يستند المشروع القومي عادة إلي عنصرين: عنصر معنوي, وآخر مادي وفي تزامن واحد, حتي يكتب له النجاح. فالعنصر المعنوي يتضمن أن يشعر كل فرد بأنه له, وبأهميته وجدواه. أليس محو الأمية مثلا مشروعا قوميا بالغ الأهمية. وهل يعقل أن تكون نسبة الأمية في مصر قد تجاوزت40% من مجمل عدد السكان, في القرن الحادي والعشرين؟ ومن الذي اعتدي علي الشرطة أخيرا هل هم من المتعلمين؟ ومشروع تعمير سيناء أليس هو مشروع اقتصادي وأمني طال عليه الأمد؟. ونعرض فيما يلي تجربتين توضحان ذلك. ومن العجيب أن مدة التجربتين واحدة تماما(44 سنة) التجربة الأولي تجربة نهضة اليابان في عصر الميجي(1868 1912) قام بها الامبراطور ميجي الذي لم يتجاوز من العمر14 سنة ولكن لما قامت هذه النهضة كان في الجزر اليابانية الاربعة20.000 مدرسة ومساحة الجزر في مجملها277.000 كيلو متر مربع فقط. فماذا كان شعارهم القومي. لقد انطلقت البعثات اليابانية الي أوروبا وأمريكا لجلب العلوم تنفيذا للبند الخامس من القسم الامبراطوري في1886 الذي ينص علي جمع المعرفة من شتي بقاع العالم حتي تترسخ الامبراطورية علي أسس قويمة. وعادت البعثات لتقول للإمبراطور الشاب إنهم وجدوا أنفسهم متخلفين عن الغرب بخمسين سنة. فقال لهم: قلدوا الغرب ثم اسبقوه, وصار ذلك مشروعا قوميا للحاكم والمحكوم. التجربة الثانية كانت تجربة الوالي محمد علي في مصر وهي أيضا من1805 1849 أي44 سنة. وقد ذكر محمد علي للقنصل الروسي في مصر دوهاميل أنه عندما تسلم زمام الأمور في مصر لم يكن فيها أكثر من مائتين يعرفون القراءة. وأنه هو نفسه لم يتعلم القراءة الا في سن الأربعين( وكان تعداد المصريين حينذاك مليونين ونصف المليون). لقد قصر محمد علي عنايته علي من كان في حاجة اليهم لممارسة شئون الحكم والادارة وبرر ذلك أي خشيته من التوسع في التعليم إلي أن المتعلمين في أوروبا تضيق في وجوههم سبل العيش وتجلي ذلك في أحد خطاباته لولده ابراهيم في16 ابريل1831: أنظر الي ما تعانيه أوروبا من نتائج تعميم التعليم, فمن الواجب الاكتفاء بتعليم القراءة والكتابة لعدد منهم يفي بأعمال الرياسة غير مولعين بتعميم ذلك التعليم. ومضت التجربتان إحداهما ظلت تتصاعد وتيرة التعليم حتي لم يعد هناك أمي واحد في اليابان في1910 ووصلت نسبة التعليم مبكرا الي94% في التعليم في الثانوي وصار في اليابان عدد من الجماعات قدر ما لدي أوروبا مجتمعة, وفي التجربة الثانية تلكأت وزاد تلكؤها حتي عصر سعيد الذي أثر عنه قوله إن الشعب الجاهل أسلس قيادا من الشعب المتعلم. المزيد من مقالات د. فوزى درويش