لقد خلقنا الله احرارا ولم يخلقنا تراثا ولا عقارا, فوالله الذي لا إله إلا هو اننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم صيحة أحمد عرابي امام قصر عابدين للخديو محمد توفيق يوم9 سبتمبر عام1881 في سياق أحداث الثورة العرابية. (1) تكشف هذه الصيحة عن أنه مازال في مجتمعنا من لا يعتبر المرأة إنسانا حرا له كل ما للإنسان من حقوق, فالبعض يعتبرها غير جديرة بأن تصبح قاضية في مجلس الدولة, وذلك علي الرغم من أنها اصبحت قاضية في المحكمة الدستورية, وصارت رئيسا للنيابة الإدارية, ليس هذا فقط. بل إن الدستور المصري ينص صراحة علي أن المصريين جميعا متساوون في كل شيء, وأنه لاتمييز ولا تفضيل بين إنسان وآخر علي أساس اللون أو الجنس أو الدين أو العنصر أو الأصل. وهذا الإطلاق في المساواة لم يقيده الدستور. وأغلب الظن أننا لا نحتاج لإعادة ذكر الحجج التي تبين أن المرأة كائن حي كامل الأهلية مثلها مثل الرجل تماما, وأنه غير صحيح اطلاقا القول إن هناك أعمالا تناسبها وأخري لا تتفق مع طبيعتها الضعيفة الرقيقة العاطفية. كذلك أعتقد أن الغالبية العظمي من المصريين اليوم يدركون جيدا خطأ القول إن أفضل مكان للمرأة هو بيتها, وأضف إلي كل هذا أن المرأة المصرية في الريف لم تتوقف أبدا عن العمل مع زوجها في الحقل علي مر العصور. علي الرغم من هذا كله, فان الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة والمجلس الخاص اتخذا قرارات تحرم العمل بالمجلس علي الفتيات المتفوقات في الدراسة حتي لو اجتزن كل الاختبارات المؤهلة للعمل فيه. (2) أغلب الظن أنه لايزال في بلادنا قطاع عريض من الناس رجالا ونساء يعتقدون بحق وصدق أن المرأة أقل من الرجل. وهذا لايقتصر فقط علي ذوي الحظ القليل من التعليم, بل انه يشمل اولئك المتعلمين بل وكما في حالة مستشاري مجلس الدولة يشمل من بلغ من العلم والتجربة واسعة الاطلاع حدا واسعا فقد ظهر مثلا من استفتاء سريع علي الموقع الإلكتروني ب الأهرام أن75% أجابوا بأنهم لا يعتقدون في أن المرأة تصلح للعمل قاضية, وأن25% فقط هم الذين قالوا نعم, انها تصلح, وذلك ردا علي سؤال: هل تصلح المرأة للعمل قاضية؟ لاحظ أن من أجابوا عن هذا الاستطلاع هم أناس لهم دراية بالكمبيوتر, وبطريقة استخدامه وبالدخول علي مواقع الصحف, وكيفية الاشتراك الفعال في المواقع المختلفة علي شبكة المعلومات الدولية, فهم إذن لاينقصهم العلم ولا الخبرة. فإذا وضعنا مع هذا الرقم واقع أن الاغلبية الكاسحة في جمعية مستشاري مجلس الدولة(334 ضد, و42 مع, و4 امتناع) ذهبت إلي رفض تعيين المرأة في المجلس فانه يتجلي أمامنا موقف خطير بحق, لماذا؟ هل السبب في ذلك هو ذهاب قطاعات كبيرة من المصريين للعمل في الخليج مثلا أو في غيرها من الدول العربية المحافظة والرافضة لعمل المرأة, فتأثروا بالقيم الاجتماعية لتلك البلاد, ومن كثرة المعايشة اقتنعوا بها جميعا رجالا ونساء؟ هل السبب ايضا هو حركة الانتقال الكثيفة من الريف إلي المدينة لفئات عريضة من الناس دون أن يتعرضوا لعمليات تثقيف وتربية تجعلهم أكثر استنارة؟ ثم ما هو بالضبط الدور الذي لعبه الإسلام السياسي في هذا المجال, وكيف نجح بتفسيراته القديمة للدين في اقناع المرأة والرجل بعدم أهلية النساء لمواقع معينة؟ يبدو ايضا أن المرأة عندما خرجت إلي المجتمع في الظروف المصرية لم تتح لها الفرصة لكي تقدم النموذج الجيد للمرأة العاملة, فقد أخذنا جميعا نتحدث بإلحاح عن المرأة التي تذهب إلي العمل لا تعمل وتستغل الوقت في تقشير الكوسة, وتنقية الأرز, وتجهيز البامية حتي إذا عادت إلي المنزل اسرعت في طهو الطعام, لكن لماذا أصر المجتمع علي التمسك بهذه الصور السلبية للمرأة, ونسي أن الرجل ايضا عندما يذهب إلي العمل فانه في الغالب لايعمل بل يصرف كل همة في التزويغ؟ ثم أننا ننسي أن المرأة العاملة في مصر تذهب إلي شغلها للعمل ثم تعود إلي المنزل لتؤدي فيه كل أشغالها, فهي في الواقع تحمل عبئا إضافيا أكثر مما كانت تحمله والدتها التي لاتعمل, إلي جانب أنها في نهاية الشهر تعطي راتبها كله لزوجها أو تنفقه بالكامل علي بيتها لأن زوجها يتعمد اجبارها علي ذلك.. فهي فعلا لم تستفد من العمل!؟ (3) الآن أمامنا فرصة كمجتمع, فإذا كنا نريد أن تصبح المرأة قاضية في مجلس الدولة, فأمام النساء والرجال أن يضغطوا بكل السبل, من أجل نيل أو انتزاع هذا الحق, والوسائل في ذلك كثيرة تبدأ من كتابة المقالات في الصحف إلي تنظيم المؤتمرات والندوات التي تنظمها الجمعيات النسائية إلي ترتيب الإضرابات والاعتصامات المنظمة والمحسوبة والمأذون بها من أجل هذا, إلي جانب أن الباب مفتوح امام النقابات العمالية والمهنية للدفاع عن حق المرأة في أن تصبح قاضية بمجلس الدولة, وترتيب أيام في الجامعات المختلفة لشباب الجامعات للتضامن مع هذا الحق والتعبير عن أهمية ذلك, هناك اشياء كثيرة يمكن القيام بها, وليس مجرد الانتظار حتي يأتي التغيير المنشود. فأسوأ أنواع التغيير هو ما يأتي دون السعي الية.[email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن