لم يكن للمصريين اقتصاد خاص بهم، لأن ميدان المال والصناعة كان يتحكم فيه الأجانب، وليس من حق المصريين العمل في هذا المجال لأن الشعب المصري شعب لا يعرف إلا الاستدانة، ولا يعرف معنى الادخار، ولا يصلح إلا للزراعة هكذا كان يرى الاحتلال البريطاني الشعب المصري، ولكن يأتي الزعيم الاقتصادي طلعت حرب، ويُغير هذا المفهوم ويبدأ بإنشاء أول شركة مساهمة مصرية “بنك مصر”. في هذا التقرير عرض لسيرة الاقتصادي المصري طلعت حرب لنتعرف أكثر عن حياته وإسهاماته الاقتصادية الأخرى. نبذة عن حياته في 25 نوفمبر لعام 1867كان مولد صاحب فكرة إنشاء بنك مصر وهو “محمد طلعت حرب”، ولد في حي الجمالية بالقاهرة حفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة التوفيقية الثانوية، ثم مدرسة الحقوق التي تخرج منها عام 1889. عمل مترجمًا في: “الدائرة السنية” وهي الجهة المسئولة عن إدارة ” الأملاك الخديوية الخاصة”، وتدرج في السلك الوظيفي فيها حتى تولى منصب مدير لقلم القضايا، في عام 1905انتقل للعمل مديرًا لشركة كوم إمبو، بجانب إدارة “الشركة العقارية المصرية”، التي أصبحت بعد ذلك أغلب الأسهم الموجودة في الشركة ملكا للمصريين، وكانت بداية “حرب” لتمصير الاقتصاد من أجل مقاومة الاحتلال البريطاني. واتجه بعد ذلك إلى دراسة العلوم الاقتصادية بجانب التعرف على بعض العلوم والآداب الأخرى، بجانب العمل على التواصل مع التيارات العلمية والثقافية. كانت للثورة العرابية التي حدثت ضد الخديوي توفيق في عام 1881 تأثير كبير على زيادة الشعور الوطني لدى طلعت حرب. إنشاء بنك مصر بعد إصدار طلعت حرب لكتابه “علاج مصر الاقتصادي ومشروع بنك المصريين أو بنك الأمة” في عام1911، والذي دعا فيه إلى إنشاء بنك للمصريين، يعقد مؤتمر في نفس العام من أجل تنفيذ فكرة إنشاء بنك مصر، ولكن تؤجل تلك الفكرة بسبب الحرب العالمية الأولى، وبعد انتهاء الحرب العالمية تحدث ثورة 1919بقيادة سعد زغلول، وتعود فكرة إنشاء البنك مرة ثانية وينجح طلعت حرب في تأسيس أول بنك لمصر، وفي 5 أبريل 1920 يصدر المرسوم السلطاني من السلطان أحمد فؤاد بتأسيس شركة مساهمة مصرية “بنك مصر”،تتكون من مساهمين مصريين هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا، ومحمد طلعت حرب بك، وعبد العظيم المصري بك، وعبد الحميد السيوفي أفندي، والطبيب فؤاد سلطان، وإسكندر مسيحة، وعباس بيسوني الخطيب أفندي. برأس مال 180 ألف جنيه وكان أول مكان للبنك في شارع الشيخ أبي السباع. لم تستطع سلطة الاحتلال منع هذا البنك على الرغم من منافسته “للبنك الأهلي”، الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادي في مصر، والسبب كان خوف الاحتلال من غضب الشعب المصري مرة ثانية، ويحدث ما حدث بعد اعتقال سعد زغلول من قبل، بجانب أن سلطة الاحتلال كانت ترى أن هذا المشروع سيفشل، بسبب قلة خبرة المصريين بالأمور الاقتصادية، وبعد إنشاء البنك يرفض طلعت حرب تولي رئاسة البنك، ويترك المنصب لأحمد باشا يكن، ويكتفي بمنصب نائب الرئيس والعضو المنتدب، ومن أجل النهوض بالبنك يرسل طلعت حرب الشباب المصريين للدراسة في الخارج للتدريب والمعرفة أكثر عن طريقة العمل في البنك. وبعد ذلك ينقل فرع البنك إلى شارع محمد فريد وتنتشر فروع بنك مصر حتى تصل في عام 1938 إلى حوالي37 وحدة مصرفية، ومن الأمور التي لايعرفها الكثيرون هي أن طلعت حرب كان يرفض أن يقوم البنك بتمويل أي مشروعات لا تراعي البعد الأخلاقي وتسيء إلى الخلق العام. ومن الأشياء المهمة التي حدثت بعد إنشاء بنك مصر تقليل نسبة البطالة، إلغاء مقولة الاحتلال بأن “المصري لا يعرف إلا الاستدانة ” حيث عمل البنك على تعليم المصريين الادخار هذا بجانب تحفيز الأطفال على الادخار أيضًا عن طريق توزيع حصالات على التلاميذ في المدارس للادخار فيها، ثم تأخذ الأموال بعد ذلك ويفتح بها دفاتر توفير للأطفال، في النهاية يعتبر إنشاء بنك مصر في القرن العشرين بداية الاستقلال الاقتصادي لمصر. إسهامات اقتصادية جديدة لطلعت حرب قام طلعت حرب بعد إنشاء بنك مصر بعامين بإنشاء أول مطبعة مصرية، وبعد ذلك قام البنك بإنشاء الشركات التابعة للبنك مثل شركة النقل البري، وشركة النقل النهري، وشركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ومصنع لحلج القطن في بني سويف، بجانب إنشاء البنك مخازن لجمع القطن في جميع محافظات، ويواصل طلعت حرب إنشاء الشركات المصرية مثل شركة مصر للملاحة البحرية، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح، ومصر للسياحة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للكيماويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية من أجل منافسة الشركات الأجنبية مثل صيدناوي. هذا بجانب إنشائه لأول شركة للطيران في الشرق الأوسط وهي شركة مصر للطيران برأس مال 20 ألف جنيه. كان طلعت حرب يرى أن للفن والثقافة دورا هاما في تنمية الثقافة ونشر الوعي عند الشعب المصري، لذلك قرر إنشاء شركة مصر للتمثيل والسينما “ستوديو مصر” في عام 1935، من أجل إنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين، وكانت باكورة هذا الإنتاج هو فيلم “وداد” لأم كلثوم هذا بجانب إنتاج أستديو مصر فيلمًا قصيرًا لمدة 10 دقائق للإعلان عن المنتجات المصرية، وإنتاج نشرة أخبار مصرية تعرض كل أسبوع عن الأحداث التي تحدث في مصر قبل بداية عرض أي فيلم. استقالة طلعت حرب من بنك مصر في عام 1939يتعرض بنك مصر لأزمة كبيرة نتيجة سحب عدد كبير من الأشخاص لأموالهم، ويذهب طلعت حرب ليقترض من البنك الأهلي التابع للاحتلال الإنجليزي ولكن محافظ البنك يرفض ذلك، فيلجأ طلعت حرب إلى حسين سري وزير المالية في ذلك الوقت للتدخل لإنقاذ البنك فيوافق حسين سري على حل المشكلة، ولكن بشرط تقديم طلعت حرب لاستقالته من البنك فيوافق “حرب” على هذا الطلب، ويقول جملة الشهيرة “فليذهب طلعت حرب وليبق بنك مصر” المرأة والحياة الأدبية والثقافية لطلعت حرب صورة تجمع بين طلعت حرب وهدى شعراوي في أثناء حفل تكريم أول طيارة مصرية لطفية النادي كان من الممكن أن يصبح طلعت حرب واحدًا من أهم المفكرين والكتاب العرب، لكنه ترك كل ذلك من أجل الثورة الاقتصادية المصرية وله العديد من الكتب منها كتاب “تاريخ دول العرب والإسلام”، ثم كتاب “كلمة حق عن الإسلام والدولة العثمانية”، وكتاب “قناة السويس” الذي كتبه من أجل منع الإنجليز من تمديد عقد قناة السويس 40 سنة أخرى بعد انتهاء ال99سنة. عندما دعا قاسم أمين إلى تحرير المرأة المصرية في كتابه “تحرير المرأة” أصدر طلعت حرب كتابه “تربية المرأة والحجاب”، ردًّا على هذا الكتاب ويصدر قاسم أمين كتابه الثاني “المرأة الجديدة” ليقوم طلعت حرب بإصدار كتابه “فصل الخطاب في المرأة والحجاب”، من أجل الرد على دعوة قاسم أمين لحرية المرأة، وطلعت حرب لم يكن يعترض على قضية تحرير المرأة الأدبي لكن كانت وجهة نظر بأن هذه القضية من الممكن أن يستغلها بعض الأشخاص لا من أجل التحرير، ولكن من أجل مصالح مادية ومعنوية أخرى، وعلى الرغم من اعتراض طلعت حرب على دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة، إلا أنه دعا إلى عمل المرأة وكان لها دور واضح في مشروعاته الاقتصادية، هذا بجانب تكريمه لأول طيارة مصرية وهي لطفية النادي والتي قام بإهدائها 10 ساعات طيران مجانًا تكريمًا لها. رحيل طلعت حرب تمثال طلعت حرب فى13 أغسطس لعام 1941 تنتهي حياة أول من دعا إلى تمصير الاقتصاد المصري، ويحضر الجنازة العديد من الشخصيات السياسية والدينية، وفي عام 1960 يقرر الرئيس جمال عبد الناصر إطلاق اسم طلعت حرب على “ميدان سليمان باشا سابقًا”، ووضع تمثال لطلعت حرب في وسط الميدان، وهناك ميدان آخر لطلعت حرب في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، بجانب إطلاق بنك مصر اسم طلعت حرب على النادي الخاص بالبنك، والموجود في حي العجوزة، بجانب قيام وزراة الثقافة بإنشاء “مركز طلعت حرب الثقافي”، وفي عام 1980 يقرر الرئيس السادات منح طلعت حرب قلادة النيل العظمى تكريمًا له ساسة بوست .