تخشى تركيا أن تساعد أمريكا الأكراد فى إنشاء كردستان السورية المستقلة الدعم الروسى للأكراد فى «عفرين» رسالة مزعجة إلى تركيا التى تعترض على أى دعم للأكراد فى هذه المنطقة
التقارب مع روسيا والتأثير على المعارضة السورية أهم الأوراق التى يمكن أن تستخدمها تركيا
من الواضح أن تركيا تسعى الآن إلى قطع الطريق على أكراد حزب الاتحاد الديمقراطى، المدعومين من واشنطن. وسيحاول أردوغان إقناع واشنطن بتحرير الرقة عن طريق قوات درع الفرات، بحيث يتم تغيير سياسة أوباما التى اعتبرت الأكراد بمثابة وكلاء للولايات المتحدة. بما يمثل دفعة للتمرد الكردى. لذلك شنت تركيا يوم 25-4-2017 ضربات جوية مكثفة على مواقع وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطى الكردى، فى جبل قرة جوخ شمال شرق سوريا، تزامناً مع ضربات على جبل سنجار فى شمال العراق، استهدفت مواقع حزب العمال الكردستانى، حيث يعتبر البعض ذلك اختبارا للقوة قامت به تركيا قبل اللقاء مع ترامب، بما يحمل جملة من الرسائل والدلالات، مفادها أن تركيا يمكنها فعل ما هو أكثر من المتوقع فى سبيل منع إقامة دولة كردية فى المنطقة. حيث تخشى تركيا أن تساعد أمريكا الأكراد، فى إنشاء كردستان السورية المستقلة، حيث يعتبر أردوغان أن وجود منطقة كردية مستقلة فى سوريا، قد يؤدى إلى رغبة أكراد تركيا الذين يمثلون نحو 20 % من السكان فى اعتبارها مثالاً، لأنها إلى الآن لم تلمس موقفاً جاداً من جانب واشنطن فيما يتعلق بوقف الدعم للأكراد فى سوريا، أو إبعادهم عن العملية المحتملة فى الرقة. ويوم 26-4-2017 اندلعت اشتباكات بين القوات التركية ومقاتلى "وحدات حماية الشعب" الكردية فى نقطة حدودية أبعد غرباً. ووقعت تلك الاشتباكات بعد يوم من قصف الطيران التركى موقعا للمقاتلين الأكراد قتل خلاله 28 شخصاً معظمهم مقاتلون وأصيب 19 بجروح، وفق المرصد السورى لحقوق الإنسان. ودعت وحدات حماية الشعب الكردية وقتها إلى فرض منطقة حظر طيران فوق شمال سوريا. لكن تصاعد التوتر فى العلاقة بين أنقرةوواشنطن بسبب ذلك. وأجمعت المواقف والتصريحات التى صدرت عن كبار المسئولين الأمريكيين على القلق الأمريكى من الخطوة التركية، وتأكيد التحالف مع الأكراد، ومشاركتهم فى معركة الرقة، وهو ما شكل انزعاجاً تركياً واضحاً، تجلى فى إعلان أردوغان المتكرر عزمه القيام بمثل هذه العمليات، حيث استخدم المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، عبارة "شركائنا" فى حديثه عن قوات "سوريا الديمقراطية"، فى إشارة إلى تعاون بلاده مع الجماعة التى تصنفها تركيا كجماعة "إرهابية". واتهم تقرير تركى الولاياتالمتحدة بانتهاك معاهدة حلف شمال الأطلسى "ناتو"، عبر تقوية منظمة "حزب العمال الكردستانى" (PKK) المصنفة فى قائمة الإرهاب، مؤكداً أن المعاهدة تلزم واشنطن بتعزيز أمن "الحليف التركى"، وبالتالى عدم دعم التنظيمات التى تهدد ذلك الأمن.
العودة إلى موسكو وجاء رد وزارة الخارجية الروسية على تلك الغارات الجوية التى شنتها تركيا، بأنها "غير مقبولة"، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس. وترى روسيا أنه من الاستحالة تحقيق حل سورى دون الأكراد، وقد توافقت مسودة مشروع دستورى أعدها حزب الاتحاد الديمقراطى مع الدستور السورى الجديد الذى اقترحته روسيا، فبينما شملت المسودة الكردية كل ما يحقق الطموح الكردى من فيدرالية وغيرها، قدمت المسودة الروسية ما لم تقدم أى مقترحات سياسية سابقة، كإزالة كلمة اللغة العربية من اسم الجمهورية السورية والتخلى عن تحديد دين رئيس الدولة، وتشمل المسودة بنداً ينص على أن "تستخدم أجهزة الحكم الذاتى الثقافى الكردى ومنظماته اللغتين العربية والكردية لغتين متساويتين". وكانت روسيا قد وقعت اتفاقاً مع وحدات حماية الشعب الكردية مارس الماضى، يقضى بتدريب مقاتليها فى شمال سوريا، فى إطار "التعاون ضد الإرهاب" وأيضا بتلقى "الأكراد" تدريبات على أساليب الحرب الحديثة، وهى خطوة تشكل بالطبع إزعاجاً كبيراً لتركيا. وبموجب ذلك الاتفاق وصلت "قوات روسية مع ناقلات جند ومدرعات إلى منطقة جنديرس فى عفرين "إحدى المقاطعات الثلاث التى أعلن الأكراد فيها إقامة إدارة ذاتية مؤقتة فى عام 2013. وبالطبع مثل ذلك الدعم رسالة مزعجة إلى تركيا التى تعترض على أى دعم للأكراد فى هذه المنطقة. كما أظهرت صور انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعى مشاركة عسكريين روس باحتفالية ل "عيد النوروز" فى حلب، والتقاطهم صوراً مع عناصر حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى، ويحملون بأيديهم لافتات للتنظيم، وارتداء قائد الجيوش الروسية فى المنطقة برتبة لواء رمز وحدات حماية الشعب على ذراعه. وجاء لقاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ونظيره الروسى فلاديمير بوتين بمدينة سوتشى الروسية فى 3 مايو الحالى، بعد توتر العلاقات إثر إسقاط تركيا قاذفة روسية فى سوريا، إذ استضافت مدينة بطرسبرج لقاء المصالحة بين الرئيسين فى أغسطس 2016، والتقيا مجدداً فى سبتمبر على هامش قمة ال 20 فى مدينة هانزو الصينية، وبعده لقاء فى أسطنبول فى أكتوبر من العام نفسه، حتى كان آخر لقاء لهما فى موسكو فى مارس الماضى وترأسا خلاله اجتماعات "مجلس التعاون الروسى – التركى". وجاء لقاؤهما متزامناً مع انطلاق الدورة الرابعة من اجتماعات آستانة فى كازاخستان. وقدمت خلالها روسيا خطة لإنشاء "مناطق تخفيف التصعيد" فى سوريا بين المعارضة والنظام، وانتهت المفاوضات بتوقيع ممثلى البلدان "الضامنة" - وهى تركيا وإيران، بالإضافة إلى روسيا وهى الدولة الراعية للمفاوضات وصاحبة فكرة مناطق "التهدئة" - مذكرة فى هذا الشأن، اشتملت على أجندة زمنية بإقرار وقف شامل لإطلاق النار فى مناطق أربع. وتشمل المناطق الأربع المقترحة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا. ولن يتضمن ذلك مناطق الساحل التى يسيطر النظام على جزء كبير منها، وتشمل مناطق جبل التركمان، وطلبت تركيا من روسيا أن تضيف تلك المنطقة الخامسة، وكان رد روسيا "إنها ستبحث الأمر". الأمر الذى يفسر بأن تركيا قد تختار العودة للعمل مع موسكو، إذا لم تقتنع واشنطن بوجهة نظرها بشأن التخلى عن دعم أكراد سوريا. وتضمنت الأجندة أن يتشكل فريق عمل لوضع خرائط محددة للمناطق وتحديد آليات الرقابة، ورفضت المعارضة القبول ببند فى الاقتراح الروسى تحدث عن إحلال قوات مراقبة من البلدان الضامنة، حيث ترفض المعارضة أى دور لإيران أو أن يكون لها دور ضامن. كما طالبت أنقرة خلال اللقاء بعدم إشراك قوات حماية الشعب الكردية فى معركة تحرير الرقة، وقال قورتملوش أوغلو: إن تركيا على استعداد للقيام بدور حيوى فى هذه المعركة فى حال منع مشاركة الأكراد. وذكر أن واشنطنوموسكو لم تتخذا أى قرار بشأن هذا الأمر بعد. ومع استمرار الدعم الأمريكى والاقتراب الروسى من الأكراد، تختلط الكثير من الأوراق أمام الأتراك. ومن غير المعروف كيف ستتعامل تركيا مع هذا الوضع الذى يربكها وما سوف تنتهى إليه قرارات واشنطن بشأن هذا الأمر. ويرى البعض أن رهان أردوغان على قمته مع ترامب، بتغيير موقفه من الكرد وإبعادهم عن معركة الرقة، ليس سوى نوع من الوهم. لكن تبقى مسألة التقارب مع روسيا ومسألة التأثير على المعارضة السورية من أهم الأوراق التى يمكن أن تستخدمها تركيا.