كلما تفجر ملف عمالي في مصنع من مصانع القطاع العام السابق اكتشفنا قصة جديدة من قصص تسقيع الأراضي وتصفية صناعة وعمليات شراء ليست لتطوير الصناعة وإنما لاقتناص فرصة بيع رخيص لأصول غالية جدا في بيزنيس يربح بلا حد. بدءا من شركة كوكاكولا مرورا بشركة الأهرام للمشروبات وشركة المراجل المصرية وامينو سيتي وصولا لشركة طنطا للكتان لعب المالكون الجدد لعبة واحدة لم تتغير الشراء بأسعار رخيصة ثم إعادة بيعها اراضي غالية الثمن جدا. وحتي الان لا نعرف عن البيع سوي ماذا تم بيعه ولمن وبكم ولم يخبرنا أحد عما احتوته العقود من بنود تضمن علي الأقل لهذه الصروح الصناعية أن تستمر في الانتاج ولا عن حقوق آلاف العمال الذين هم جزء أصيل من كل صفقة بيع تمت. الأسئلة حتي الآن بلا إجابات بينما القضية ستظل ساخنة, ولن يكون مصنع طنطا للكتان آخر ملف يفتح. بينما كان عمال شركة طنطا للكتان والزيوت يواصلون أضرابهم المستمر أمام مجلس الوزراء كانت لجنة القوي العاملة والعمال بمجلس الشعب تشهد جلسة ساخنة جدا ومتأخرة جدا أيضا بحثا عن حل لأزمة عمال شركة طنطا للكتان والأهم البحث عن إجابات لأسئلة تأخر طرحها طويلا تتعلق بضمانات استمرار الشركات والمصانع التي تم بيعها في إطار برنامج الخصخصة وضمان حقوق العمال, والأهم السؤال الذي ربما لن تجد اللجنة إجابة عنه وهو عقود بيع تلك الشركات ونصوصها. أحمد أبو حجي وكيل اللجنة, الذي أعلن غضبه مما يحدث للعمال وللمصانع المصرية التي بيعت بلا أي ضمانات مما جعل المستثمر السعودي الأمريكي الجنسية علي حد قوله يتصرف بكل هذه القوة الغريبة مؤكدا أن تجربة البيع لمستثمرين عرب وأجانب كانت سيئة جدا ويقول: بمرور الوقت يتأكد أن هؤلاء لم يشتروا ليطوروا أو يضخوا استثمارات كما قيل لنا بل ليصفوا الشركات وما فيها من معدات وعمال ليحولوها لأرض تحقق ربحا سريعا وخياليا وللأسف نحن الآن ندفع فاتورة هذا البيع الجائر الذي تم بلا أي شفافية أو التزامات قانونية بحماية تلك المصانع والعمال, فالدولة ممثلة في وزارة القوي العاملة هي التي تدفع أجورا. وهل تتوقع أن يستمر الوضع هكذا؟ لن يستمر بالتأكيد ولن نسكت فلابد أن نهدد صاحب الشركة, إما أن يدفع حقوق العمال أو تضع الدولة علي المصنع وتعيد تشغيله أو علي أبسط تقدير تحدث تسوية مرضية لحقوق العمال والمعاش المبكر, كما أننا في اللجنة طالبنا بحضور الوزراء المسئولين عن هذا الملف وعلي رأسهم وزير الاستثمار ووزيرة القوي العاملة ووزير الصناعة لفتح هذا الملف تماما وإحضار عقود بيع كل الشركات. أشرف الحركي من قيادات عمال شركة طنطا للكتان وعضو اللجنة النقابية المفصول من قبل مدير المصنع يؤكد كلام وكيل لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب ويضيف مزيدا من التفاصيل عما يحدث في المصنع قائلا: بعد أربع سنوات من الإضراب والاحتجاج حتي اللجوء للمحاكم تأكدنا أن صاحب المصنع عبد الاله الكحكي يريد أن يغلق المصنع وأن يبيعه أرضا, فما حدث منذ تسلمه المصنع في مايو2005 وحتي الآن يؤكد ذلك ويكفي أن المصنع متوقف تماما عن العمل منذ شهر مايو2009 بحجة أن المصنع يخسر وليست هناك مواد خام لتشغيله وهو عكس الحقيقة تماما, فقد توقف عن التعامل مع الفلاحين الذين يوردون محصول الكتان له بل لم يدفع لمن وردوامنذ أكثر من عام وبالتالي فالمزارعون احجموا عن توريد المحصول الجديد بل انهم توقفوا عن الزراعة أساسا حيث كان المصنع هو الوحيد الذي يتعامل مع محصولهم. ولعلنا نذكر أن الأزمة مع عمر أفندي ومالكها الجديد بدأت أيضا أزمة عمالية بحتة عندما تظاهر العاملون بالشركة بعد أن اكتشفوا خدعة تعرضوا لها عندما قبلوا صفقة مستغلة ومجحفة للمعاش المبكر حصلوا بموجبها علي أقل من نصف ما يستحقونه ماليا وتظاهر نحو1200 من هؤلاء مطالبين بإعادة تسوية مستحقاتهم المالية بلا فائدة. دكتور شريف قاسم, أستاذ الاقتصاد ونائب رئيس أكاديمية السادات السابق, يؤكد أن طريقة التخلص من القطاع العام السابق كانت خاطئة من الأساس فيقول: اعتقد ان فكرة البيع الكاملة التي حدثت لم تكن صائبة فالبيع الكامل لكل الشركات يعطي للمالك الحق الكامل في التصرف فيما يملك وهذا حق مصان طبقا للدستور ولا يمكن المساس به وربما كانت الوسيلة الأفضل هي بيع حق الإدارة مقابل نسبة معينة وطالما كنت تتحدث عن إدارات سيئة حققت خسائر فلماذا لم نلجأ لإدارات أفضل حتي لو كانت أجنبية مع احتفاظنا بملكية الأصول لضمان عدم تصفيتها ثم إن نظريات الاقتصاد الحر تطورت تماما ولم تعد المدرسة القديمة في تحرير الاقتصاد تماما معمولا بها الان فقد انتقل الاقتصاد الحر نفسه لمرحلة جديدة تسمح للدولة بالتدخل وقتما تريد حتي لا تحدث عمليات احتكار أو إخلال بالصناعة أو الاقتصاد, فدور الدولة الآن أصبح مطلوبا جدا لمنع كثير من الممارسات الخطيرة التي أفرزتها عملية التطبيق الكامل للاقتصاد الحر, وتجربتنا كانت لابد من إعادة صياغتها بشكل مختلف تماما. يعترف دكتور هشام حسبو, أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس وأحد الذين شاركوا في عمليات البيع الأولي للقطاع العام, خلال عمله ككبير مستشاري رئيس الوزراء السابق دكتور عاطف عبيد بأنهم كانت لديهم تخوفات من عمليات البيع الكاملة وما يمكن أن يحدث من أزمات, ولكن الضغوط من الجهات الدولية كانت كبيرة! ويضيف: حاولنا بالتأكيد في عدد من عقود البيع وضع ضمانات لعدم تصفية الشركات المبيعة لكن بموجب الدستور هذه الضمانات لا تمنع من اشتري من التصرف فيما يطلق طبقا للدستور الذي هو أعلي من القانون وبالتالي فنحن محدودون في حركتنا, وفي التصرف مع هؤلاء في أي مشكلة تحدث. ولكن كانت هناك نماذج صارخة جدا لعمليات تصفية في عدد من الشركات لماذا لم تتخذ الدولة في رأيك احتياطاتها في عمليات البيع الجديدة؟ {{ هذا حدث بالفعل ولم أنس شركة مشروبات الأهرام التي تم بيعها أرضا بمجرد أن اشتري الملاك الجدد المصنع من الدولة وهي نموذج صارخ علي تلك التجاوزات, ولكنهم استغلوا أن عمليات التقييم لم تكن تتم علي أساس ان الشركات اراضي بناء بل تعاملوا معها باعتبارها جزءا من اراضي المصنع وبالتالي تم التقييم بشكل مختلف تماما. لدرجة أننا فكرنا وقتها بالفعل في عدم بيع الأراضي التي توجد كملكية تابعة للشركات باعتبارها جزءا منها والاكتفاء ببيع المصانع نفسها فقط حتي لا تتعرض الشركات بالكامل لعمليات تخريب من أجل الأراضي الخالية الموجودة كمخازن أو غيرها وتقع ضمن املاكها ولا أعرف لماذا مثلا لم نتبع أسلوب السهم الذهبي الموجود في انجلترا وهي من أعتي الدول الرأسمالية بحيث تمتلك الدولة سهما ذهبيا في كل مشروع يتم بيعته يصبح وقتها من حقها أن توقف أي عملية بيع لا ترضي عنها كان هذا إجراء مقبول تماما ولكن لا أحد فكر فيه. * لماذا لم يحدث هذا أو حتي يحدث نوع من التمهل في البيع؟ {{ كانت هناك رغبة كبيرة في انهاء الأمر سريعا وللأسف لم يبذل جهد كبير سواء في التقييم أو شروط البيع وعقوده, هذا ما حدث للأسف, حدثت تنازلات كبيرة ونحن كان دورنا استشاريا ولسنا أصحاب قرار.