وليد جعفر : لا يتشوف الشرع إلي إدانة أحد لإيقاع الجزاء به, وإنما يلتمس له وجوها مما يمكن بها درء العقوبة عنه, ويقول د.عبدالفتاح ادريس-استاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة- لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو إلي التجاوز عن زلات الغير وعثراته ما وجد إلي ذلك سبيلا, جاءه ماعز بن مالك الأسلمي فأقر علي نفسه باقتراف الفاحشة, فأخذ رسول الله صلي الله عليه وسلم يلقنه الرجوع عن إقراره, قائلا له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت, قال: لا يا رسول الله, ولما أفشي حاطب بن أبي بلتعة عزم رسول الله صلي الله عليه وسلم علي تسيير جيش لفتح مكة, وأرسل بذلك كتابا إلي قريش, استأذن عمر في ضرب عنقه, فقال له رسول الله: إنه قد شهد بدرا, وما يدريك لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم, ولما استشار يهود بني قريظة أبا لبابة الصحابي في أن يوافقوا علي التحكيم, قال: نعم, وأشار إلي حلقه بما يفيد الذبح, فاستشعر من حينها أنه أفشي سرا, وأنه خان الله ورسوله, واستحيا أن يلقي النبي صلي الله عليه وسلم حتي يحدث توبة, فربط نفسه في سارية المسجد, وقال: لا أبرح حتي يتوب الله علي, ولما علم النبي صلي الله عليه وسلم بمقالته, قال: أما لو جاءني لاستغفرت له, وهذا النهج يحقق التسامح والتماس العذر للناس, وعدم تصيد أخطائهم أو عثراتهم, لمؤاخذتهم عليها.