من المؤسف أن تكون إحدى السلبيات التى كشفت عنها انتخابات نقابة الصحفيين ، أن قطاعا من الصحفيين ممن يفترض فيهم أنهم حملة لواء الحريات والديمقراطية ، هم أول كافر بما تمليه تلك الديمقراطية . وذلك بداية من فترة الدعاية التى شهدت اتهامات تضمنت عبارات "مرشح أمنجى" و"مرشح إخوانى" واتهامات للنقيب السابق تضمنت قيامه بارتكاب مخالفات وتسببه فى الأزمة بين النقابة والدولة علي خلفية قضية تيران وصنافير.
وبعد ظهور نتيجة الانتخابات فوجئنا بتراشق لفظى واتهامات متبادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين بعض – ولا أقول كل – أنصار المرشحين الرئيسيين اللذان كانت تدور المنافسة بينهما النقيب السابق يحي قلاش والنقيب الحالى عبد المحسن سلامة ، إذ أن فريق سلامة رأى أن الأهرام استعادت مقعد النقيب ثانية وأن عهد الخصام بين النقابة والدولة قد انتهى وأن اعتراض أنصار قلاش على النتيجة واعتباره ردة على الثورة ، إنما هو تعبير عن موقف تيار اليسار بصفة عامة الذي لا يرتضي الهزيمة .
فى حين رأى بعض أنصار قلاش أن النقابة عادت ثانية غنيمة يقتسمها النظام والإخوان ، وشكك البعض مقدما فى موقف سلامة من مصير قضية يحيي قلاش المنظورة أمام المحاكم على خلفية قضية عمرو بدر ومحمود السقا .
وكنت أربأ بالصحفيين- وهم قادة رأى عام- النزول إلى هذا المنزلق خصوصا بعد ذلك البوست الذي كتبه أحد الصحفيين عن صحفيات الأهرام وقيامهن بالرقص وإطلاق الزغاريد بعد فوز سلامة – على حد زعمه – وهو ما أثار حفيظة صحفيات الأهرام ودفعهن إلى الحديث عن تقديم بلاغ رسمى ضد هذا الصحفي .وتطور الأمر إلى الحديث عن اضطهاد ل "الأهراميين" والحقد عليهم من جانب بعض الصحفيين فى المؤسسات الأخرى.
جاءت الانتخابات بكل أسف لتشهد حالة من الاستقطاب السياسى وتحولت المعركة على يد البعض إلى يمين ويسار وإخوان وظهرت دعوات من بعض الأهراميين لما أسموه باستعادة مقعد النقابة .ورغم اعتزازى وفخرى الشديد بانتمائي للأهرام ،فإن انتمائي للمهنة يجعلنى لا أنجرف وراء دعوات الاستقطاب أو التقسيم، فالنقيب السابق جاء بأصوات الصحفيين- أهراميين وغير أهراميين والنقيب الحالى جاء أيضا بأصوات الصحفيين- أهراميين وغير أهراميين .
أما الحديث عن علاقة النقابة بالدولة فينبغى أن ندرك تماما أن دور النقابة هو مراعاة حقوق الصحفيين والحفاظ على قواعد المهنة وتطويرها وليس عليها الدخول فى خصومة مع الدولة كما ليس عليها المهادنة مع الدولة على حساب المهنة وإلى من طالبوا بحصر دور نقابة الصحفيين فى إطار نقابة خدمات عليهم أن يراجعوا التاريخ .
فالنقابة هى التى وقفت ضد المساس بكرامة المهنة والصحفيين ،ولعل الأزمة الأكبر والأشهر في تاريخ الصحفيين كانت عام 1995 وقت أن كان إبراهيم نافع نقيبًا للصحفيين وهو القانون الذي أطلق عليه الصحفيون «قانون اغتيال الصحافة»، فقد صدر هذا القانون دون أن تناقشه نقابة الصحفيين التى انتفضت ونظمت اعتصاما احتجاجيا يوم 6 يونيو لمدة 5 ساعات بمقر النقابة، شارك فيه مئات الصحفيين من كل المؤسسات والأجيال والاتجاهات ، في أكبر حركة احتجاجات شهدتها النقابة على مدى تاريخها، وغطى الصحفيون جدران نقابتهم بالرايات السوداء ، ونشروا القائمة السوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير هذا القانون، وأقاموا جنازة رمزية شيعوا فيها حرية الصحافة.
وتوالت مبادرات الغضب فقد احتجبت صحف الوفد والشعب والأحرار يوم الجمعة 2 يونيه، والحقيقة السبت 3 يونيه، والأهالي، الأربعاء 7 يونيه، وقررت بعض الصحف تنظيم حركات اعتصام بكامل محرريها بحديقة النقابة. وعلى مدار أكثر من عام ظلت الجمعية في حالة انعقاد مستمر، ثم عقد المؤتمر العام الثالث للصحفيين في سبتمبر 1995 والذى خرج بتوصيات مهمة لملامح الخطوط العريضة لأي مشروع بديل يمكن أن يقبله الصحفيون .
وفى الأول من يوليو2006، تم تعديل القانون رقم 147 لسنة 2006، وتمت الموافقة على تعديل بعض مواد قانون العقوبات تجاهلت الحكومة مطالب الصحفيين التي تضمنها مشروع القانون الذي تقدمت به النقابة، ففي الوقت الذي ألغى فيه عقوبة الحبس في بعض المواد إلا أنه استحدث جريمة الطعن في ذمة الأفراد التي لم تكن موجودة أصلا بقانون العقوبات، وقرر لها عقوبة الحبس والغرامة المشددة.
وبعث نقيب الصحفيين جلال عارف، رسالة إلى مبارك ، وقرر أعضاء مجلس النقابة الدخول في اعتصام مفتوح انضم إليه بعض أعضاء الجمعية العمومية، كما قرر أكثر من 25 رئيسًا لتحرير صحيفة خاصة وحزبية في سابقة مهمة في تاريخ الصحافة المصرية احتجاب صحفهم رفضًا لإقحام مادة الذمة المالية التى تستهدف تكميم الأفواه.
وهكذا يكون دور النقابة ... هذه الكلمات آثرت كتابتها بعد ظهور نتيجة الانتخابات وليس قبلها حتى لا أصنف - حسبما يهوى للبعض دوما - فى صف مرشح بعينه ،بينما هو موقف ينتصر للمهنة وتاريخ النقابة .
من هذا المنطلق أرى أنه سيكون على صحفى واع حريص على مهنته أن يتقدم برسالة شكر إلى الأستاذ يحي قلاش النقيب السابق ومجلسه ، وأن يقف مع نقيبه الحالى الأستاذ عبد المحسن سلامة والمجلس المنتخب بما يخدم المهنة ويعلي من شأنها.
على الجميع أن يتوقف عن عبارات التخوين والتشكيك والتقسيم وأن يحترم الجميع مجلس النقابة والنقيب الذين جاءوا عبر الصناديق بطريقة ديمقراطية نزيهة .
ونقيب الصحفيين الحالى الأستاذ عبد المحسن سلامة ككاتب صحفى محنك وصحفى قدير ومهنى ممتاز وإنسان خلوق، جدير وقادر على أن يعبر بالنقابة كل الأزمات وأن يرفع من شأنها ، متجاوزا كل دعوات الاستقطاب والتسييس التى تضر بالمهنة .