منذ قيامها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله، أولت المملكة العربية السعودية جل اهتمامها للقضية الفلسطينية وجعلتها قضيتها الأولى، ودأبت على تقديم الدعم السياسى والمادى لها، فى جميع المحافل الدولية، مؤكدة تصميم قادة وشعوب الدول العربية والإسلامية وتمسكها بالأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل، وحتمية إعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها، وعدم التفريط فى أى شبر من أراضى الفلسطينيين. وعملت المملكة على التنسيق الكامل مع جميع الدول العربية والإسلامية والدول المحبة للسلام، وفى مقدمتها مصر، على اعتبار ما تملكه القاهرة من ثقل سياسى كبير، ومكانة مرموقة. وشهدت المواقف بين البلدين تنسيقا كاملا وتفاهما لأجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وفى مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأن المساس به يعد خطاً أحمر لن ترضى أمة العرب والمسلمين تجاوزه. هذا التنسيق الكبير أرغم دولة الاحتلال طيلة السنوات الماضية على مراعاة خصوصية القدسالشرقية، وعدم تجاوزها، والتفكير مليا قبل اتخاذ أية خطوة بشأنها، لكن للأسف فقد تمادت إسرائيل خلال الفترة الأخيرة فى تجاوزاتها، ومما ساعدها على ذلك الخلافات التى انتشرت بين الدول الإسلامية، التى تقف إيران سببا رئيسيا فيها، بسبب مطامعها المتزايدة، ورغبتها فى التهام ثروات الدول الخليجية، ومساعيها للتدخل فى شئون الدول العربية، مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتأجيجها للفتن الطائفية والنعرات المذهبية، التى لم تكن فى يوم من الأيام سببا فى تفرق المسلمين أو تباغضهم، قبل قيام ثورة الخمينى بداية ثمانينيات القرن الماضي.
لم يعرف العالم الإسلامى منذ مجيء الخمينيين إلى سدة الحكم غير التقهقر، وضعف المواقف، وانعدام التنسيق، وشهدت القضية الفلسطينية تراجعا ملحوظا، بسبب تركيز ساسة طهران على شق الصف الفلسطيني، عبر تحريض قادة حماس، وإمدادهم بالسلاح، وتشجيعهم على الانفراد بحكم قطاع غزة، وذلك على حساب حركة فتح، التى يجمع العالم كله على أنها الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطيني، ولم تقدم إيران دعما حقيقيا للشعب الأعزل الذى يعانى ويلات الانقسام، ويواجه رصاص عدوه بصدور مفتوحة، بل واصلت تأجيج نيران الفتنة والتشرذم. وللأسف فإن بعض تابعى نظام الملالي، مثل النظام القطري، بدأ أخيرا فى زيادة شقة الخلافات بين الدول العربية، عبر افتعال الأزمات، بتبنى سياسات هدامة لم تعد الدول العربية تستطيع الصبر عليها مجددا، مثل التدخلات السالبة فى شئون دول المنطقة، ودعم التيارات الإرهابية، وهو ما يصب أساسا فى صالح نظام طهران، لذلك كانت مواقف دول المقاطعة الأربعة واضحة فى عزله، ودعوته إلى الكف عن تلك المشاغبات، والعودة مرة أخرى إلى الحضن العربى والدولى والتوقف عن سياساته المرفوضة.
المطلوب فى الوقت الحالى لحقن الدم الفلسطيني، وزجر العدو الإسرائيلى هو وقفة عربية صارمة فى وجه من يسعون إلى تشتيت إجماع الدول العربية والإسلامية، وإشغالها عن قضيتها المحورية بقضايا انصرافية، تساعد حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة على تنفيذ أجندتها، والاستحواذ على مزيد من الأراضى العرابية، وإراقة دماء الشعب الأعزل، وتهجير أبنائه وتصفية كوادره. ولتكن البداية باجتماع القمة العربية الذى تستضيفه الرياض خلال الشهر الجاري، عبر إلزام الدوحة بوقف مهاتراتها، وتوجيه الجهود لإقرار موقف عربى قوي، يمكننا من استعادة حقوقنا التى ضاعت، وأراضينا التى اغتُصبت، وقبل ذلك كرامتنا التى فقدناها بسبب تصرفات صغار يريدون أن يكبروا على حسابنا دون أن يمتلكوا المقومات الأساسية لذلك.