قناة عبرية تتحدث عن خلاف حاد داخل القيادة الإسرائيلية حول مهاجمة إيران وتذكر السبب!    قرار النيابة العامة بشأن وفاة أسرة كاملة داخل سيارة ملاكي بمدخل المنيا    مدرسة السكة الحديد فى الجيزة.. تعرف على شروط التقديم والمستندات المطلوبة (تفاصيل)    بينهم لاعب عربي.. 3 نجوم في قائمة استثنائية قبل كأس العالم للأندية    بيان رسمي.. فلسطين تتقدم بشكوى إلى فيفا بسبب ضربة جزاء عُمان    مانشيني: أريد العودة إلى تدريب منتخب إيطاليا    «قصر ديل».. شوبير يرد على أزمة تذاكر مباراة الأهلي وإنتر ميامي    اقتصاد مرهون ومؤشر إفلاس.. ماذا وراء تخصيص مالية الانقلاب أرض رأس شقير كضمانة في إصدار الصكوك    شقيقة المتهم بقتل تاجر ذهب رشيد: «المجني عليه كان عامل له محضر سرقة» (نص التحقيقات)    أشرف زكى ودياب ورامى إمام وبتول عرفة فى حفل زفاف منة عدلي القيعى    4 أبراج أكثر تنظيمًا ودقة.. هل برجك من بينها؟    محافظ قنا: وضع لوائح انضباط على مداخل المستشفيات لبيان حقوق وواجبات المرضى    حقوق إنسان النواب تبحث مع وفد الحوار المصري–الألماني سبل تعزيز العدالة والمواطنة    أحباط زواج قاصر في يوم زفافها بقنا    الأحد.. ثقافة الفيوم تقيم ورشة مجانية لتعليم كتابة القصة    الجيش الإسرائيلي يوجه تحذيرًا عاجلا لسكان عدة مناطق في غزة    محافظ الدقهلية يشهد مؤتمر وحدات الكلى بنادي جزيرة الورد بالمنصورة    الاتحاد الأوروبي يفرض رسوما جديدة على الواردات الزراعية من روسيا وبيلاروس    تجدد الجدل حول اكتشاف مزعوم بشأن مدينة تحت الأهرامات.. ما الحقيقة؟    لعلاج دهون الكبد- تناول هذه المشروبات على الريق    بعد تعرضهما لوعكة صحية.. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك ونجل تامر حسني    الداخلية تكشف حقيقة احتجاز «مُسنين» والتعدي عليهما بالضرب في المنوفية    "الشؤون الإسلامية" تكثّف جهودها التوعوية في مسجد التنعيم تزامنًا مع توافد المعتمرين    السفير الأمريكى فى إسرائيل يعلن انحيازه لبن جفير وسموتريتش بعد فرض عقوبات عليهما    متحور كورونا الجديد «NB.1.8.1».. تحت المراقبة العالمية    "أكسيوس": نتنياهو طلب من الولايات المتحدة التوسط في المفاوضات الإسرائيلية - السورية    غودار وفلسطين.. حين عاد التجريبى الأكبر فى تاريخ السينما إلى «القضية» بعد صمت طويل    القصة الكاملة لسرقة الدكتورة نوال الدجوي.. من البلاغ لحفظ التحقيقات    القطار الخفيف يقلل زمن التقاطر يوم الجمعة من كل أسبوع للتسهيل على الركاب    الأزهر للفتوى يعلق على شغل الوقت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي    ضياء السيد: زيزو لن يكون أساسيا في مباراة انتر ميامي.. وكوكا الأجدر بقيادة الظهير الأيسر    وزير الاستثمار: الدولة تولي اهتمامًا كبيرا بتطوير قطاع التأمين    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تعلق البث المناهض عبر مكبرات الصوت    الأحد 22 يونيو.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن المرحلة الثامنة التكميلية بالعبور الجديدة    ضمن المسرح التوعوي.. قصور الثقافة تختتم عرض «أرض الأمل» بسوهاج    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    إنارة رافد جمصة على طاولة التنفيذ بتنسيق مكثف بين الجهات المعنية    أشرف صبحي: نادي سيتي كلوب إضافة نوعية لخريطة المنشآت الرياضية بدمياط    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    انخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأدنى مستوى في 3 سنوات    محافظ المنيا: إزالة 215 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والبناء المخالف    حجز والدي عروس الشرقية على ذمة التحريات في واقعة زفاف عريس متلازمة دوان    عبد الخالق فريد مديرًا لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي    وزير البترول: مشروع إنتاج حامض الفوسفوريك تحرك هام لتعزيز الصناعات التحويلية    ملك زاهر توجه رسالة مؤثرة من داخل المستشفى    رسميًا.. رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد للغة الإنجليزية    التحفظ على سلع غذائية ولحوم فاسدة في حملات تموينية موسعة ب قنا    مصر تعرب عن خالص تعازيها لجمهورية الهند في ضحايا تحطم طائرة غرب البلاد    "دخل حسابي 1700 يورو؟".. أحمد حمدي يثير الجدل بمنشور جديد    ريال مدريد يحسم صفقة الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو حتى 2031    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    وكيل الأزهر يعتمد نتيجة الدور الأول لشهادات القراءات للعام 2025    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أن تمتلك أو أن تكون.. مشاهد الإنسان المفكك في أزمة الوجود السلعي
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 09 - 2017

"أن تمتلك أو أن تكون"، معادلة قد تبدو للوهلة الأولى معادلة ثنائية (Binary distinction)، إما الكينونة المقترنة بالزهد والتصوف، وإما التملك الملازم لتفكك الإنسان من الداخل.
مع القهر الذي يمارسه النظام الرأسمالي العالمي، للحفاظ على هذه الثنائية، إلا أن ثمة وجوه أخرى للحكاية سبّبها هو، أن تكون متعلماً أو أن تمتلك العلم، أن تتذكر أو أن تمتلك الذاكرة، أن تحب أو أن تمتلك الحب، أن تمتلك السلطة أو أن تكون سلطة، أن تكون مؤمناً أو أن تمتلك الإيمان. هي ثنائيات أعمق، وإن كانت على صلة بالثنائية الأولى.
ومع صخب الأسواق، وضجيج الدعاية، بحث إريش فروم عن وجود للإنسان يحميه من التفكك الداخلي، وجعل من الثنائيات واللغة أسئلة وجودية. الأسماء التي تتغول على الأفعال في لغتنا اليومية. أنا أحب، وأنا أريد، وأنا أكره تخسر حصصها من ألسنة البشر لحساب أنا عندي فكرة، وأنا عندي رغبة، وأنا عندي منضدة، وأنا عندي مشكلة. اللغة تنتصر لعلاقات التملك والاستحواذ عند الإنسان. أنا موجود بقدر ما أستهلك وأمتلك.
في التعلم، تجد عدداً كبيراً من الطلاب يجلسون في المحاضرات، وينصتون جيداً، ويدونون ملاحظاتهم، ويحاولون تنسيق الزمن للتركيز بين فعل التدوين، وتذكر ما يقال. العملية بأكملها هي اكتناز للمعرفة، تخزين لها، ملكيتها، كي يتجاوز الطلبة الامتحان بنجاح. كل ذلك فعل حيازة، مؤداه تملك النجاح، التفكير في قمة الجبل أكثر من متعة تسلقه.
للتعلم في نمط الكينونة شكل آخر، فطلبة الكينونة من طينة أخرى، هم يثيرون الأسئلة ولا يحضرون شيئاً صفحات الكتب قبل محاضراتهم، يحضرون أسئلتهم الخاصة، هواجسهم المحيطة بموضوع النقاش. لا يفكرون كثيراً في قمة الجبل، لذلك هم أسرع من يصل إليها. يقول باول سامويلسون، وهو مؤلف لكتاب مهم في الاقتصاد " لقد دخلت كلية الاقتصاد لكي أجنب نفسي وأهلي الإفلاس، وبعد المحاضرات الأولى، اكتشفت أنني سأدرس علم الاقتصاد لأجنب أمتي الكوارث الاقتصادية". إن العلم في فعل الكينونة، يجعلنا مختلفين بعده.
في التخاطب بين الناس، يعتمل العقل التبريري عندنا إلى أقصى مدى، عندما نختلف في الآراء، كل منا يحاول إبراز كل الحجج الممكنة، لأن رأيه واحد من ممتلكاته التي يخشى فقدانها، إن حالة الفقد هذه تمنعنا من تعلم الجديد، والاستفادة منه، هي الفرق بين تعلم الكينونة والتعلم بالتملك.
وفي القراءة أيضاً يعيش البشر فعل الكينونة والتملك، فقراءة الروايات السردية الخالصة، أو روايات المترو، المبنية على الأحداث الغامضة المقبلة في مسيرة البطل، تدفعنا للبحث عن امتلاك معرفة الحدث الغامض. المشاركة الداخلية المثمرة في فعل القراءة شيء آخر، فالكتب التي تغير مسار حياتنا وسلوكنا من طينة أخرى، وهي بالتأكيد ليست التي تدعي إمكانية امتلاك اللغة في سبعة أيام.
يحتاج البشر إلى فعل التذكر، فلا يمكن لتحليل الظواهر أن يتم، و لا الاستدعاء الحر للأفكار أن يكتمل دون الاستعانة بقاعدة البيانات التي نبنيها بتراكم طويل وبطيء. منا من يتذكر باستخدام الصور، الصلة بين الكلمة والكلمة التالية بناء على الصوت أو الشكل أو التكرار، ومنا من يتذكر عبر الرسومات والحركات الحية للأفكار، الفكرة في رأس الفئة الثانية هي مشهد مسرحي حي. إن التذكر في فعل الكينونة، هو أن نعيد إلى الحياة الشيء الذي رأيناه أو سمعناه، إن التذكر يأتي في سياقات شعورية متعلقة بما نتذكره، أما الذكريات المودعة في الاوراق فهي شكل من أشكال التذكر المغترب.
قد نتمكن من امتلاك سلطة ما، ولكن من الصعب أن نكون سلطة، من السهل أن توصلك السلسلة الوراثية أو الجينات إلى موقع الملك أو زعيم القبيلة أو الطائفة، ولكن الأنبياء وكبار الفلسفة والمفكرين – الذين لم يبحثوا في حياتهم عن سلطة – تحولوا
بصدفة البحث وشغف البحث عن الحقيقة إلى سلطات. في الحالة الأولى يعاني الأشخاص من اغتراب السلطة، وفي الثانية تصبح السلطة مكوناً ذاتياً في أعماق الإنسان، إنها ليست موضوعاً، لأنها ببساطة ليست ملكية. بوذا المتطرف في نزعته لانتزاع الرغبة المتأصلة فينا أصبح سلطة لشعوب بأكملها، والمسيح "الحقيقة تجعلكم أحراراً" أصبح سلطة لشعوب أخرى، و كارل ماركس الكاره للأوهام، نادى لخلق الظروف التي تجعل الأوهام غير ضرورية، فتشكلت تحت سلطته تيارات سياسية وأحزاب إلى يومنا هذا.
امتلاك الإيمان هو أن نملك الإجابات الجاهزة على أسئلة الوجود، ونتجنب العبث بال"يقين"، وعندما نفقد استقلاليتنا في التفكير، يصبح اليقين يسيراً، أما الإيمان فحال أخرى، هي التوجه الداخلي والموقف، وإن تقاطع ذلك مع مجموع بشري آخر فشكل حزباً أو ديناً أو جماعة.
في أزمة الوجود السلعي هذا، قد لا نحب الطرق الوعرة، ونفضل الامتلاك عن الفعل الإيجابي المثمر، المقلق، المثير للاضطراب، والحركة، فعل الكينونة. ولكننا في نهاية المطاف وبعد أن تتحول عناصرنا الحيوية إلى أشياء نهلع لتملكها، بعد أن تتحول الآراء والتعلم والتذكر والقراءة والحب والإيمان والسلطة إلى سلع، سنكون في طريقنا إلى التحلل النهائي و الأخير. سنكون في طريقنا للبحث عن اللذة، ونفقد الفرحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.