إضعاف منظومة الاتحاد الأوروبى يفرز تداعيات كبيرة على الدول العربية بعد مرور ستين عاما على إنشائه يعانى الاتحاد الأوروبى من تحديات مصيرية ليس فقط لخروج بريطانيا، لكن بسبب تزايد الهجرة غير الشرعية ومخاطر الإرهاب وتصاعد نفوذ الأحزاب الشعبوية التى ترفض نظام الاتحاد الأوروبى، وتصفه بالبيروقراطى العقيم وارتفاع النعرة القومية داخل دول أوروبية خاصة بعد المشاكل الاقتصادية التى مرت بها دول أوروبية العامين الماضيين مثل اليونان وقبرص وإيطاليا. وتؤثر الأوضاع فى الشرق الأوسط و أوروبا عليهما بسبب القرب الجغرافى أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم، وبالتالى فإن إضعاف منظومة الاتحاد الأوروبى سيكون له تأثيره الكبير على الدول العربية، خصوصا جنوب البحر المتوسط، ولعل عقد ثلاث قمم أوروبية فى ظرف عدة أسابيع لدليل قوى على مدى استشعار الخطر لدى قادة الاتحاد الأوروبى، فالقمة الأولى عقدت بشكل دورى يومى 9 و10 مارس فى بروكسل ثم جاءت القمة الثانية فى 25 مارس فى روما بمناسبة الذكرى الستين لاتفاقية روما، التى أسست لسوق أوروبية مشتركة وأرست لإنشاء الاتحاد الأوروبى أخيراً القمة الثالثة فى 29 إبريل المقبل لتحديد الموقف من المفاوضات مع بريطانيا حول بريكست، القمم الثلاث توضح أن الاتحاد الأوروبى يواجه خطر الفشل وربما الانهيار بدلا من أن يصبح قوة عالمية، وهو مصير ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على الدول العربية خصوصاً ان الاتحاد الأوروبى هو مستثمر رئيسى ومانح أساسى للمعونات والقروض لعدد كبير من الدول العربية ومن بينها مصر، كما تربطه شراكات اقتصادية مع عدة دول عربية مثل المغرب ومصر، ويهمه حاليا بدرجة كبيرة استقرار الدول العربية بعد تأثره بتزايد إعداد المهاجرين غير الشرعيين بسبب الأزمات وسوريا وليبيا واليمن ودول إفريقية. وكان قادة 27 دولة قد وقعوا الأسبوع الماضى وثيقة روما الجديدة التى جاءت على غرار الوثيقة الأولى لميلاد السوق الأوروبية المشتركة عام 1957، والتى وقعت عليها وقتها كل من ألمانياوفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورج، وعرفت الوثيقة الجديدة بالورقة البيضاء التى تضم 20 صفحة التى برغم أنها لم تتحدث عن احتمال انهيار الاتحاد الأوروبى، فإنها أشارت إلى تزايد التحديات ليس فقط بسبب خروج بريطانيا، ولكن بسبب تزايد تهديدات الإرهاب الأصولى وتزايد إعداد المهاجرين بعد الأزمات فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وتصاعد الأصوات المناهضة للاتحاد الأوروبى والمؤيدة للمشاعر القومية لكل دولة داخل أوروبا، وتزايد نفوذ الأحزاب الشعبوية التى ترفض الاتحاد الأوروبى وتعتبره هيئة بيروقراطية فاسدة، والمخاوف من فوز تلك الأحزاب فى الانتخابات المقبلة فى فرنسا مايو المقبل وألمانيا فى سبتمبر المقبل، بجانب انتخاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى انتقد الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو صراحة عدة مرات، و محاولته التملص من التزام بلاده بمسألة الأمن الأوروبى والتخوف من إعجابه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين واحتمالات الاتفاق معه بما يتيح لروسيا فرصة التحرك ثانية فى أجزاء من دول أوروبا الشرقية خصوصا ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وزادت المخاوف بعد تعمد ترامب لدى لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى منتصف مارس ألا يذكر كلمة الاتحاد الأوروبى ولو مرة واحدة كما تجاهل مصافحة ضيفته. والمعروف أن ميركل انتقدت ترامب بشكل علنى عندما كان مرشحا، بينما اتبع هو لهجة سلبية حيالها بسبب سياسة الهجرة التى تتبعها، التى تسمح بدخول أعداد من المهاجرين، بل إن ترامب استخدم ميركل لتخويف الأمريكيين من انتخاب هيلارى كلينتون التى ستتبع نفس سياسات ميركل فى قبول المزيد من المهاجرين داخل الولاياتالمتحدة، وتهيمن أزمة تزايد المهاجرين التى تعانيها معظم الدول الأوروبية على معظم مناقشات قادة الاتحاد الأوروبى ومباحثاتهم مع زعماء الدول الأخرى خصوصاً من الشرق الأوسط، بعد مطالب بقبول مليون ونصف مليون مهاجر وهو ما يصفه بعض الأوروبيين بالجنون. وقد تحدثت الورقة البيضاء عن مبدأ الوحدة حتى فى حال التحرك بسرعات متباينة، خصوصا أن 19 دولة فقط من بين 27 دولة عضو بالاتحاد الأوروبى قررت الدخول فى اتحاد نقدى باستخدام اليورو كعملة موحدة، وركزت الوثيقة على 4 أهداف رئيسية، وفى مقدمتها تحقيق أوروبا آمنة يتمكن فيها المواطنون من التحرك بحرية كبيرة ويتم خلالها ضمان أمن الحدود الخارجية والخروج بسياسية فاعلة لمواجهة ظاهرة الهجرة ومكافحة الإرهاب والإجرام المنظم. والجدير بالذكر أن ست دول أوروبية قررت فى 25 مارس 1957 و بعد 12 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية البدء بمرحلة جديدة من النظام والعلاقات بين الدول الأوروبية. بعد 30 عاما من "الحرب الأهلية الأوروبية"، والتى قَوّضَت من 1914 حتى 1945 جميع أسس الحضارة الغربية. فى هذه الأجواء وقع ممثلو الدول الست المؤسسة، وهى بلجيكاوألمانياوفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا على معاهدتين مهمتين: معاهدة تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EWG)، ومعاهدة تأسيس مجموعة الطاقة الذرية الأوروبية (EURATOM). ولعل الحرب الباردة كانت العامل الأساسى الذى أسهم فى لم شمل ممثلى البلدان الستة المجتمعين فى روما، بجانب الخوف من تمدد الاتحاد السوفيتي. وهو العامل الذى لا يزال موجوداً حاليا بسبب الخوف من تمدد روسيا فى أوروبا الشرقية بعد ما حدث فى أوكرانيا.