لم تكن صناعة الغزل والنسيج صناعة عادية فى مصر، بل تعد إحدى ركائز ودعائم الاقتصاد وزيادة الدخل القومي، وتسهم بنسبة كبيرة فى الصادرات المصرية، وتمثل مصدرًا مهما للعملة الأجنبية، وساهمت مع غيرها من الصناعات الإستراتيجية فى تأمين الاقتصاد واحتياجات الشعب المصرى فى أصعب الأوقات، وبرغم أهمية تلك الصناعة، فإنها تعرضت فى الفترة الأخيرة إلى مشكلات كثيرة ومتعددة أثرت عليها بشكل كبير، لدرجة أصبحت تهددها بالتوقف والانهيار. حمزة أبو الفتح المفوض العام لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري، يؤكد فى حواره ل “الأهرام العربي” أن السبب الرئيسى وراء ذلك الانهيار هى عصابة الفساد بقيادة عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق ووزير الزراعة يوسف والي.
فى البداية حدثنا عن الوضع العام لشركة مصر للغزل والنسيج؟
الوضع الآن أفضل بكثير من السنوات الماضية، والسبب يرجع لأننا قمنا بوضع خطة متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات التى تحققها الشركة من خلال المبيعات الشهرية وبين المصروفات التى تبلغ قيمتها90 مليون جنيه شهريا متضمنة قيمة أجور العمال التى تبلغ 43 مليون جنيه شهريا، بالإضافة إلى تسديد الالتزامات الأخرى مثل الضرائب والتأمينات الاجتماعية والكهرباء والخامات ومستلزمات التشغيل، فضلا عن فتح أبواب للتسويق الخارجى من خلال المشاركة فى عدد من المعارض التى تقام بالأسواق الأوروبية، كان آخرها المشاركة فى معارض بألمانيا وروسيا، فإجمالى المبيعات بالسوقين الخارجى والمحلى قفز من 44 مليون جنيه فى شهر يونيو2015 إلى 92 مليون جنيه فى شهر إبريل قبل الماضي.
إذن الوضع المالى تحسن عن السابق؟
تحسن فى حالة المقارنة فقط، أما الوضع العام فمازال سيئا، فعندما نتحدث عن تقليل الخسائر من 660 مليون جنيه، إلى 200 مليون فقط، فهذه الخطوة تعتبر إيجابية، وتحرير سعر صرف الجنيه ساعدنا بشكل نسبى على ذلك نظرًا لارتفاع سعر الصادرات للخارج، وهذا هو الجزء الإيجابى من ارتفاع سعر الدولار، لكن هناك جزءا سلبيا من تعويم الجنيه، وهو ارتفاع سعر الخامات التى تأتى من الخارج، وكذلك الإكسسوارات، والمحاسبة المالية للكهرباء التى تصل تكلفتها فقط شهريًا 40 مليون جنيه، نظرًا لأننا نمتلك محطة توليد خاصة بالشركة، ووزارة البترول تقوم بمحاسبة الشركة بالدولار، لذلك قمنا بتخفيض الأحمال من المحطة الخاصة من الشركة، والتعاقد مع وزارة الكهرباء، وهو أمر وفر علينا 20 مليون جنيه شهريًا، بالإضافة لإيقاف التعيينات منذ فترة، وهو أمر وفر كثيرًا على الشركة، فى الوقت الذى يخرج فيه الكثير لسن التقاعد والمعاش، ولا يأتى البديل نظرًا لقلة العمل والإنتاج .
ولماذا وصلت الشركة لهذا الحد الكبير من الانهيار؟
هذا الانهيار سببه تراكمي، وأنا أكثر شخص لديه معرفة بهذا الأمر، لأنى كنت مدير الإنتاج والتخطيط، عندما قرر عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، خصخصة الشركات فى نهاية التسعينيات، ومن هنا تم إيقاف التطوير فى الشركة، فعملى الأساسى كان رسم خطط التطوير، والإصلاح داخل هذا الصرح الكبير والعملاق فى صناعة الغزل والنسيج فى مصر والشرق والأوسط، ولكن للأسف التعليمات جاءت بوقف التطويرات، بالأمر المباشر ، لتسقط واحدة من أكبر الصناعات الإستراتيجية فى الدولة بالإضافة للإدارات الفاسدة التى تولت الشركة لبعض الوقت وزادت من حالة الشركة من السيىء للأسوأ.
وما القوة التى تعمل بها الشركة وسط هذه الخسائر؟
فى المجمل العام، الشركة تعمل بنسبة 70 % من قوتها، وهذه النسبة تعد كبيرة، لأن هناك بعض الأقسام تعمل بقوة 100 %، بل تزيد مثل أقسام الوبريات والنسيج، لأنها تعتمد على المصانع الخاصة لتكملة الطلبيات، التى تقوم الشركة بتصديرها إلى السوق الأمريكية والأوروبية، على عكس بعض الأقسام التى تشهد توقفاً تاماً، نظرًا لعدم الحاجة إليها، وكذلك عدم تشغيل البعض الآخر، بسبب عدم التطوير وتحسين الآلات .
وهل هناك خطة تطوير... الوقت الراهن؟
الشركة القابضة وضعت خطة إصلاح بناء على توصيات شركة وارنر الأمريكية تعتمد على هيكلة الماكينات والمعدات والآلات الموجودة بشركات قطاع الأعمال العام من خلال تقديم دراسات لتطوير25 شركة بتكلفة 6 مليارات جنيه منها600 مليون جنيه تم تخصيصها لإجراء عمليات إحلال وتجديد شاملة بشراء ماكينات حديثة ومتطورة بجميع مصانع وأقسام الشركة، ومن المفترض أن تبدأ عمليات التطوير من محالج الأقطان، وهى المرحلة الأولى والأهم فى تلك الصناعة، لكنها للأسف أول ما تم تدميرها، بسبب الخصصة، وجميعها تم إغلاقها فى مدينة المحلة، نظرًا لعدم توفير القطن المصري، والاعتماد فقط على الاستيراد من السودان واليونان وبوركينا فاسو، وبنين، فكلها أمور تحتاج لبعض الوقت، وأعتقد أنها ستنتهى قريبًا فى ظل توجيهات القيادة السياسية بالتوسع فى زراعة القطن لإنقاذ هذه الصناعة الوطنية وزيادة مساحات زراعة القطن بأصنافه المختلفة لتوفير احتياجات شركات ومصانع القطاع الخاص بعدما تراجعت زراعته من2 مليون فدان منذ عشر سنوات إلي130 ألفا فقط، فنحن لدينا أمل كبير فى أن يقوم الرئيس السيسى ببناء ما قام عاطف عبيد ويوسف والى من هدمه، لكى تنتعش صناعة الغزل والنسيج فى أسرع وقت.
هل هناك وقت زمنى محدد للانتهاء من هذا التطوير .. وتحقيق أرباح؟
أى إصلاح لابد أن يبدأ بالعمل والتشغيل من جميع النواحى الفنية والإدارية والتسويقية والتمويلية وتحويلها إلى مرحلة تحقيق الربح، والخطة التى وضعتها الشركة القابضة، تعمل على إعادة الهيكلة فى خمس سنوات، ولكن بعد تدخل السيد رئيس الجمهورية، أعتقد أنها ستعجل فى عودة الشركة فى أسرع من ذلك، وهو ما يجعلنى أؤكد أن الوضع الطبيعي، وتحقيق المكاسب الحقيقية سيكون فى عام 2022 .
بعيدًا عن قطاع الأعمال الصناعة فى مصر بشكل عام تتعرض للانهيار حتى فى القطاع الخاص.. فما السبب فى ذلك؟
المشكلة تكمن فى أن العلاقة بين القطاع الخاص والعام كانت كبيرة وكبيرة جدًا على مستوى التعاملات، وكان هناك العديد من المصانع الخاصة التى تعتمد على الشركات فى تجهيز جزء من إنتاجها، أو شراء الغزول لتدويرها، وهذا من أسباب تدهور بعض أعمال القطاع الخاص، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغزول المستوردة نتيجة ارتفاع سعر الدولار، حيث إن صناعة النسيج تعتمد بنسبة كبيرة تصل إلى90 % من استهلاكها على الغزول المستوردة وهذا يعد أحد الأسباب الرئيسية لتوقف كثيرا من مصانع الغزل الموجودة محليا، وأيضا نتيجة لفقد السوق المحلية لمنتجى الغزول وأغلبها قطاع عام بدعوى أن المستورد أقل تكلفة ويتميز بالجودة العالية، حيث يدخل الغزل مصر بنظام السماح المؤقت ويعاد تصديره فى صورة ملابس ومنتجات نسيجية وتحصل هذه الشركات على دعم للصادرات على إجمالى قيمة المنتج مما يجعل مصر تدعم الغزل الأجنبى، بالإضافة إلى نسبة عالية غير حقيقية ومبالغ فيها من الفاقد الذى يتم تشغيله من منتجات تباع بالسوق المحلى بخامات مستوردة لم تسدد عنها جمارك.