العراق صاحبة النصيب الأكبر فى تدمير وسرقة متاحفها حيث تم سرقة نحو 3100 قطعة أثرية كيف يتم الاحتفال باليوم العالمى للمتاحف كل عام وسط هذا التخريب والسرقة اللتين تتعرض لهما؟
الآثار الإسلامية فى سوريا لم تسلم من أيدى الدواعش حيث فجروا مزارات للصحابة
الآثار والمتاحف السورية وعلى رأسها متحف حماة تتعرض لعمليات نهب وتدمير واسعة النطاق منذ 2011
بداية جاءت فكرة إقامة يوم عالمى للتوعية بالمتاحف والحفاظ على الكنوز التاريخية والتراثية والثقافية فى عام 1977، على يد منظمة "الأيكوم"، التابعة لهيئة اليونسكو، وأن تكون هناك فكرة مشتركة وعنوان مختلف كل عام. ويبدو أن الفكرة الأنسب لتكون سمة مشتركة فى الاحتفال باليوم العالمى للمتاحف هى "الدمار والخراب والنهب والسرقة التى طالت المتاحف والآثار على مر العقدين الماضيين، الذى بدأ فى العراق منذ غزوها فى عام 2003، حيث تعتبر العراق صاحبة أكبر تدمير وسرقة لمتاحفها وآثارها، ومن وقتها والتراث العراقى بشكل عام يعيش فى فترة من أسوأ الفترات التى مرت عليه. وكان يوم 8 إبريل عام 2003 آخر يوم عمل لموظفى المتحف الوطنى العراقى "متحف بغداد"، حيث اشتبكت القوات العراقية مع قوات الولاياتالمتحدة داخل المتحف، ليصبح ما به من آثار فريسة سهلة أمام اللصوص والغزاة، وعلى مدار أربعة أيام كان المتحف شبه خاليا من الآثار بعد تعرضه للسرقة من قبل 3 عصابات متخصصة فى سرقة الآثار، ولم يبق إلا التماثيل والمسلات الكبيرة التى صعب على اللصوص نقلها، ووضع الموظفون خطة لتخزينها.
نهبت العصابات مخازن المتحف ومستودعاته الأثرية، وسرقوا نحو 3100 قطعة أثرية عاد منها فيما بعد إلى المتحف نحو 3000 قطعة. ولم تكن حال الأعمال الفنية أفضل، حيث تم سرقة تمثال الملك السومرى أنتمينا ملك منطقة لجش، والذى يعود تاريخه إلى 4400 سنة. والغريب أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أعادت التمثال. ومن أبرز المسروقات قيثارة "أور" وهى قيثارة أصلية، وترجع إلى زمن الملكة بو آبى شبعاد 2450 ق.م. والتى تعتبر المفتاح الأساس لصنع كل الآلات الوترية، وعادت فيما بعد مقطعة الأوتار، وقد أزال اللصوص الذَهب المرصعة به.
وتتوالى السنوات ليستمر التدهور والتخريب، وتنتقل سرقة ونهب متاحف العراق من العصابات والغزاة لتقع فى يد تنظيم داعش الإرهابى، ففى يونيو 2014 تعرض تمثال أبوتمام صاحب ديوان "الحماسة" للتدمير، بعد أيام فقط من سيطرة التنظيم على الموصل، وفى نهاية سبتمبر 2014 تعرض "مرقد الأربعين" فى مدينة تكريت للتفجير، والذى يضم رفات 40 جنديا من جيش الخليفة عمر بن الخطاب خلال الفتح الإسلامى لبلاد ما بين النهرين عام 638 قبل الميلاد. كما تعرضت الكنيسة الخضراء الأثرية للتدمير فى عام 2014، وهى كنيسة كبيرة تعود إلى نحو 1300م عام فى تكريت، كبرى مدن محافظة صلاح الدين شمالى بغداد، حيث كانت مسرحا لمجزرة تعرض لها المسيحيون على يد المغول عام 1258م، وكذلك تم تفجير مسجد السلطان ويس التاريخى وسط مدينة الموصل عام 2014.
مكتبة الموصل وكان سنة 2015 من أسوأ السنوات التى مرت على الآثار العراقية، بعد أن استولى تنظيم داعش الإرهابى على مدينة الموصل، ففى شهر فبراير 2015 كان العالم يشاهد على الهواء، تلك الكارثة التى حلت على متحف الموصل فى العراق، بعد أن أذاع تنظيم داعش الإرهابى فيديو يكشف فيه مدى الدمار الذى ألحقه بثانى أهم المتاحف فى العراق، ظهر فيها المسلحون، وهم يكسرون التماثيل ويوقعونها أرضًا ويحطمونها إلى قطع صغيرة. كما دمر التنظيم مكتبة الموصل وعددا كبيرا من الكتب بعد أن قاموا بعملية انتقاء نوعى لها، ونفس الشيء فعلوه بمدينة الحضر الأثرية شمالى العراق فى مارس 2015، كما جرفوا مدينة النمرود الأثرية فى نفس الشهر، وهو ما اعتبرته منظمة اليونيسكو "جريمة حرب". كما نسف التنظيم فى يوليو من نفس العام مرقد النبى يونس.
متحف اليمن
وفى اليمن "السعيد" تحول الموقف لما يشبه التدمير لمعظم آثاره، بعد انطلاق عاصفة الحزم فى مارس 2015، حيث أصبحت المواقع الأثرية اليمنية مباحة أمام القصف المتبادل بين ميليشيات الحوثيين من جهة، ولجان المقاومة الشعبية من جهة أخرى، وغارات طائرات التحالف العربى، حيث تعرض المتحف الوطنى باليمن للقصف، والذى يعود تاريخ بنائه إلى عام 1912 فى عهد السلطان فضل بن على العبدلي.
هذا البلد يملك شواهد وآثارا تاريخية تعود لأكثر من 4 آلاف سنة مرت على أرضه، منها الممالك اليمنية القديمة، وقصور ومعابد وتماثيل ومساجد وقلاع وحصون وغيرها تعود لتلك الفترة الزمنية، ومن أشهرها مملكة سبأ فى مأرب، ومملكة معين فى الجوف، وقتبان فى بيحان، وأوسان فى مرخة، وحضرموت فى شبوة. ونتيجة لتلك الحروب والصراعات المسلحة دفعت الآثار ثمنًا بالغًا لها من النهب والتهريب، وتعرضت العديد من مواقعه الأثرية لدمار كبير، وذلك حسبما رصد العديد من الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية تلك الأضرار.
قصر السلاح ومن بين ما تمت سرقته وتدميره من آثار فى اليمن، ما حدث فى محافظة صنعاء، حيث تعرض "قصر السلاح" المقام على أنقاض قصر غمدان الشهير، الذى يعتبر واحدًا من أقدم القصور ومن عجائب الهندسة المعمارية، إلى الدمار، وهو القصر الذى سكنه الملك سيف بن ذى يزن، آخر ملوك الدولة الحميرية، الذى حكم فى القرن السادس للميلاد، إضافة إلى تعرض بعض المنازل الأثرية فى مدينة صنعاء القديمة وقرية فج عطان إلى أضرار بالغة، جراء القصف الذى تتعرض له العاصمة بشكل متواصل. كما تعرض مسجد وضريح "الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني" الواقع فى منطقة حمراء بقرية دار الحيد بمديرية سنحان لتدمير بالغ.
ثم انتقل تخريب الآثار فى اليمن إلى محافظة تعز، بسبب القصف الجوى الذى تعرضت له "قلعة القاهرة" التاريخية، التى بنيت فى عصر الدولة الصليحية (1045-1138م)، حيث أصابتها أضرار جسيمة، ولعبت القلعة أدوارًا عسكرية وسياسية خلال تاريخها الطويل، حيث اتخذها الأيوبيون مقرًا لإقامتهم وحكمهم بعد دخولهم اليمن عام 1173م، فضلًا عن أنها كانت مقرًّا لحكم الرسوليين الذين قادوا اليمن فى الفترة من (1229-1454م). أما محافظة عدن، فقد تعرضت "قلعة صيرة" التاريخية، التى بنيت فى القرن الحادى عشر الميلادي، إلى التدمير، إضافة إلى تضرر "مسجد جوهرة" التاريخى. كما تعرضت "المدينة القديمة" بمحافظة صعدة إلى القصف الجوى، ومسجد "الإمام الهادى إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم" أحد أقدم وأهم جوامع المدينة، الذى تم بناؤه فى عام 290 هجرية.
كما طال تدمير المتاحف والآثار فى عدد من المحافظات الأخرى باليمن، ففى محافظة الجوف تعرض سور "مدينة براقش" للتدمير، ونفس الخراب طال سور "معبد أوعال صرواح" فى محافظة مأرب، و"دار الحسن" بمحافظة الضالع التى يعود تاريخها إلى فترة عصور ما قبل الإسلام.
درة بلاد الشام
وفى سوريا "درة بلاد الشام" الشاهدة على حضارة وآثار أكثر من خمسة آلاف سنة، تشهد آثارها منذ شهر مارس 2011 والكنوز الأثرية السورية لعمليات نهب وتدمير واسعة النطاق، فتعرض نحو 300 مائة موقع أثرى سورى، وفى مقدمتها الآثار الإسلامية فى جميع المناطق السورية. ومن أهم المواقع الأثرية السورية التى استهدفتها عمليات النهب أو التدمير فى عام 2012 اقتحام آثار متحف حماة ونهب الأسلحة القديمة الموجودة فيه وتمثالا يعود إلى العصر الآرامي، وإصابة قلعة شيزر المطلة على نهر العاصى وسرقة تمثال رومانى من الرخام من متحف أفاميا، وتعرض قلعة المضيق بريف حماة للقصف، بينما تم نهب مدينة إيبلا الأثرية الواقعة فى محافظة إدلب، وتعرض قلعة ابن معان فى ريف تدمر التى تعود إلى العصر الرومانى، كما تعرض متحف حمص للنهب من المتمردين، وكذلك نفس الحال مع متحف التقاليد الشعبية فى حلب، كما تم استهداف متحف مدينة المعرة الواقعة بين حلب وحماة بهجوم، نفذته مجموعات مسلحة، وسرقت منه ما يزيد على 30 قطعة فنية، ولحسن الحظ، لم تتضرر أى لوحة من لوحات الفسيفساء الموجودة فى المتحف.
كما تعرض مسرح تدمر الرومانى الذى بنى قبل نحو 2000 عام، إلى التدمير على يد تنظيم داعش الإرهابى، حيث حوله التنظيم فى مايو 2015 من معلم أثرى ذى شهرة عالمية إلى ساحة يقتل فيها أسراه بعد أن فرض سيطرته على المدينة الأثرية، كما فجر التنظيم مقامين دينيين بمدينة تدمر الأثرية، فى يونيو 2015، وهما مزار محمد بن على المتحدر من عائلة الصحابى على بن أبى طالب، ومزار العلامة التدمرى أبو بهاء الدين، كما فجر الدواعش المعبد الشهير فى مدينة تدمر، وبعل شمين فى أغسطس 2015.
المتحف المصرى
ومع أحداث 25 يناير 2011 فى مصر، تعرضت العديد من المتاحف ومن بينها المتحف المصرى بميدان التحرير إلى النهب والسرقة، ثم الهجوم على متحف ملوى الذى تعرض للسرقة والنهب وتدمير القطع الكبيرة من الآثار التى كانت بداخله يوم فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013، الأمر الذى نتج عنه تدمير واجهات المتحف وسرقة عدد من القطع الأثرية به. كما تعرض المتحف الإسلامى إلى التدمير فى عام 2014 وخسارة، وفقد عدد كبير من القطع الأثرية المهمة أثناء الهجوم على مبنى مديرية أمن القاهرة.
وفى تونس تعرض متحفها الوطنى بباردو فى 18 مارس عام 2015، إلى هجوم شنه إرهابيون، وهو يعد ثانى متحف فى العالم يحتوى على لوحات من فن الفسيفساء الرومانية بعد متحف فسيفساء زيوغما فى تركيا. وبعيدًا عن حال متاحفنا فى عالمنا العربى، فقد شهد متحف اللوفر فى باريس لهجوم إرهابى فى الثالث من فبراير الماضى. والسؤال كيف يتم الاحتفال باليوم العالمى للمتاحف كل عام وسط هذا التخريب والسرقة التى تتعرض لها المتاحف؟ ألم يكن من الأولى أن يكون لمنظمة اليونسكو دور فى الحماية والتوعية وإعادة تلك المسروقات، وإعلان المناطق الأثرية مناطق منزوعة السلاح؟
جدير بالذكر أن أصل كلمة متحف، يونانى ويرتبط بكلمة Musa بمعنى "سيدة الجبل". وقد تم إنشاء أول متحف فى مدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط- فى عام 280 قبل الميلاد على يد الملك بطليموس الأول سوتير، أو المنقذ (367 ق.م.- 283 ق.م.) أول ملوك الفراعنة البطالمة ومؤسس الأسرة البطلمية بالإسكندرية، وكان يحتوى على تماثيل لآلهة الجمال، والموسيقى، والشعر كما ضم نماذج عن أحدث الاختراعات والآلات الصناعية والجراحية، وقد تحول فيما بعد إلى مدرسة أو جامعة يونانية. وكانت فكرة إنشاء المتحف تقوم فى بدايتها على أنها معابد لربات الفنون، وربة الفن كانت تسمى (موسا) أو (ميوسا) ومنها اشتقت كلمة موسيقى فى كل لغات العالم.