى بضرورة وجود ضمانات محددة لعدم تدخل الوساطة فى امتحان القدرات للقبول بالكليات بعد إلغاء مكتب التنسيق، فلا داعى للاستعجال فى تطبيق نظام الثانوية العامة الجديد من العام المقبل، فلابد من التجريب قبل التطبيق، وتهيئة المناخ التعليمي، وأخذ رأى جميع أطراف العملية التعليمية من أجل تكوين أرضية مجتمعية تدعم تنفيذه.