عصام شرف: الاختلاف مع الدولة والحكومات وارد والوطن لا يمكن الاختلاف عليه خالد زيادة: مطلوب إعادة فكرة الانتماء للوطن العربى
العزاوى: الإسلام السياسى مارس القتل البطيء لفكرة الوطنية والقومية العربية
باتت قضية المواطنة وتعميق مفاهيمها فى المنطقة العربية، تحظى باهتمام مكثف وذلك فى ضوء الاختراقات التى تعرضت لها، ما تسبب فى جملة من المعطيات السلبية وأسهم فى تمزيق الأوطان وتفتيت الدول ورفع منسوب حالة الإقصاء والتهميش التى تمارسها بعض الدوائر، سواء على مستوى النظم السياسية أم على مستوى الجماعات والتنظيمات، لا سيما تلك التى تتبنى الفكر المتطرف ليس دينيا فحسب وإنما سياسى واجتماعى. وفى هذا السياق جاء اهتمام الصالون الثقافى العربى بالقاهرة بالقضية فى ندوته الشهرية الأخيرة، التى جاءت بعنوان (الوطن والوطنية والقومية) بحضور عدد من الشخصيات السياسية والفكرية والدبلوماسية والأكاديمية، والذين أفاضوا فى تتبع إشكالية المواطنة تاريخيا وفى الواقع الراهن وقدم الندوة المفكر العربى الدكتور قيس العزاوى سفير العراق السابق بالقاهرة أمين عام الصالون الثقافى العربى الذى تحدث عن موضوعها قائلا: إن الوطن يعنى لغويا منزل الإقامة ومحلها، وفى القرآن الكريم هو الديار، وفى الشعر المكان الذى ولد ونشأ فيه الفرد محاطا بالأهل والأقارب ولم يعرف قدماء العرب الوطن إلا بهذه الصيغة، وبقى الأمر هكذا طيلة التاريخ الإسلامى، فانتماء المسلم يكون للأمة الإسلامية وليس لأى كيان سياسى أهمية بقدر أهمية الأمة، وهذه هى أزمة التعايش بين الإسلاميين والدول العلمانية التى يعيشون فيها. وأضاف: إن أول مرة نصت الوثائق الإسلامية على مصطلح الوطن بمفهومه السياسى الحديث كان فى خط كلخانة عام 1839، ثم أخذ تعريف الوطن يتطور من كونه مصطلحا جغرافيا سياسيا، إلى البلد الذى تسكنه أمة يشعر المرء بانتمائه إليها . وتطرق العزاوى إلى كلمة الوطنية وتاريخها وتجلياتها فى بلاد الغرب ومعناها فى أغلب اللغات وتساويها بمصطلح القومية، مشيرا إلى أهمية التذكير بهذه المواضيع فى ضوء ما قام به الإسلام السياسى من عمليات التشويه المخطط والقتل البطيء لفكرة الوطنية والقومية العربية واستبعاد صفة الوطنية عن كل ما لا يتوافق دينيا وثقافيا وطائفيا مع الإسلاميين. وقال: لقد انشغل التيار الدينى بعد أن أضعف بكل الوسائل الرابطة الوطنية والقومية بإثارة الفتن، ففى الدول التى عرفت بالتعايش مع كل الطوائف والأعراق مثل العراق وسوريا واليمن أشعل التيار الدينى الفتن الطائفية والدينية والقومية فيما بينها، أما الدول ذات الانسجام المجتمعى العالمى مثل مصر، فقد هاج السلفيون وماجوا ضد المسيحيين والصوفيين والشيعة والعلمانيين والجمعيات النسائية، والتقى مسعاهم مع مسعى القوى الكبرى التى خططت منذ أكثر من قرن لاقتتال الهويات فى عالمنا العربى . وفى مداخلة قصيرة للدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء المصرى الأسبق لفت فيها إلى أن الوطن هو المقر وهو يشبه فكرة الأم والأمومة، فالمواطن يشعر بأن الوطن هو الشيء الذى لا يرفض له طلب ولا يلومه، مبينا بأن الوطن هو ليس روحانيا فقط بل وجدانيا أيضا، أما بالنسبة للإسلام السياسى - يضيف - فأنا أرغب بتسميته بتسيس الدين، لأن الإسلام حث على التعايش بين المسلمين والمسيحيين، واليهود فى المدينةالمنورة بعد هجرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم إليها. ويقول: إن الثقافات المتعددة تتحول إلى أوطان متعددة وهذا ما حصل اليوم، فكل ثقافة تبحث عن وطن يشابه ثقافتها ويستعيد الوطن من خلالها، مشيرا إلى أن الشباب فى الوقت الحاضر لايسمح بالوصاية عليه وأخذت فكرة الوطن تختلط عليه بين الدولة والوطن، فنحن نختلف مع الدولة والحكومات لكن الوطن لا يمكن الاختلاف عليه. ووفق رؤية الإعلامى محمد الخولى، فإن البعض ممن يحتقرون فكرة الوطن فى الوقت الحاضر الكثير أضحى بالنسبة لهم عبارة عن حفنة تراب، ولعل أول من تكلم عن الوطن هو رفاعة الطهطاوى الذى وصفه بأنه مكان السعادة للجميع، وتكلم عن المرأة وحقوقها وبعدها تكلم عن الوطن شخص أزهرى أى تعلم فى المؤسسة الدينية. وقدم الدكتور خالد زيادة، المفكر اللبنانى والسفير السابق بالقاهرة تعريفا بالوطن، متحدثا عن مكوناته الثلاثة المتمثلة فى الثقافة والأرض واللغة والتى تلعب الدور الرئيس فى ترسيخ الانتماء إليها، لافتا النظر إلى أن الاهتمام بالوطن له جذور، غير أنه فى السنوات الأخيرة ومع دخول الإسلام السياسى كمتغير فى الواقع العربى، بدأت فكرة القومية العربية تتهاوى وحتى الوطن أصبح لا يعنى شيء، فهناك الآن مجموعة من الشباب تكرس فكرة الصداقة مع إسرائيل، وهو ما أخذ ينتشر فى بعض مواقع التواصل الاجتماعى، ثم يضيف مشددا: نحن هنا نريد إعادة فكرة الانتماء للوطن العربى التى نحن جزء منها، برغم أننا نعيش فى وطن عربى جريح، لكن هذا الحلم سيظل يراودنا ومستحوذا على الذاكرة الجمعية للعرب. ويؤكد زيادة أن مفهوم الوطن والمواطنة والوطنية، بات يشهد تطورا واهتماما واسعا منذ نشوئهم وتداولهم، خصوصا بعد الثورات فى أوروبا، مشيرا إلى أن المفاهيم اختلطت بين الدولة والوطن وعلاقة المواطن بهما، الأمر الذى يستوجب وجود تشريعات وقوانين تنظم هذه الأمور من خلال بلورة مؤسسات تكرس هذه المفاهيم وتقوم أساسا على مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين . ويلفت المفكر المصرى سمير مرقص، النظر إلى أن هناك نصوصا تتعلق بموضوع الوطن والمواطنة فى الدستور الحالى، لكن الواقع غير ذلك فهو يختلف عن النص الدستورى ويقول: نحن فى حاجة إلى مقاربة غير مقاربة نصية ولا بد أن نعيد النظر بالمسألة وتعزيز مفاهيم المواطنة والوطن، مبينا أن الوطنية التى نعرفها بالشكل الحالى بمصر بدأت خلال حكم محمد على ثم فى زمن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وهو ما جعلها - أى المواطنة - ترتبط فى بعدها السياسى والوطنى بالتاريخ الذى يهييء المجال لتكريس الوطنية . ويرى حبيب الصدر، سفير العراق بالقاهرة ومندوبه الدائم لدى الجامعة العربية، أن ثمة التباسا بين مفهومى المواطنة والانتماء، فما يميز المواطنة هو الوعاء الأشمل الذى يستوعب مختلف الانتماءات، لأنها تؤسس على المصلحة الوطنية العليا وتتسم بمعايير من شأنها تحقيق التفاعل بين مصالح الأفراد والوطن، وهى تحاسب عليها أجهزة الدولة، أما الانتماء فزمامه بيد قوى أيديولوجية حزبية يصعب فصل زمامها، وربما تفضى بعض الممارسات إلى تناقضات مع مبادئ المواطن ومواصفات المواطنة، والتى تقوم بالأساس على الاعتراف بالشراكة والتعددية الإثنية والدينية، واحترام حق التعبير والحريات والإيمان بحوار الحضارات وعدم تصادمها وتعزيز قواعد حقوق الانسان والحريات العامة والاهتمام بالشئون الدولية وحل الأزمات بالتفاهم السلمي. ويقول: ما أحوجنا فى العراق إلى تغليب مفهوم المواطنة على جميع الانتماءات، والمشروع الوطنى الراهن، يؤكد فى أحد مضامينه على تغليب مبدأ المواطنة لأنها ضرورية فى بلد يعج بالأعراق والقوميات والمذاهب، ومن أجل تماسك وحدته لا بد أن نحتكم إلى مفهوم المواطنة، وهذا ما تعمل عليه الزعامات السياسية باتجاه إعادة ترتيب أوراق البيت العراقى فى مرحلة ما بعد التحرر من قبضة تنظيم داعش، وكلنا يعلم أن مفهوم المواطنة يعلو على كل الأحزاب، لذلك هو موضوع حيوى ولا بد أن نقف وقفة تأملية بشأنه . ومن جهته يقول الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد: إذا دخلنا فى تعريف المعرف فسندخل فى متاهات شديدة ويتوقف عندى مفهوم المواطنة فى مصر ،ويرى أنه يؤشر ضمن جوانب أخرى إلى أن يحصل الأقباط على حقوقهم كاملة، ويرى أن ذلك يمثل تحديا كبيرا للدولة المصرية، لذلك تم تأسيس بيت العائلة لكى يقضى على التفرقة بين المواطنيين المصريين من مسلمين ومسيحيين، أما فى العالم العربى فأعتقد – الكلام لمكرم - أن تطبيق المواطنة مرهون باحترام الأقليات الموجودة فى بلداننا . وطبقا لمنظور الكاتبة المصرية فاطمة ناعوت، فإن من أسباب الأزمة المتعلقة بهذه المسألة فى الأمة العربية التعامل مع المصطلحات وتقول: أنا أشعر بالانتماء كلما نلت حقوقى فى بلدى وبالانتماء كلما انخفض منسوب هذه الحقوق، وهذا ينعكس على الشعور بالوطنية والمواطنة التى هى حق على سواء أحببت وطنى أم لم أحبه.