عقب حرب تموز 2006 (حسب التسمية الشائعة لبنانيًا) وحرب لبنان الثانية (وفقًا للإعلام الإسرائيلي) ذهب عضو الكنيست الإسرائيلى حينذاك عزمى بشارة لبيروت ودمشق لتهنئة حسن نصرالله وبشار الأسد وحصل على تمويل من «حزب الله» قدّرته أجهزة معلومات عربية بمليون دولار، لكن الصحافة الإسرائيلية نسبت لمصادرها حصوله على مليونى دولار فأجبرته السلطات على تسليمهما بعدما اكتشفت شبكة معقدة لشركات الصرافة وتحويل الأموال، وبعدها التزم بشارة الصمت القلق، وناشد المسئولين الإسرائيليين بعدم تسريبها لوسائل الإعلام خشية الفضيحة، وبالفعل استجابت لطلبه، وبعدها مباشرة تلقى اتصالاً من حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرى السابق لزيارة الدوحة لاستشارته بقضايا مُلحّة. استدعاه «الشاباك» لجلسة حُددت خلالها مهمته الجديدة بالدوحة، وأبرزها توطيد علاقات إسرائيل وقطر لتتجاوز محيطها الخليجى والعربى والانخراط بمنظومة إقليمية جديدة تقودها إسرائيل سرًا، وقطر علانية، تمهيدًا لما يسمى ب «الربيع العربي» لصياغة شرق أوسط جديد بالمنطقة، فعقب عقود من فشل إسرائيل باختراق النخبة المصرية والعربية ثقافيًا، كلفت بشارة بقيادة مشروع تموله قطر، ويتخذ لندن مقرًا باعتبارها كبرى ساحات أنشطة الاستخبارات الدولية، والمشاركة الفاعلة بصناعة السياسة الأمريكية الخارجية واستقطاب مثقفين من دول عربية بعينها لاستخدامهم كأدوات بغطاء بحثى وحقوقى وإعلامي. ويقطن المناضل بشارة قصرًا فاخرًا يُطّل على الخليج بأرقى أحياء الدوحة «الدفنة» ويعيش نمط حياة مرفهة، ويدرس أبناؤه بمدرسة «الشويفات» المملوكة لآل الحريري، وهى إحدى أغلى المدارس الدولية، ووضع تحت تصرفه أسطول سيارات فارهة ومصفحة، ويرافقه خلال تحركاته رجال أمن قطريين لحمايته وعائلته، ويتكفل الديوان الأميرى بجميع مصروفاته وسفرياته وتنقلاته، حتى الغذاء وفواتير الكهرباء والهواتف وغيرها وهى امتيازات لا يتمتع بها حتى أبناء الأسرة الحاكمة عقب وصول تميم للحكم ووضعه ضوابط ترهن المخصصات بآليات معقدة تعتمد الولاء معيارًا حاسمًا. ورغم ذلك فقد طالب المناضل بشارة عقب تقديم استقالته للكنيست مساعدة رعاته بجهاز «الشاباك» لاستلام مخصصاته كعضو سابق بمبلغ نصف مليون شيكل، لكن حكمًا قضائيًا إسرائيليًا صدر بوقفها، لإدراك الصهاينة حجم المكاسب المالية والمعنوية التى جناها من قطر بدعمهم، بالإضافة لتوليه إدارة مجموعة شركات استثمارية القطرية بأوروبا، وهى أذرع للاستخبارات القطرية، التى تمول أنشطة الشخصيات والكيانات المناوئة لمصر ودول الخليج، خاصة السعودية، فوفقًا لتصور أقنع بشارة الحمدين وتميم بتبنيه، ويقضى بضرورة إشاعة الفوضى ومناخ الغضب والاحتقان بالقاهرة والرياض سيشكل قفزة نوعية لتعاظم وتمدد نفوذ الدوحة، ويُسّهل تنفيذ مخطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
«أفلاطون الدوحة» وتثير شخصية بشارة تساؤلاتٍ أكثر مما تقدم إجاباتٍ واضحة، فالرجل يتمتع بقدرة استثنائية بتبديل مواقفه السياسية فينفى أنه مستشار لأمير قطر، لكنه استدرك قائلاً: «ليس عيبًا أكون مستشارًا فهذا شرف وفخر»، وبثت هذه التصريحات فضائيته التى تمولها الدوحة المسماة «التليفزيون العربي»، مضيفًا أن علاقته وثيقة بالشعب والقيادة القطرية، معربًا عن سعادته بأنه مسموع الكلمة طليق العنان بأنشطته الإعلامية والبحثية عبر مركز دراسات مولته قطر مباشرة، وبتكليفها بعض رجال الأعمال هناك بالمساهمة ليتخذ مقره بمنطقة خلف السفارة البريطانية بالدوحة، وتحديدًا فى «دوار القوس»، وتتجاوز قيمة المقر 20 مليون دولار، ليلعب منظومة أدوار متكاملة، فهو خلية ومعمل تفكير Think Tank لصالح مموليه، ويشكّل غطاء للتواصل بمراكز البحوث والدراسات الغربية، خصوصا تلك المؤثرة بصناعة القرار بأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة لبناء شبكة علاقات عنكبوتية بالمنظمات الحقوقية الدولية التى تدرب خلال عمله فى معهد «فان لير» الإسرائيلى على آليات اختراقها سواء بشراء ذمم ومواقف مسئوليها وباحثيها وتزويدها بمعلومات مضللة بشكل مباشر أو عبر وسطاء يجندهم وأبرزهم اللبنانى وسام طريف، وهو مهندس منظمة مشبوهة تُسمى «أفاز AVAAZ» التى شنّت حملات ضارية ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، وجمعت توقيعات إلكترونية ضد الرئيس السيسى ويمكن الرجوع لموقعها لقراءة تحريضها. يقدم نفسه بعدة ألقاب، فتارة أستاذ جامعى وباحث أكاديمي، وأخرى مناضل قومي، وأيضًا مفكر سياسى وحتى أديب وروائي، لكن باستقراء سيرته الذاتية يصفه كتاب «تحت خط 48 عزمى بشارة وتخريب دور النخبة الثقافية» لمؤلفه عادل سمارة أحد أبرز المفكرين الفلسطينيين الذين عرفوه عن قرب، وعايشوا تحولاته الفكرية والسياسية، من أهم المداخل لفهم ظاهرة بشارة الذى أسماه «أفلاطون الدوحة» لدوره المؤثر بصناعة سياسات النظام القطرى وتحديد توجهات خطابه الفكرى والإعلامي، واستقطاب مثقفين وأكاديميين ليضمهم لجوقة «كهنة مشروع الحمدين» التخريبي، ويقول سمارة : «مشكلة بشارة ترجع للعام 1994 حين بدأت تظهر بكتاباته وأحاديثه أعراض الصهينة، وصولاً لدخوله الكنيست، وهو ما التقطته، فقد تعارفنا منذ 1987 عبر صديق مشترك، وترك عزمى الحزب الشيوعى بعدما فضحه إميل حبيبي. وتفسر رؤية سمارة منهج بشارة بإدارة المؤسسات التى تؤدى أدوارًا مخابراتية، حتى لو كانت تحت غطاء أكاديمى بحثى إعلامى .. إلخ ، لاسيما أنه لعب ذات الأدوار عندما كان يعمل بمعهد «فان لير» التابع للاستخبارات الإسرائيلية، حتى وصل لعضوية الكنيست، وأقسم فيه بولائه لدولة إسرائيل، الأمر الذى لم يمنع تقديمه خدمات مخابراتية ل«حزب الله» بمقابل مجز، وها هو الآن يسترسل برطانة فارغة عن قيم الديمقراطية والإصلاح السياسي، رغم أن الدولة التى ترعاه حكم قضاؤها بالسجن المؤبد على مواطن بسبب قصيدة، فكيف نصدق رجلاً يعرض ضميره وخبراته بأسواق النخاسة ويستخدم شتى الأساليب الانتهازية لتحقيق أهدافه الشخصية؟
«راسبوتين الدوحة» ولتعاظم دوره بالقصر الأميرى يتندر مثقفون قطريون بمجالسهم الخاصة بتسميته «راسبوتين الدوحة» فى إشارة للكاهن الفاحش راسبوتين المتنفذ خلال حكم القياصرة لروسيا، فبعد إنشائه «أكاديمية التغيير» منح بمكره المعهود جانبًا من الغنيمة للقرضاوى مفتى الأسرة مسموع الكلمة لتسهيل تمرير مشاريعه، فعيّن «هشام» زوج ابنة القرضاوى مديراً للأكاديمية، واستقدمت شباب الدول العربية المستهدفة لإخضاعهم لعمليات غسيل أدمغة ممنهجة، وتدريبهم حركيًا على بناء الكيانات المناوئة، وتنظيم المظاهرات والاعتصامات وأساليب التصدى لقوات الأمن وغيرها من الآليات التى أفضت بالنهاية للفوضى المسماة «الربيع العربي» واخترق النخبة بترشيح أكاديميين وصحفيين وحقوقيين انتهازيين لإلقاء المحاضرات بمقابل مجزئ، وإقامة فاخرة وسفريات مدفوعة الأجر لأوروبا وأمريكا. ولم يتوقف دور بشارة عند هذا الحد بل تجاوزه بتأسيس منظومة إعلامية بغطاء شركة «فضاءات ميديا» ومموليها المرتبطين بقطر لإصدار صحيفة «العربى الجديد» التى لم يتجاوز توزيعها مائة نسخة وفقًا لاستقصاء نشره موقع BBC رغم الحملات الإعلانية الهائلة بلندن التى يقطنها نحو نصف مليون عربي وهناك أيضًا «تليفزيون العربي» الذى أسهم أثرياء مقربون للقصر الأميرى بتمويله وأبرزهم صديقه رجل الأعمال القطرى سلطان الكواري، وقادة الإخوان المصريين المقيمين بالدوحة يديرون أنشطة تجارية عابرة للحدود بشتى أنحاء العالم، والعراقى البعثى صباح المختار، ومؤيد ديب مدير أعماله وغيرهم ممن كلفتهم قطر بالمساهمة بالتمويل. وبتحليل مضمون خطاب بشارة عبر عدة منابر فى محطته الحالية بالدوحة نكتشف أنه يُعبّر بلغة صريحة عن مشاعر بالغة الكراهية لمصر والسعودية والإمارات تحديدًا، ويسفه الدور المصرى الإقليمى ويصفه بأنه «منتهى الصلاحية» حسب تعبيره بينما يتجاهل مواقف رئيس البوسنة الراحل على عزت بيجوفيتش المحسوب على التنظيم الدولى للإخوان بالمجلس العالمى لحقوق الإنسان، ومجلس الأمن، لعضوية فلسطين بالأمم المتحدة صوت ضد قرار يتهم إسرائيل بانتهاك حقوق الفلسطينيين, بينما تصدى مندوب مصر بالأمم المتحدة لحشد 26 صوتًا لصالح القرار بالعام 2011، وصمت بشارة أيضًا حينما تراجع خالد مشعل عن تراجعه عن اتفاق 3 مايو 2011 الذى احتضنته القاهرة برعاية المخابرات المصرية لكل الفصائل الفلسطينية، بعدما توجه لمقابلة أردوغان بتاريخ 14 يونيو 2011, فنصحه بالتوقف لحين اعتلاء الإخوان السطة بمصر، التى تستضيف حاليًا كل الفصائل الفلسطينية لمصالحة جادة وتوحيد الصفوف.