فتاوى الإنترنت بلا ضوابط.. وخطر كبير على شبابنا.. ويجب التصدى لها 500 ألف فتوى سنويا تصدرها دار الإفتاء المصرية لكل فئات المجتمع
المرأة المصرية الأحرص على دينها.. وهى الفئة الأكبر الطالبة للفتوى يوميا
ازدياد الطلب علي الفتوى ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة والتحليل
الإفتاء والاستفتاء جزء من تدين الإنسان ولكنه لا يكفى!!
ازدياد الطلب علي الفتوي هو مؤشر خطر وظاهرة يحذر منها الشيخ خالد عمران، أمين عام الفتوي بدار الإفتاء المصرية، ويطالب علماء الاجتماع وعلم النفس بدراستها وتحليلها ثم تفسيرها ثم الوصول لنتائج ثم وضعها أمام متخذي القرار في الدولة، ليكون أمام أعينهم في وضع الخطط والإستراتيجيات، مطلقا ناقوس الخطر أمام الأسرة للتركيز علي تربية وتعليم أبنائهم بشكل صحيح، وتوعيتهم بأمور دينهم حتي لا يكونون عرضة لفتاوي مغلوطة وشاذة تحرض علي الكراهية والعنف.
موضحا أن الفتوي لها من قديم الزمان سبلها المشروعة سواء من خلال الأئمة الأربعة أم من خلال شيوخ الأمة وعلمائها، استنادا بالقرآن والسنة من ناحية وبالاجتهاد من ناحية أخري، وكانت الفتوي علي مر الزمان والمكان من أخطر الأشياء التي تمس الإنسان وتؤثر علي حياته وقراراته، لدرجة أنه يمكن لفتوي أن تبني أمة وغيرها تهدم أمما، خصوصا أن المفتي هو مرآة تعكس مشاكل المجتمع والقضايا التي تهم المسلمين وتؤرق عقولهم وقلوبهم، لذلك فإن مسئولية إصدار فتوي له من الأهمية التي تجب أن تكون تحت رعاية مؤسسات دينية كبري كالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، والأخيرة أخذت علي عاتقها محاربة الجهل والشك من خلال دقة إصدار فتاويها لطالب الفتوي، ومحاربة التشدد والتعصب ومواجهة فوضي الفتاوي علي الفضائيات ومنابر المساجد، لتنحصر شرعيتها وصحتها فقط داخل دار الإفتاء ومجمع الفتوي داخل الأزهر الشريف، وللتعرف أكثر علي دور دار الإفتاء والقضايا التي ترصدها في المجتمع من خلال طالبي الفتوي عن طريق المقابلة الشخصية أو التليفونية أو رسائل الإنترنت، دار الحوار التالي مع الشيخ خالد عمران أمين عام الفتوي . في البداية هل يمكن حصر عدد طالبي الفتوي يوميا؟
نستقبل في السنة نحو نصف مليون فتوي، فوفق الإحصاءات فإن متوسط عدد الفتاوى الشفهية يوميا 900 فتوى تقريبا، ومتوسط الفتاوى الهاتفية يوميا إلى 1500 فتوى، ومتوسط عدد الفتاوى التحريرية يوميا 15 فتوى تقريبا، ويأتي طالبا للفتوي كل فئات المجتمع ومن كل المحافطات، فنحن مرآة لمشاكل المجتمع. كما أن لدينا فرعين في الإسكندرية والآخر في أسيوط وبصدد فتح فروع أخري لدار الإفتاء في محافظات أخري لسهولة التواصل مع المواطنين في المحافظات بشكل أسهل وأسرع، وهذا العدد في ازدياد بشكل كبير جدا لأسباب كثيرة، أهمها التكنولوجيا وسرعة الوصول والتواصل خصوصا أن المصريين بطبعهم شعب متدين، ومن لا تتيسر لهم وسائل التكنولوجيا يأتون مباشرة لمقر دار الإفتاء بالدراسة.
وسائل الإنترنت متهمة بزيادة المشاكل الاجتماعية في المجتمع، هل رصدتم ذلك من نوعية الأسئلة؟
كما قلت وسائل الإنترنت والتواصل الاجتماعي لها إيجابيات في سرعة التواصل مع الآخر وسرعة الحصول علي المعلومات، أما الجانب السلبي فإنها خلقت مشاكل اجتماعية جديدة علي المجتمع ومنها التعارف السريع والسهل بين الرجال والنساء والشباب والفتيات دون ضوابط، فجاءت الأسئلة المعهودة لدار الإفتاء حول مشروعية هذه العلاقات وما قد ينجم عن آثارها، كما أن التكنولوجيا أحدثت حالة من السيولة الفكرية، في أمور الفتوي، مما يؤدي لحالة من الفوضي.. بالإضافة إلى أن التوسع في عالم الإنترنت خلق عند الناس شغفا مقترنا بثقافة العصر لمعرفة كل شىء وتفاصيل كل الأمور الدينية والاجتماعية، وهذا أمر يخلق شكا وبلبلة خصوصا أن الدين هو أقرب إلي البساطة وليس التعقيد وأقرب للأخلاق عن تفصيل العبادات.
ما أمثلة الأسئلة التي تقابلكم نتاج سلبيات التكنولوجيا؟
علي سبيل المثال نري كما هائلا من أنواع الزواج ندهش لها من خلال وسائل الإنترنت والتواصل الاجتماعي، يسألون عن شرعيتها، سواء من خلال المقابلات الشخصية أم موقع الفتوي علي الإنترنت، ومن هذه الأمثلة أن هناك حالة لسيدة غير مصرية جاءت تسأل عن مشروعية زواجها بعد 12 سنة من هذا الزواج، ونجم عنه أطفال وهو زواج عن طريق وعود بين اثنين علي الإنترنت، فكان ردنا أنه يجب تصحيح الزواج وإتمامه بشكل شرعي، لأنه لدينا مبدأ فقهياً فى مثل تلك الحالات الاجتماعية، ومراعاة للأعراض وحقوق النساء والأبناء، فيتم التغاضي عما مضي وتصحيح الوضع وإعلان الزواج. وهذا ما نفتي به لحالات الزواج العرفي أيضا.
هل المرأة الأكثر في طلب الفتوي وهي الأحرص علي شئون دينها؟
ليست كل امرأة حريصة علي شئون دينها، ولكن بالفعل المرأة المصرية حريصة جدا علي أمور دينها وتسأل عن كل شئون دينها الكبيرة منها والصغيرة، وهذا ليس بجديد، فالمرأة هي عماد الأسرة وهي من تدعو أبناءها للصلاة وتعلمهم أمور دينهم، وبالفعل الإحصاءات تؤكد أن معدلات طلب الفتوي بنسبة متقدمة عن الرجل.
هل يمكن أن تعجزوا عن إعطاء الفتوى في مشكلة ما. وما مساحة الاجتهاد في تلك الحالات؟
نعمل بشكل مؤسسي وجماعي، أي فتوي فيها جزءان الأول متعلق بنصوص شرعية والأمر الآخر لابد أن تكون مشكلة واقعية. وأنا كمفت مطالب أن أريح طالب الفتوي وأشرح له ما حكم الشرع في المشكلة التي جاء للسؤال عنها، والفتوي تنتقل عبر مراحل، من المستفتي إلي أمين الفتوي، وهناك فتاوي معهودة ومستقرة ليس فيها اجتهاد، أما إذا تعذر الأمر علي المفتي يرفعها إلي الأمانة العامة للإفتاء لدراستها، وإذا لم تصل الأمانة إلي حل المشكلة ترفع إلي فضيلة مفتي الديار المصرية، بالإضافة إلي أننا نحن ملزمون بفتاوي مجمع الفتوي بدار الأزهر، لذلك أنا كفرد جائز جدا أن أعجز أمام فتوي ومشكلة، ولكن كمؤسسة لم يحدث، كما أننا قد عقدنا 35 برتوكولا مع جهات طبية وقانونية، ومراكز بحثية وعلمية من أجل القضايا المتعلقة بأمور طبية أو قانونية وهكذا لطلب مشورتهم العلمية في القضايا التي يصعب علي منهجنا في القرآن والسنة البت فيها ومن قضايا مستحدثة.
أذكر أمثلة لتلك القضايا الصعبة التي واجهتموها؟
كل أنواع الفتوي يمكن أن تصل لهذا الأمر، وأكثر الفتاوي التي تطلب الاجتهاد هي الطلاق ثم المواريث والزواج والفتاوي الطبية، والغريب أنه علي الرغم من أن فتاوي الطلاق موجودة منذ عهد سيدنا رسول الله ولكننا نفاجأ بأسئلة ومشاكل جديدة، منها مشروعية الطلاق عن طريق النت والتليفون واللغة التي يطلق بها الطلاق، لذلك تلك الأمور تحتاج إلي بحث جديد ودقيق.
كثرت الفتاوي الغريبة فمن المخول له شرعا إصدار الفتاوى؟
من له حق الفتوي هو المؤهل لهذا الأمر وهناك برامج معتمدة ومعروفة لتخريج شيوخ الفتوي بداخل دار الإفتاء بعد اختيارهم من خريجي الأزهر من كليات الشريعة، وأصول الدين، ثم يلتحق بدورة لمدة سنة، يتم فيها تأهيله نفسيا وعلميا، وأيضا يتم تصنيف المفتيين كل حسب قدراته فليس كل مفت يصلح لكل الفتاوي، بمعني لكل القضايا وهناك معايير نستخدمها في اختيار كل نوع من شيوخ الفتوي، فمثلا شيوخ الفتوي الشفهية ليسوا هم أنفسهم شيوخ الفتوي المكتوبة وليس الاثنان هما شيوخ الفتوي في الإعلام، لذلك نقوم بعمل دورات تدريبية دورية باستمرار لتزيد من معارف المفتي ومداركه وقدراته، والفرق بين الفقيه الشفهي وفقيه الفتوي المكتوبة هي أن الشفهي أكثر قدرة علي التواصل وحضورا مع الجمهور، أما الفتوي المكتوبة وتحتاج إلي مهارات باحث، وعددنا في أمانة الفتوي بدار الإفتاء 40 شيخا معتمدين داخل الدار.
كيف تواجهون الفتاوي الغريبة وربما الشاذة من شيوخ معروفين في الفضائيات وعلي منابر المساجد؟
للأسف نحن في حالة من «التفاتي» أي الإفتاء من غير علم، وأستحيى أن أسمي هؤلاء مفتين، فليس كل شيخ لديه علم يمكن أن يصلح للفتوي، ونتصدي لتلك الفوضي من خلال اعتمادنا منهجية وإستراتيجية تصحيح قبل الحرمان، بمعني أن العملة الجيدة ستطرد العملة الرديئة، لذلك أنشأنا موقعا علي صفحات التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» و»تويتر» للرد علي أسئلة الناس خصوصا الفتاوي الشاذة، ولدينا مرصد في دار الإفتاء لفتاوي التكفير والفتاوي الشاذة أيضا حيث نهتم بتلك القضايا، كما أنه يجب أن تتم تربية المسلم وتوعيته بشكل صحيح بأمور الدين الوسطي، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهو أخذ إجراء قانوني يجرم أصحاب الفتاوي الشاذة التي تتسبب في مشاكل للمجتمع، وهذا. القانون ننتظر صدوره من مجلس النواب قريبا.
هناك فتاوي لتجريم الإخوان وتكفيرهم ما موقف دار الإفتاء من تلك الفتاوى وهي قضية تمس المواطن المصرى؟
لقد جرمنا بالفعل في دار الإفتاء فكر الإخوان وأفعالهم، وكذلك الدواعش وأي جماعات متطرفة في فتاوي رسمية، ولكننا ضد التكفير، فتجريم الفعل والفكر ليس التكفير فنحن لسنا الخالق، ويمكن في أي وقت أن يرجعوا عن تلك الأفكار الهدامة، ولكن إذا تم تكفيرهم فقد خسرناهم للأبد.
ما القضية الأهم الآن التي يتم رصدها من خلال أسئلة الناس؟
لدينا قضيتان هما الأهم تلك الأيام القضية الأولي هي قضية التكفير، والثانية هي تسرب بعض أفكار الإلحاد إلي المجتمع، والتكفير هو نشر ثقافة رفض الآخر مثلما تتصرف الجماعات المتطرفة وتكفر الأقباط وتنبذهم، وهي قضية مهمة لأنها تمس المجتمع ككل، وتخلق إذا تركنا متطرفا في المستقبل يهدد الاستقرار والسلم العام. أما قضية الإلحاد فهي قضية مرتبطة بوفرة ضخ المعلومات بصورة مكثفة في وسائل التواصل الاجتماعي» الفيس بوك وتويتر»، وهناك أسئلة ملحة داخل عقول الشباب عن الدين وربنا والرسول وأمور كهذه، لذلك تجب مواجهة الأمر علي المستوي المجتمعي بإعادة النظر في طرق تربية الأبناء والاهتمام بالتعليم الديني الوسطي الصحيح.
وهل لطريقة التعامل مع الأسئلة المتعلقة بالإلحاد خصوصية مختلفة في التناول؟
بالطبع هناك آلية ننتهجها في الرد علي هؤلاء الشباب لأن لديه سؤالاً أو قضية تؤرقه، وليس كمن يسأل في أي قضية أخري ويقتنع بالرد فهو لديه قناعة ثابتة وجاء ليناقش ويجادل، لذلك المعاملة معه يجب أن تكون حذرة ودقيقة، والإلحاد درجات، فهناك 6 أنواع من درجات الإلحاد فمنهم من هو حائر ويرغب في المعرفة، ومنهم من هو متشكك بشكل مرضي، منهم من وصل لدرجة الإنكار، وهناك إحصاء علمي قامت به دولة الإمارات العربية لرصد عدد الملحدين علي مستوي الوطن العربي, فوجدوا أن أقل نسب الإلحاد موجودة في مصر، وأكثر الأسئلة في هذا الملف عن التعامل مع المرأة وقضية العنف في الإسلام، والمفاجأة، أن أشد الملحدين عداء للإسلام هو من جاء من خلفية دينية متشددة، ولقد نجحنا في إقناع عدد من الحالات التي تأتي للسؤال عن الإلحاد وغيرنا تفكيرهم.
كيف تتعاملون مع الأسئلة الحساسة والخاصة بالعلاقات والجنس؟
كثير جدا حجم هذا النوع من الأسئلة، ويكون أكثر عن طريق الإنترنت، وحتي الرد يكون أفضل للمفتي أيضا عن طريق الإنترنت ليعطي إجابته باستفاضة، وهذا النوع من الأسئلة يحتاج لمفت ذى خبرة ومؤهل لهذه الأسئلة لأن لها بعدا نفسيا اجتماعيا، كذلك في يأتي أصحاب هذه الأسئلة إلي شيخ الفتوي الشفهي، ونحن هنا نتعامل مع طالب الفتوي كالطبيب المؤتمن علي أسراره.