أسبوع من المفاوضات الماراثونية بقيادة رئيس بوركينافاسو نجحت في النهاية في ايجاد حل لأزمة سياسية حادة. كانت قد شهدتها ساحل العاج وكادت تعصف بالسلام والاستقرار في تلك الدولة الواقعة غرب أفريقيا. لتعيدها مرة أخري لاجواء الحرب الأهلية التي عانت من ويلاتها, وذلك بعد اعلان بوليام سورو رئيس وزراء ساحل العاج تشكيل حكومته الجديدة التي ستضم وزراء من أحزاب المعارضة. وبرغم أجواء التفاؤل الواضحة في تصريحات رئيس الوزراء, واعرابه لوسائل الإعلام عن أمله في أن تبدأ الحكومة في مزاولة نشاطها خلال48 ساعة علي أكثر تقدير, ودعوته للجميع إلي أن يحافظوا علي السلام والهدوء, الا أن ذلك لم يقض نهائيا علي حالة الترقب التي سادت خلال الفترة الماضية بين أوساط المعارضة في ظل اتهاماتها المتكررة للرئيس بمحاولة احكام قبضته علي السلطة. وكانت شرارة الأزمة قد اندلعت في وقت سابق من الشهر الحالي, عندما اتخذ الرئيس الايفواري لوران جباجبو قرارا مفاجئا باقالة الحكومة القائمة. وحل اللجنة الانتخابية المستقلة المسئولة عن الاعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة, بدعوي ثبوت ارتكابها أعمال تزوير في القوائم الانتخابية, في خطوة من شأنها تأخير اجراء الانتخابات المقررة التي ستسفر بلاشك عن تغيير الرئيس, وهو ما أثار موجة واسعة من الغضب الشعبي علي امتداد البلاد, قوبلت بتدخل عنيف من قوات الشرطة, مما أسفر عن وقوع ثلاثة قتلي علي الأقل فضلا عن عشرات المصابين ودفع البعض للقول إن ماحدث أعاد للأذهان مرة أخري أسوأ ذكريات الحرب الأهلية. وكانت المظاهرات قد اشتعلت بعد اعلان عدد من رموز المعارضة رفضهم القاطع الانضمام لحكومة التحالف الجديدة, واصرارهم علي استئناف اللجنة الانتخابية لعملها بل وتهديدهم بأن الاحتجاجات سوف تستمر حتي تتم الاستجابة لمطالبهم, الأمر الذي دفع رئيس بوركينافاسو للتوجه لساحل العاج بناء علي طلب المعارضة للعب دور الوسيط بين الجانبين, بعد أن تعقدت الأزمة حتي تم التوصل لتسوية وافقت بمقتضاها أحزاب المعارضة علي الانضمام للحكومة وعلي اختيار رئيس جديد للجنة الانتخابية وأربعة نواب له مع الابقاء علي بقية التشكيل السابق دون تغيير. وهنا يشير المراقبون الي أن هذه الأزمة وإن كانت تبدو صراعا سياسيا بين الرئيس واقطاب المعارضة, الا أن لها ابعادا أخري اجتماعية ودينية تضفي عليها قدرا من التعقيد خاصة أنها ليست مشكلة حديثة, ولكنها تعود لسنوات ماضية من اندلاع الحرب الأهلية عام2002 عقب محاولة الانقلاب الفاشلة لازاحة الرئيس, حيث انقسمت ساحل العاج الي شمال معظمه مسلم يسيطر عليه المتمردون, وجنوب مسيحي تسيطر عليه الحكومة وقد ظلت الصراعات قائمة حتي توصل الجانبان لاتفاق تم بموجبه تشكيل حكومة وحدة, وتم الاتفاق علي اجراء انتخابات رئاسية وهي الانتخابات التي تؤجل سنويا لأسباب مختلفة منذ عام2005 وهي السنة التي انتهت فيها رسميا ولاية الرئيس جباجبو حتي كانت خطوة الرئيس الأخيرة التي بدت صادمة للكثيرين. ومع ذلك يوضح المراقبون أن هذه الخطوة وان اعتبرت تهديدا واضحا لعمليات التسوية السياسية في البلاد وتصرفا يتعارض مع الدستور فانها ليست العقبة الوحيدة أمام العملية الانتخابية, فهناك أيضا الجدل القانوني الدائر حول استبعاد الناخبين ذوي الأصول الأجنبية من القوائم الانتخابية, الأمر الذي أثار موجة أخري من عدم الاستقرار ودفعت لمناقشة قضية المواطنة, خاصة أنها كانت عاملا مؤثرا في محاولة الانقلاب علي الرئيس عام2002, ومن ثم كان أحد اهداف الانتخابات انهاء هذه الأزمة السياسية ووضع حد فاصل لحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها ساحل العاج, وهو مايفسر حالة الغضب الهائلة التي شعر بها المواطنون بسبب خطوة الرئيس الأخيرة ويفسر كذلك حالة الهدوء الحذر التي سادت العاصمة بعد اعلان قرب اجراء الانتخابات في ابريل أو مايو القادم, فهل انتهت الأزمة فعلا أم أنها مناورة سياسية جديدة من الرئيس لامتصاص غضب الشارع والمعارضة؟ هذا ماسوف توضحه التطورات المقبلة.