بعض الأفغان يعتبرون ممارسة النساء لكرة القدم إهانة للعبة ووصفوهن ب "الساقطات" اللاتى يتحدين الأعراف والتقاليد كانت كرة القدم هى أصل الحكاية بالنسبة لتألق العديد من نجمات اللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم، لكن فى بلد مثل أفغانستان، حيث تعتبر ممارسة السيدات للكرة هو قمة الإهانة للعبة، لم يكن مشوار خالدة بوبال ممهدا، وقد عانت ابنة العاصمة الأفغانية كابول، من أجل دخول كرة القدم النسائية فى بلادها، حيث لم يكن سهلا أن تمارس النساء هناك الرياضة علنا. فى دولة كان يقودها نظام طالبان، لم تكن ممارسة النساء لكرة القدم أمرا يسيرا، وإذا ما حدث ذلك تتهم النساء ب "العاهرات"، اللاتى يخالفن الشرف وأعراف البلاد ويفضحن عائلاتهن، وهو ما حدث مع بوبال، التى لعبت فى مدرستها مع زميلاتها بكرة قديمة بالية، لكن المتعة لم تكتمل، لأنه وقعت أعين الرجال على هذا المشهد اعترضوا وقالوا إن كرة القدم ليست للنساء، وإنها إهانة للعبة عندما تلعبها النساء، ومن هنا بدأت معركة بوبال التى لم تعرف معنى الاستسلام. شبت خالدة منذ الصغر على ممارسة كرة القدم، حيث كانت والدتها هى مدربة اللياقة البدنية الخاصة بها، وعلمتها أن الكرة ليست مجرد رياضة، بل هى مصدر قوة، لذلك واجهت تحديات وتعنتا من الآباء الذين رفضوا السماح لبناتهم بممارسة اللعبة، برغم ذلك فقد كانت الكرة هى سبيل الفتاة الوحيدة للكفاح من أجل حقوق النساء فى وطنها وإحداث تحول فى المجتمع، وهى تعلم جيدا أن مشروعها محفوف بالمخاطر. أصرت ابنة الثامنة والعشرين عاما على مواصلة المشوار، ودخلت التاريخ عندما أصبحت فى العام 2007 أول قائدة لمنتخب بلادها للسيدات، وقبل ذلك وجهت معارضة شديدة، فقد تعرض أخوها ومدربها للضرب لثنيها عن مواصلة عملها، ما دفعها لمغادرة أفغانستان فى إبريل 2011 وهربت وحدها دون عائلتها إلى الهند، ومن هناك تقدمت بطلب اللجوء إلى الدانمارك التى تعيش فيها حتى يومنا هذا. وفى حوار لها مع موقع الاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا"، كشفت بوبال أسباب رحيلها عن أفغانستان قائلة: "عندما تم تعيينى رئيس لجنة كرة القدم للسيدات صار صوتى أيضا أكثر قوة، واستمتعت بذلك الوقت، وبنجاحنا فى جعل كرة القدم للسيدات معروفة فى البلاد، فكنا نتحدث بصراحة ونلعب بحرية فى بلدنا، فى ذلك الوقت ظننت أننا فزنا، لكن فجأة تغير كل شيء عندما علا صوتى أكثر وأصبحت الرسالة أكثر قوة". ولم تكن الفتاة تعرف أن صوتها المرتفع هذا سيشكل خطراً على حياتها، لأنها حاولت عن طريق الرياضة، أن تدعم النساء فى بلدها وتشجعهن على الالتحاق بالحركة، ومع زيادة نجاحات المدافع السابق لمنتخب السيدات الأفغاني، بدأت تواجه السباب من الناس، وكانوا يلقون القمامة أمام منزلها، بخلاف رسائل التهديد لحياتها وحياة أسرتها، فغادرت قبل أن تتحول التهديدات إلى طلقات رصاص تصيبها فى مقتل، فغادرت بلادها دون أن تخبر أحدا بالرحيل سوى والديها، كما لم تكن تعرف متى ستعود أو هل سأعود أم لا؟ ولم يرافقها فى الرحلة سوى جهاز الكمبيوتر الشخصى وحقيبة ملابسها وصورة لها مع فريقها القديم. وكشفت خالدة، أنها لم يكن لديها الوقت لتوديع زميلاتها، واتجهت إلى الهند، وعاشت فى قلق خوفا من إلقاء القبض عليه وترحيلها إلى أفغانستان، بسبب عدم امتلاكها تأشيرة، وأمام كل هذه المعوقات نجحت جوبال فى تنظيم مباراة هناك للفريق القومى لبلدها، لكنها لم تظهر فيها، ثم رحلت إلى مركز اللاجئين فى النرويج، ومنه إلى مركز آخر فى الدانمارك، حيث حصلت على الإقامة. وتروى شعورها بأن ذلك الملجأ ليس المكان الذى ولدت من أجل العيش فيه، وتحسرت وحلمت بالعودة إلى ممارسة كرة القدم مرة أخرى، خصوصا أنها فشلت فى الانضمام لأحد الأندية المحلية فى الدانمارك، بسبب إصابة كبيرة، اجهت على أثرها أزمة نفسية، قبل أن تتحسن حالتها وتمارس السباحة وركوب الدراجات، كما كانت تقوم بمساعدة اللاجئين نفسيًا فى المركز، وشجعت النساء فى المركز على ممارسة الرياضة التى بإمكانها إزالة الحواجز بينهم وبين الشعب الدانماركي. ولم تقتصر أعمال بوبال على أدوارها فى الملجأ فقط، بل امتدت لتشمل أعمالها المساعدة فى إدارة المنتخب النسائى الأفغانى لكرة القدم، واستعانت بمدربين أمريكيين لتدريب المنتخب، وقالت، إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذى يكره المسلمين والمهاجرين، لا يمكنه أن يقف فى طريقها. وأثناء سعيها لإقناع الآباء بأنها تحترم دينهم ومعتقداتهم، تعاقدت خالدة العام الماضى مع شركة عالمية متخصصة فى تصميم الأزياء الرياضية، من أجل تصميم أزياء رياضية متضمنة الأحجبة الإسلامية للاعبات المنتخب، وتكليلًا لنضالاتها ونجاحاتها، منحتها المؤسسة الخيرية العالمية للتعليم، وسام الكفاح لعام 2017 فى يوم المرأة العالمى السابق. واعترفت بوبال قائلة: "أحب بلدى وأحب أن أعمل فى بلدي، لكن طالما أن الوضع لم يتغير، سأواصل العمل من أجل كرة القدم للسيدات، فأنا مدير برنامج كرة القدم للسيدات فى أفغانستان وأقوم بمهمة التنسيق فى البرنامج وأنظم عن بعد مختلف الأحداث والتظاهرات فى البلد، وهذا يبقينى نشيطة ويسعدنى حتى إن كنت بعيدة عن وطني، لكننى لا أزال دائماً مرتبطة به." وكثيرا ما تحدثت بوبال عن نضالها من أجل حقوق النساء فى مختلف الندوات الحقوقية فى جميع أنحاء العالم وأمام الأممالمتحدة. كما كانت موجودة أيضا ضمن الضيفات المتحدثات فى مؤتمر فيفا من أجل المساواة والإدماج، الذى أقيم بداية مارس المنصرم، واعتبرت أن حضورها فى هذا المؤتمر، هو فرصة عظيمة لتبليغ رسالتها إلى صناع القرار، وأيضاً إلى الأشخاص الذى يقررون فى تطوير كرة القدم للسيدات ويدعمون النساء من خلال كرة القدم. وعندما بدأت بوبال ممارسة كرة القدم فى عام 2004، كان عدد النساء لا يتعدى ثمانى أو عشر، أما الآن وصل العدد إلى ثلاثة آلاف سيدة يلعبن كرة القدم فى أفغانستان، وليس فقط فى العاصمة، لكن فى الضواحى أيضا. كلل مجهود بوبال بالنجاح، ففى عام 2015 وفى سابقة تحدث للمرة الأولى فى تاريخ أفغانستان، تم تشكيل أول منتخب لكرة القدم النسائية، كان قوامه فتيات قررن التمرد على تقاليد مجتمعهن المتشدد من أجل ممارسة اللعبة الشعبية الأولى فى العالم. وكرة القدم هى الرياضة الوحيدة التى كان يمارسها الأفغان قبل سقوط طالبان، ولعل أبرز مشكلة تواجه الكرة النسائية هى نظرة المجتمع المتشددة للمرأة التى تجبرها على التزام البيت والقيام بالمهام المنزلية فقط وعزلها عن المجتمع ومنعها عن العمل، فضلا عن فقر البنى التحتية واستغلال الملاعب فى إقامة محاكمات شعبية. وتقول بوبال "إن الفريق ذاق الأمرين منذ البدء فى إنشائه عام 2006 فلم يلق أى دعم سواء من الدولة أم من العائلات الذين منعوا بناتهن من الانسياق وراء الفكرة، بجانب أن مسلحى طالبان كانوا يمنعون الفتيات من الذهاب للمدارس، فكيف سيسمحون لهن بلعب الكرة." وعلى الرغم من أن أفغانستان عانت من ويلات الحروب طوال عقود مضت، فإن أهلها لايزالون يحملون عشقا لكرة القدم ويمارسونها بشكل مستمر برغم عدم وجود ملاعب كافية، وليست الكرة الأفغانية حديثة العهد، فالاتحاد الأفغانى من بين الأعضاء المؤسسين للاتحاد الآسيوى عام 1954، بينما يعتبر نادى محمودية أول فريق يتأسس هناك فى عام 1934، وقبل ذلك كان المنتخب الأفغانى قد شارك فى بعض المنافسات الإقليمية، كما شارك فى الألعاب الأوليمبية الصيفية التى أقيمت سنة 1948، ولعب أول مبارياته هناك أمام منتخب لوكسمبورج وخسرها بسداسية نظيفة. ويعتبر ملعب "غازي" الذى يقع فى مدينة كابول، هو الملعب الوطنى فى أفغانستان، ويتسع لنحو 25 ألف متفرج، إذ تم افتتاحه فى عهد الملك السابق أمان الله خان سنة 1923، وهو الملك الذى يعتبر بطلا عند الأفغان، بعدما كسب معركة استقلال الوطن أمام القوات البريطانية، لكن هذا الملعب كانت له استخدامات أخرى أثناء حكم "طالبان"، فمنذ سنة 1996 منعت الحركة الحاكمة ممارسة كرة القدم للرجال والنساء، كونها رياضة محرمة شرعا – وفقا لاعتقاداتهم - واستمر الوضع على ذلك النحو حتى عام 2001، وفى تلك الفترة تحول الملعب الوطنى من ملعب لكرة قدم إلى ساحة إعدام، حيث كانت طالبان تقوم هناك بإعدام المعارضين السياسيين والمدانين اجتماعيا بأحكام مختلفة، وذلك قبل أن يستأنف الملعب نشاطه الكروى بعد سقوط حكم طالبان، وعاد المنتخب لخوض مبارياته تدريجيا منذ عام 2003.