نواجه كل عام اعتراضا مستمرا لعدم وحدة البلاد الإسلامية, أو العربية علي الأقل, في رؤية هلال رمضان وشوال, ولما اتحدت الدول في الإفطار هذا العام, صدق المعترضون كل عام كلاما لبعض الهواة غير المتخصصين حيث رأوا أن الهلال يتعذر رؤيته, فلما رأته اللجان العلمية الشرعية في عدة دول لم يعجب هذا الاتحاد من يريد أن يكون معترضا دائما, وأتذكر أن حادثة حدثت سببت بعض الجرحي منذ سنوات, فلما سئل أحد المصابين عن اسمه ووظيفته, قال: إني معترض, وظن السائل أنه لم يسمع السؤال الذي كان مدخلا لمواساته والاطمئنان علي صحته, فأعاد السؤال فأعاد المصاب الإجابة: إني معترض, فهذا اسمه وهذه وظيفته( معترض), ونحن أمام سؤالين منهجيين لتحليل الظاهرة: السؤال الأول: لم يفعل هؤلاء هذا فيسيرون وراء الخبر ولا يسيرون وراء العلم؟! وهذا المنهج ابتداء يخالف الهدي الرباني الذي يقول:(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)( النحل:43). والسؤال الثاني: لماذا يتبع هؤلاء وهم يدعون إلي العقلية العلمية, عقلية الخرافة ويقدمونها عند أول إثارة علي الإنارة؟! هيا بنا ننظر ما يحدث في الواقع, ونتفهم نفسية هؤلاء: يجتمع القمر مع الشمس في نقطة التقاء في السماء, فكل منهما يأتينا من الشرق, وفي آخر الشهر يجتمعان, ثم يفترقان, ويسير كل واحد منهما في طريقه, وعند ذلك يسمي علماء الفلك هذا الافتراق: أن الهلال قد ولد, ومعني هذا أنه إذا لم يتم الاجتماع ثم الافتراق لا يولد الهلال, وقد ولد هلال شوال في عموم مصر تقريبا الساعة الخامسة صباح يوم الاثنين29 أغسطس2011( ويختلف باختلاف خطوط العرض). يمكن للهلال أن يغرب قبل غروب الشمس فتستحيل رؤيته, أو مع الشمس فتستحيل رؤيته أيضا, أو بعد الشمس فيمكن رؤيته إما بسهولة أو بصعوبة, والهلال في مصر غرب هذا العام بعد غروب الشمس بثلاث دقائق أو أكثر. قرر مجمع البحوث الإسلامية سنة1964 م أن الهلال إذا غاب قبل غروب الشمس أو معها, وجاء من يدعي رؤيته, ردت شهادته ولم تقبل لأنه بذلك قد خالف الحساب الفلكي, أما إذا ادعي رؤيته والحسابات الفلكية تؤكد أن الهلال سيمكث بعد غروب الشمس صدقناه, وأقر هذا المعني مؤتمرات مجمع الفقه الإسلامي في اسطنبولوجدة وقطر وماليزيا والأردن وغيرها. في سنتنا هذه(1432 ه) أثبت الدليل الفلكي الصادر من المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية التابع لوزارة البحث العلمي بجمهورية مصر العربية, وكذلك المساحة المصرية في تقويم جمهورية مصر العربية لسنة2011 الموافق شوال1432 ه بقاء الهلال بعد غروب الشمس, وأكد هذا الباحث الفلكي عبد الكريم محمد نصر الشامي في سوريا في تقويم بالحساب الفلكي والشرعي ونص كلامه: الرباط والقدس والرياض وصنعاء وأبو ظبي ومسقط وطهران أول شوال30 آب( أغسطس). وقد جاءت قرارات المجامع الفقهية والمؤتمرات العلمية بضرورة توحيد الرؤية في كل بلد مشترك معنا في جزء من الليل. ولقد قررت دار الإفتاء المصرية منذ سنة1961 م إرسال بعثات لها تتكون من فلكيين وشرعيين, تتكون البعثة الواحدة ما بين خمسة وستة أفراد إلي أماكن مختلفة عددها تسعة في أنحاء الجمهورية, بهدف رؤية الهلال في كل شهر عربي من شهور السنة القمرية ولا تكتفي برؤية هلال رمضان وشوال وذي الحجة, وتقدم تقريرها إلي مفتي الديار الذي يلتزم بقرارات المجامع العلمية الشرعية. وفي عام1432 ه, رأت لجنة توشكي الهلال بوضوح, ثم رأت لجنة سوهاج نفس الهلال بوضوح, ولم تره اللجان الأخري, وأعلن الديوان الملكي السعودي أن الهلال رئي في ثلاثة أماكن مختلفة بالمملكة العربية السعودية, وثبت بذلك أن يوم الثلاثاء الموافق30 أغسطس سنة2011 م هو أول أيام شوال سنة1432 ه. وقد يري بعض الناس أن الدين ليس علما, وهذا إضلال مبين, فالدين علم ومبني علي العلم, ولذلك تري أحدهم يسأل لماذا يحتكر علماء الدين الأمر كله, أليس من حقنا أن نبدي ما نراه؟ ونقول له: لا ليس من حقك هذا, لأن الدين علم وهو يختلف عن التدين, وليس هناك في الدين أهواء بل هناك قواعد ومناهج نتعلمها علي يد أهلها المختصين لنكون قادرين علي تخريج الأحكام, ولم يشترطوا في التعلم جنسا ولا لونا ولا نوعا ولا شكلا, لقد أفهموك خطأ فسرت في ظلال أن التدين هو علم الدين. وانتشار الشائعات في المجتمع ظاهرة خطيرة يجب مواجهتها والقضاء عليها في مهدها وهذا يتم بأمرين: الأول أن يؤخذ الخبر من أهله ذوي الاختصاص دون غيرهم إذا كان متعلقا بمسألة علمية, فالمرجعية والجماعة العلمية هي الملاذ الآمن من الشائعات والفتن, والثاني: من أبرز وسائل مواجهة الشائعات أيضا في عصرنا الحاضر وسائل الإعلام المختلفة التي يجب أن تخرج للناس بالأخبار الصحيحة المؤكدة حتي تقطع الطريق علي مروجي الشائعات وتقي الناس من الوقوع في غوايتها وبراثنها, فالإعلام في الإسلام له دور بارز ومهم, من أجل الارتقاء بالأمة إلي مصاف الحضارات العظمي, فهو ليس إعلاما محضا بل هو صاحب رسالة سامية, كما أنه ليس مجرد ناقل للأحداث أو الأفكار من هنا وهناك, بل يقدم مادته صحيحة وصادقة وهادفة, خاصة عندما يتعلق الأمر بوأد الشائعات وإطفاء نار الفتن التي قد تشعلها. ومن هنا ندعو المجتمع العربي والإسلامي إلي التعقل وعدم الانسياق وراء الشائعات, وإلي الترابط والتماسك ودحر الفتنة حتي لا يصل المغرضون إلي غايتهم بالوقيعة بين أبناء الوطن الواحد أو الأمة الواحدة. المزيد من مقالات د. علي جمعة