هدف إنساني نبيل يتطلع إليه الفرد, وحتي الدول, ألا وهو الوصول إلي حياة كريمة يتحقق فيها الرخاء والأمن والاستقرار, ولا يتأتي هذا بالتمني, ولكن بالعمل والجهد والتضحية والعطاء, وإذا كنا في مصر نسعي في هذا الإطار. , سواء علي مستوي الفرد أو الدولة, فإن هذا يقتضي الإشارة إلي أننا نعيش في هذا الوادي الضيق حول مجري نهر النيل منذ آلاف السنين, وقد أصبح الآن مكتظا بالسكان بدرجة تفوق طاقة احتمال أرض الوادي لهذه الأعداد المتزايدة, والتي من المقرر وصول عددهم إلي150 مليون نسمة عام2040 تقريبا, فكيف يكون الوضع عندئذ؟ والحال كما نري الآن من أزمة في المرور وأزمة في إنتاج الغذاء, بسبب نقص الأرض الزراعية نتيجة الزحف العمراني عليها, مع العلم أن المساحة المعمورة من أرض مصر لا تمثل سوي4% والباقي صحراء جرداء! وللخروج من هذا المأزق المأساوي فلابد من أن يفكر الأفراد والدولة من الآن فصاعدا في البحث عن حل عملي لهذه المشكلة. خاصة أن دعاوي تنظيم الأسرة لخفض معدل الإنجاب لم تحقق هدفها المنشود حتي الآن, ولا يزال معدل النمو السكاني في تزايد, وفي تصوري أن الحل الأمثل لهذه المشكلة الخطيرة علي مستقبل الوطن, هو تبني الدولة لمشروع قومي كبير, لإقامة مجتمعات عمرانية جديدة موزعة بشكل موضوعي وعملي علي كافة الأراضي المصرية وفي المناطق القابلة لذلك, لاستيعاب الزيادة البشرية واعتبارها ثروة قومية وليست عبئا. أقول إن أمام المخطط الاستراتيجي فرصا عديدة في هذا المجال علي أرض سيناء التي بارك الله فيها, فحباها بالمناطق الصالحة للزراعة, والمطر الذي يسقط علي جبالها وهضابها سنويا بكميات تعادل تقريبا حصة مصر من مياه النيل, ولكن للأسف فإن مياه سيناء تذهب هباء ولا يستفاد منها إلا بالقليل حيث تضيع إما في خليج العقبة أو خليج السويس أو وادي نهر الأردن عبر صحراء النقب منحدرة من هضاب وسط سيناء, وكان الأولي إقامة سدود وسط سيناء, لتخزين هذه المياه, وزراعة الأرض الصالحة عليها وما أكثرها في سيناء, ولكن الأمر فقط يحتاج إلي إدارة وإرادة تعمل وتتحرك من أجل إقامة مجتمعات عمرانية جديدة تجذب الأعداد المتزايدة من الوادي والدلتا. وهناك فرص أخري لمثل هذا في الوادي الجديد, حيث تتوافر المياه الجوفية الصالحة, وهي مياه متجددة بالخزان الجوفي الذي يستمد مياهه من مياه أعالي النيل في قلب أفريقيا, وتوجد الأرض الصالحة لذلك بالوادي لجديد ويقدرها الخبراء بنحو6 ملايين فدان, لأن الوادي الجديد كان منطقة حضارية في فجر التاريخ, عندما كان هو المصب لنهر النيل قبل تحوله إلي مجراه الحالي بسبب زلزال عظيم أصاب المنطقة فتحول المجري, والأمر يحتاج إلي مشروع قومي يخطط وينظم ويستخدم أساليب الزراعة الحديثة لترشيد استخدام المياه بشكل أمثل, وتكون بذلك منطقة جذب بشري للسكان من الوادي والدلتا أيضا. وعلي هذا المنوال يمكن تحقيق مشروعات أخري في محافظة مطروح, حيث تتوافر المياه, سواء من الأمطار الشتوية أو الآبار, وكذلك في مناطق أخري أقصي جنوب أرض مصر في توشكي, وشرق العوينات, وفي حلايب وشلاتين, حيث تسقط بها كميات مناسبة من الأمطار سنويا تؤهلها للزراعة المناسبة, وحتي في المناطق النائية والقاحلة من وجود المياه الطبيعية فإنه يمكن استخدام العلم الحديث والتكنولوجيا المعاصرة في تحلية مياه البحر لأغراض الزراعة وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة لأن الماء أصل كل شيء حي. ولا تقتصر فرصة التنمية الجديدة علي الزراعة فقط, بل إن هناك فرصا عديدة أخري لمشروعات التعدين, حيث تزخر الأرض المصرية بثروات هائلة من هذه المواد التعدينية الخام, سواء في الصحراء الشرقية أو الغربية, أو علي أرض سيناء المباركة, وهذه كلها يمكن الاستفادة بها في إقامة مجتمعات عمرانية جديدة لجذب السكان إليها ولتخفيف العبء عن الوادي والدلتا, والحفاظ علي البقية الباقية من الأراضي الزراعية القديمة, والاستفادة من الطاقات البشرية في أعمال البناء والتنمية الشاملة, بدلا من ترك الشباب فريسة للضياع تحت سنابك البطالة, أو التعرض لمهالك الهجرة غير المشروعة إلي الخارج التي أصبحت مصدر استنزاف للطاقة البشرية المصرية, حيث يضيع آلاف الشباب فيها, إما بالغرق في البحر, أو التعرض للموت علي السواحل الأوروبية من نيران خفر السواحل هناك, الأمر الذي ينتج عنه إهدار لطاقات وموارد يمكن استغلالها من أجل دفع عجلة التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني. إذن علينا أن نتخلص من الأساليب البيروقراطية في الإدارة, والعمل بروح حديثة, وأساليب متطورة, كما تفعل كل الدول التي تحولت من دول فقيرة إلي دول ناهضة واعدة مثل الصين والهند وماليزيا وكوريا وتايلاند وسنغافورة والبرازيل وغيرها. وعندما يتحقق أمل المشروعات القومية الكبري علي أرض مصر, سوف يجد كل مواطن فرصة عمل مناسبة تمتص هذه الطاقات البشرية, وتختفي معها الأزمات المتعددة التي يعاني منها المجتمع, ومعها أيضا سوف تختفي الجريمة التي أصبحت تشكل وضعا مقلقا علي التماسك الاجتماعي, لأنها جرائم تدور في إطار الحصول علي المال بأي وسيلة, ولو كانت بالقتل وسفك الدماء, حتي طالت الأهل والأقارب فغاضت الرحمة من القلوب, وضربت العلاقات الأسرية الحميمة في مقتل, ولم يعد لها من دون الله كاشفة. المزيد من مقالات عبد الجواد على