كانت فكرة إنشاء بنك مصرى وطنى حلم يراود الكثيرين منذ أيام محمد على باشا، فعلى الرغم من أن محمد على قبل وفاته أمر بإنشاء بنك برأسمال قدره 700 ألف ريال. ولكن مشروع البنك انهار كسائر مشروعات والى مصر ، لما أصابه المرض بعد أن ضاعت ثمرة حروبه عليه نتيجة التواطؤ الدولى على حصار قوته. ثم عادت فكرة بنك مصر إلى الحياة بعد أن دعا إليها "أمين شميل" فى مقال له فى 26 إبريل 1879 فى جريدة "التجارة"، واجتمع على إثر ذلك عدد من أعيان مصر، غير أن الخلاف الذى نشب بين الجمعية الوطنية المصرية التى أنشأها الخديو إسماعيل وبين الخديو توفيق التى وقعت فى أعقابه الثورة العرابية أعاق إتمام الفكرة. ويحكى صديق عرابى الشهير "مستر بلنت" فى مذكراته عن الثورة العرابية عزم عرابى إنشاء "بنك تسليف" للفلاحين لولا أن الاحتلال داهم الحكومة العرابية وقضى على المشروع. ثم عادت فكرة (بنك مصر) إلى الظهور عندما بدأ "عمر لطفى بك" عضو الحزب الوطنى ووكيل كلية الحقوق فى إلقاء محاضرات فى نادى المدارس العليا ابتداء من اليوم الأول فى نوفمبر 1908 عن نظام التعاون والتسليف فى ألمانيا وإيطاليا، لكن الفكرة عانت من الخلاف بين التيارات التقدمية والرجعية، ولم تنجح الفكرة مجدداً إلا مع مجهودات طلعت حرب الذى بدأ بطرح الفكرة فى بعض خطبه. وعقب انعقاد المؤتمر المصرى الأول فى 29 أبريل عام 1911 انتهز محمد طلعت حرب باشا اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصرى، وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصرى برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب باشا للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها فى الدول الأوروبية، فلما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا بعد هذا، آمن كل مصرى بالفكرة التى يدعو لها وإلى تنفيذها، لكن الحرب العالمية الأولى التى أعلنت فى 4 أغسطس سنه 1914 أدت إلى تأجيل فكرة البنك لأكثر من 8 سنوات، وعادت من جديد الدعوة لإنشاء البنك بعد قيام ثورة 1919. أقنع طلعت حرب 126 مصرياً بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ثمانين ألف جنيه، تمثل عشرين ألف سهم، أى أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصرى بك من أعيان مغاغة الذى اشترى ألف سهم. وفى الثلاثاء 13 ابريل سنة 1920 نشرت الوقائع المصرية فى الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر"· كان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من ال 126 مساهماً جميعهم مصريون، وحرر بصفة عرفية فى 8 مارس سنة 1920 - ثم سجل فى 3 إبريل - أى بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوى باشا، محمد طلعت بك، عبد العظيم المصرى بك، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفى أفندي، إسكندر مسيحة أفندي، عباس بسيونى الخطيب أفندي. خبر إعلان تأسيس البنك عام 1920 - من جريدة الأهرام العريقة نص عقد الشركة الابتدائي، على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك فى إصدار السندات، وغير ذلك مما يدخل فى أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد، وأنه تجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين، على أن يقوم بإدارة الشركة أو البنك مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية، وتم انتخاب مجلس الإدارة المكون من: أحمد مدحت يكن باشا .. رئيسا لمجلس الإدارة يوسف أصلان قطاوى .. وكيلا محمد طلعت حرب بك .. نائب للرئيس وعضو مجلس الإدارة المنتدب الدكتور فؤاد سلطان بك .. عضو مجلس الإدارة المنتدب بالإنابة أما الأعضاء فهم : عبد الحميد السيوفى وعلى ماهر و عبد العظيم المصرى وإسكندر مسيحة ويوسف شيكوريل وعباس بسيونى الخطيب، اشترط العقد أن يملك عضو مجلس الإدارة 250 سهماً على الأقل، ولا يجوز له التصرف فيها طول مدة عضويته، وأن لا يكون عضواً بالجمعية العمومية من يملك أقل من خمسة أسهم، وتأسس بنك مصر حول المحاور الرئيسية وهى إنشاء بنك مصرى برأسمال مصرى وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية وتحويل تنموى للاقتصاد الوطنى من الاستثمار الزراعى إلى الاستثمار الصناعي. كانت سلطات الاحتلال البريطانى لم تحاول منع قيام هذا البنك المصرى أو وضع العقبات فى طريق إنشائه، على الرغم أنه قام لينافس البنك الأهلى الذى كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادى الإنجليزى لمصر، وأرجع ذلك إلى أن الشارع المصرى كان فى ذلك الوقت فى حالة غليان فى أعقاب ثورة 1919م، فلم تشأ سلطة الاحتلال أن تفجر الوضع مرة أخرى مثلما حدث باعتقال سعد زغلول من قبل. كما أن الإنجليز ربما رأوا أن بنك مصر برأس ماله الصغير وقلة خبرة المصريين فى أعمال البنوك لن يستطيع الصمود فى المنافسة، و لن يلبث أن يقع ويغلق أبوابه، فلا داعى لدخول معركة ضد الرأى العام لا حاجة لها. وفى 10 مايو 1920م تم افتتاح البنك رسمياَ، وألقى طلعت حرب خطبة فى دار الأوبرا المصرية بمناسبة بدء أعمال بنك مصر، و كان أول مقر له فى شارع الشيخ أبو السباع، وبدأت رحلة بنك مصر فى تمصير الاقتصاد المصرى والقيام بدور كبير فى الاقتصاد المصري، حيث ساهم فى تأسيس مجموعة من الشركات المستقلة التى تدور فى فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعى بينها جميعاً، وأدت سياسته إلى الكثير من التطورات التى شوهدت فى الاقتصاد الوطنى التى كانت مرتبطة إلى حد كبير بنشاط بنك مصر وشركاته أو كانت تمثل نتيجة من نتائجه.
مشروعات بمساهمة «حرب» تأسيس النادى الأهلى المصرى 100 جنيه بنك مصر، رأس مال 80,000 جنيه شركة مصر للطباعة، رأس مال 5,000 جنيه شركة مصر لصناعة الورق، رأس مال 30,000 جنيه شركة مصر لحلج القطن، رأس مال30,000 جنيه شركة مصر لصناعة السينما (ستديو مصر)، رأس مال 15,000 جنيه الشركة المصرية العقارية، رأس مال 116,000 جنيه بنك مصر الفرنسى رأس مال 5 ملايين جنيه شركة مصر للغزل والنسيج، رأس مال 300,000جنيه شركة مصر لمصايد الاسماك، رأس مال 20,000 جنيه شركة مصر لغزل الحرير، رأس مال 10,000جنيه شركة مصر للكتان، رأس مال 45,000 جنيه بنك مصر سوريا، رأس مال مليون ليرة سوري شركة مصر للنقل والشحن، رأس مال 160,000جنيه شركة المصنوعات المصرية، رأس مال 5,000 جنيه شركة مصر للطيران، رأس مال40,000 جنيه شركة مصر للسياحة، رأس مال7,000 جنيه شركة المصريون للجلود والدباغة شركة مصر للمناجم والمحاجر، رأس مال 40,000 جنيه شركة مصر لصناعة وتكرير البترول، رأس مال 30,000 جنيه شركة مصر للصباغة (بالتعاون مع براد فورد)، رأس مال 250,000 جنيه شركة مصر للمستحضرات الطبية والتجميل، رأس مال 10,000 جنيه "حرب" يحصل على قلادة النيل من الرئيس السادات: وتكريماً ل"حرب" بعد مرور ستين عامًا على إنشاء بنك مصر وتسعة وثلاثين أيضاً على وفاة حرب أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قراراً بمنح اسم طلعت حرب قلادة النيل العظمى تكريما له على خدماته الاقتصادية التى غيرت مجرى الحياة الاقتصادية المصرية وليكون حرب أول مصرى يحصل على هذه القلادة. كما تم اختيار أحد ميادين وسط العاصمة المهمة - الشهيرة بوسط البلد - ليطلق عليها اسمه فأصبح ميدان طلعت حرب الشهير، تم إطلاق اسمه على العديد من المدارس الحكومية فى مختلف محافظات مصر. تم اختيار أحد الميادين المهمة بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية لتحمل أيضاً اسم طلعت حرب، وأصدرت مصلحة البريد المصرية طابعا بريديا يحمل صورته تخليدا لذكراه للأبد، أنتج فيلماً وثائقيا عن حياته- أنتجته قناة النيل المصرية- بالإضافة إلى بعض المسلسلات التليفزيونية التى تناولت شخصيته ضمن أحداثها.