حالة التوتر وعدم الاستقرار والخطر التي تجتاح الشرق الأوسط بأسره منذ نهايات عام2010 زحفت بانتظام الي ان بدأت تؤثر بشكل واضح علي شبكات خطوط نقل الغاز والبترول في المنطقة.فلم تكن مصادفة أن تتعرض خطوط نقل الغاز في كل من مصر وايران وسوريا لعمليات. تخريبية خلال الأسابيع القليلة الماضية بالإضافة لعمليات التخريب التي طالت نظيراتها في ليبيا وتونس. فمنذ بداية عصر الإكتشافات البترولية في الشرق الأوسط اصبح البترول والغاز من الأدوات الرئيسية أمام متخذ القرار لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.وبزيادة اعتماد باقي دول العالم علي البترول والغاز وزيادة اعتماد إقتصاديات دول المنطقة علي صادراتها منهما زادت أهمية خطوط نقل البترول والغاز في دول المنطقة لتتحول من مجرد وسيلة نقل وقود الي شرايين حياة للأنظمة الحاكمة ووسائل ضغط ومساومة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية,وهو مايعني تحول مد تلك الخطوط الي وسيلة رئيسية لزيادة نفوذ الدولة والنظام الحاكم علي المستويين الإقليمي والعالمي. وبالتالي كان من المنطقي ان تتحول خطوط نقل البترول والغاز الي أهداف رئيسية لأي قوي تريد الضغط علي أو إسقاط أي نظام حاكم في غالبية دول المنطقة. وقدتعرضت مصر بعد نشوب ثورتها بوقت قصير لعدد من العمليات التخريبية التي طالت خطوط نقل الغاز الي كل من الأردن و اسرائيل.وعلي الرغم من تضرر الأردن فقد عبر البعض عن اعتقاده بأن هناك دوافع' وطنية خالصة'تقف وراء تلك التفجيرات المتكررة التي جاءت متزامنة مع اكتشاف شبهات فساد إرتبطت بصفقات تصدير الغاز المصري لإسرائيل.وكان هناك تفجير اخر في سوريا استهدف أجزاء من خط أنابيب غاز مصري يمر بالأراضي السورية والعراقية أي ان الأمر لم يكن يتعلق بإسرائيل! وتزامنت تلك التفجيرات مع عمليات تخريبية طالت شبكات الأنابيب في كل من ليبيا وتونس وهو الأمر الذي تم ارجاعه الي الصراع المسلح داخل ليبيا.أما في تونس فقد كان الهدف مختلفا حيث تم استهداف خط أنابيب الغاز الجزائري المخصص لتصديرالغاز الي إيطاليا. ولم تكن سوريا في الشرق بمنأي عن الأحداث فبالتزامن مع العمليات التخريبية لشبكات الأنابيب في باقي دول المنطقة تعرضت خطوط نقل البترول والغاز بها لعمليات تخريبية وكان احدثها هو الهجوم علي خط انابيب نقل البترول بالقرب من أحد السدود في المنطقة الواقعة بين مدينتي حمص وطرطوس وترك الهجوم حفرة بعمق10 امتار وتسرب البترول الخام الي بحيرة السد مما ادي الي حدوث أضرار بيئية طالت المحاصيل بالمزارع المجاورة. وتم وصف الهجوم بأنه عمل إرهابي من الطراز الأول ولكن البعض برره بأنه رد فعل انتقامي من قبل عناصر مناوئة لنظام بشار الأسد في اطار الإضطرابات الداخلية التي تشهدها سوريا. أما ماتعرضت له ايران فكان يحمل رسالة اكثر وضوحا.فقداعلنت ايران يوم25 يوليو الماضي عن توقيع اتفاق لإقامة خط أنابيب بحلول عام2016 لنقل الغاز الإيراني الي سوريا عبر العراق مع توقعات بأن ينتهي الخط عند السواحل اللبنانية المطلة علي البحر المتوسط بهدف تصدير الغاز الي اوروبا وباقي دول العالم وتم اطلاق اسم له مغزاه علي الخط المنتظر..'خط الغاز الإسلامي'. وقدرت المسافة التي سيقطعها' خط الغاز الإسلامي'بأكثر من5 الاف كيلومتر وإستثماراته ب10 مليارات دولار ويتوقع ان تتراوح قدرته التصديرية ما بين110و250 مليون مترمكعب من الغاز يوميا. الخط الجديد سيخدم كلا من العراق وسوريا ولبنان حتي عام2020,اما باقي ما سينقله الأنبوب فسيتم تصديره لدول اوروبا والعالم مما يعود بالفائدة المباشرة علي ايران. وقد حمل التوقيع الأولي وليس النهائي علي المشروع العديد من المعاني: (1) فالخط الجديد يحمل رسالة ذات طابع سياسي في المقام الأول كما بدا واضحا من الاسم الذي تم اختياره له وهو' خط الغاز الإسلامي' اي انه رسالة ايرانية الي الغرب بوجه عام والولاياتالمتحدة علي وجه الخصوص تشير الي عدم جدوي الحصار الدولي المفروض علي ايران.وجاءت تصريحات وزير البترول العراقي حول استقلال سياسات بلاده عن الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضتها واشنطن لتؤكد تلك الرسالة. (2) يحمل الخط الجديد رسالة ذات طابع اقليمي فإيران تثبت فعليا انها قادرة علي ان تمنح وان تمنع.فهي تمنح الطاقة والوقود للحلفاء وتمنعه عن المنافسين بل ويمكنها ان تقطع الطريق علي من يحاول استخدام اداة الطاقة لتحقيق اهداف سياسته الخارجية في المنطقة. (3) تحويل الغاز والبترول الي وسيلة تعزيز للانتشارالإيراني الفعلي في المنطقة مع باقي الوسائل الأخري التي تتبناها طهران علي المستوي السياسي والدبلوماسي والعسكري. وخلال دقائق قليلة وصلت الرسائل وكان الرد سريعا.فقد نشرت وسائل الإعلام الروسية صباح اليوم التالي علي توقيع الاتفاق مقالا نوه الي تنافسية' خط الغاز الإسلامي'مع خط غاز نابوكو الذي ينقل الغاز الي اوروبا من تركمانستان مرورا بأذربيجان وجورجيا وتركيا وصولا لبلغاريا والمجر ورومانيا والنمسا.وتم التنويه الي أفكار نظرية غير دقيقة تتعلق بتنافسية الخط الإيراني مع خط غاز تعتزم روسيا مده الي اوروبا عبر البحر الأسود.وتم نشر مقال اخر اشار الي الأحلام الإيرانية المتعلقة بأنابيب الغاز في الشرق الأوسط. وعقب4 ايام فقط علي توقيع الإتفاق الأولي لإقامة' خط الغاز الإسلامي' تعرض خط الغاز المسئول عن تصدير الغاز الإيراني الي تركيا المجاورة للتفجير نتيجة هجوم تخريبي! اسفر التفجير عن انقطاع الغاز عن تركيا قبل ان يعود مجددا.وفي بداية شهر أغسطس أعلنت وزارة الأمن الإيرانية عن كشف خلية تابعة ل'حزب الحياة الحرة لكردستان' تسلل افرادها للاراضي الايرانية من العراق,وان المواجهة اسفرت عن مصرع3 واعتقال4 من افراد الخلية.اما اللافت للنظر فكانت شخصية قائد الخلية الذي قتل في المواجهة, فاسمه مراد كاراساتش ويحمل الجنسية التركية. وهكذا اصبح من الواضح ان هناك تركيز علي مهاجمة شبكات الغاز والبترول في المنطقة بل ولوحظ ان اساليب تنفيذالهجوم تتشابه بشكل كبير علي الرغم من اختلاف الدول التي تتعرض انابيبها للهجوم. ومن المعروف ان الدول الغربية تتبني منذ عقود اجراءات مختلفة لحماية نفسها من انقطاع البترول والغاز القادم من الشرق الأوسط وذلك عقب التجربة المريرة التي مرت بها عند قطع امدادات البترول اثناء حرب عام.1973